فى مثل هذا اليوم اى السابع عشر من يوليو من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمى لمكافحة التصحر, وهو واحد من المناسبات التى تحتفى بها الامم المتحدة وتدعو دول و حكومات العالم للاحتفال به بهدف تعزيز الوعى بمشاكل التصحر باعتباره تحدياً بيئياً يواجه العالم
و هذا الاحتفال يقصد به تنبيه الشعوب و الحكومات باهمية حماية الاراضى الزراعية من الارتداد الى عدم الانتاج وذلك بالدعوة الى التقليل من الانشطة التى تقود الى انجراف الاراضى و ايضا العمل على حمايتها من الاثار السلبية للتغيرات المناخية و تدعيم الانشطة التى تقود الى التنمية المستدامه بالاضافة الى العمل على الحفاظ على ودعم وتقوية الانظمة البيئية الزراعية فى مجتمعاتنا.
ويحسن بنا فى البداية ان نوضح ما هو المقصود بالتصحر ؟ التصحر ايها الساده يقصد به تحول الاراضى المنتجة الى اراضى غير منتجة , وهناك تعريف اممى له من خلال اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة التصحر (يقصد بالتصحر عملية تردى اوضاع الاراضى فى المناطق الجافه و شبه الجافة و الجافه شبه الرطبة و هذا التردى ناجم عن عوامل متعددة تتضمن الاختلالات المناخية و الانشطة البشرية.
و حتى لا يختلط الامر نوضح الفرق بين الصحراء والتصحر فالاولى نظام بيئى قائم قابل للحياة و الاستمرار و اداء خدمات للبشرية على وضعه و بامكانياته المخبوءة فيه. و به كائنات حية متعايشة فى نسق منتظم طبقا لما هو متاح لها من ظروف . فى حين يعبر التصحر عن ظاهرة تحدث فى منطقة ما نتيجة اختلال بين معدلات الاستخدام و المواردة الطبيعية المتاحة فى هذه المنطقة التى غالبا ما تكون هشة سريعة التأثر بالعوامل المعاكسة و ضغط الاستخدام و مواردها سريعة الفقد تحت ضغط الاستخدام الغير رشيد. فى وجود عوامل مناخية وطوبوغرافية تساعد على الانجراف و التصحر.
و ما من شك ان التصحر و الجفاف يشكلان معاً اكبر التهديدات للتنمية المستدامه حول العالم , و يتوقع العلماء بحلول عام 2050 سيقع ثلاثة ارباع سكان الكرة الارضية تحت تأثير الجفاف اذا لم يبذل العالم جهوداً لمكافحة الجفاف و التصحر , و يشير الخبراء الى حدوث زيادة فى حالات الجفاف و فتراتها بنسبة تقارب ال 30% عنها عام 2000 و نضيف الى ذلك ما ذكرته المنظمة الدولية للارصاد الجويه فى تقرير صد عام 2021 حيث جاء فيه بوجود 2.3 مليار شخص عانوا مصاعب الجفاف و الاجهاد المائى.
و بالاضافة الى ما سبق فقد ذكرت المنظمة الدولية عن توقعاتها حول تشرد مايزيد عن خمسين مليون شخص حول العالم مع نهاية العقد الحالى بسبب اضطراد وتفاقم الجفاف و التصحر وذلك فى حالة ما اذا استمر ت معدلات تدهور الاراضى بالوتيرة الحالية التى تزداد حوالى عشرين الى ثلاثين ضعف عن ما قبل الثورة الصناعية. وان هذا الامر يؤدى الى ان العالم سنوياً حوالى 24 مليون فدان من الاراضى الزراعية المنتجة للغذاء.
اما فى مصر نا الحبيبة لدينا حقائق عدة اولها ان مصر بلد صحراوية فهى تقع فى الصحراء الافريقية الكبرى وهى من اشد صحراوات العالم قحولة و غنى عن البيان ان الركن الشمالى الشرقى للصحراء المذكوره حيث تقع مصر يعتبر اشدها قحولة , كما ان الامم المتحدة صنفت مصر من دول الفئة الاولى صحراوياً و صنفت اراضيها الى 86% شديدة القحولة و 14% قاحلة , كما ان مناخه مصر شبه معتدل على ساحل البحر الابيض المتوسط وجاف فى الوادى و الدلتا و شديد الجفاف فى الاراضى الصحراوية الا ان الوادى و الدلتا تمثلان واحة غير اعتيادية بان حباها الله تعالى بجريان بنهر النيل بها و الذى مكن من تشييد حضارة عظيمة منذ فجر التاريخ.
و هنا اضيف الى ما سبق مجموعة من الحقائق اولها ان التربة الزراعية فى الوادى و الدلتا تربة مستجلبة مع مياه نهر النيل القادمة من وراء الحدود فقد تكونت عبر ثلاثة عشر الفا من الاعوام وهى المدة منذ اتصال النيل الافريقى بمصر اى منذ ان امتد النيل من الهضبتين الاثيوبية و الاستوائية ووصل الى مصر حاملا معه الغرين (الطمى) ليكون التربة الساحرة الرائعة ذات التوازن التغذوى التى لايوجد مثيل لها, و ثانيها منذ ان تم بناء السد العالى امتنع هذا المد السنوى بالطمى و ثالثها ان اى مساحة من اراضى الوادى و الدلتا التى نفقدها بالبناء عليها لن تعوضها استصلاح واستزراع اراضى صحراوية فالبون واسع ما بينهما فى الخواص الطبيعية و الكميائية و الخصوبة و الاستهلاك المائى و القدرة الانتاجية….الخ.
و رابعها ان تعمير الصحراء بزراعتها شىء ممتاز و أمر محمود لمواجهة الطلب المتزايد على الغذاء جراء الزيادة السكانية المضطردة و لكن فى ذات الوقت يجب اتاحة الاراضى الصحراوية للسكنى باسعار ذهيدة مع توصيل كافة الخدمات لها انشاء فرص عمل فى محيطها لتكون جازبة للسكان من الوادى الضيق الى متسع الاراضى الجديدة. و بالتالى يمتنع البناء على اراضى الوادى و الدلتا. و لمكافحة التصحر فى مصر نا الحبيبة أرى ما يلى:
- ان تتحول نظم الرى لدينا فى جميع الاراضى الزراعية الى نظم الرى الحديث فيما عدا مساحات محددة فى شمال الدلتا التى ستتضرر من ملوحة مياه البحر حال التحول الى نظم الرى الحديثة
- ان تتحمل الدولة المصرية النصيب الاكبر من تكلفة هذا التحول و ان تتيح للمزارعين تمويلا لهذا التحول من خلال البنوك المملوكة للدولة كقروض بدون فوائد على فترات زمنية طويلة.
- ان نمتنع تماماً عن البناء على اراضى الوادى والدلتا تحت اى سبب و نتيح اراضى فى الصحراء للبناء باسعار بسيطة و ان توصل لها الدولة الخدمات المختلفة و تعطى حوافز لمن يقيم فيها و تنشىء بها مصانع و موارد رزق لمن يقيمون فى المجتمعات الجديدة بالصحراء
د. احمد زكى ابو كنيز
رئيس بحوث بمركز البحوث الزراعية
خبير التنمية المستدامة – مركز البحوث الزراعية – مصر