الدكتور عبد العليم سعد يكتب : تلوث البيئة بالمبيدات الكميائية
لقد أدى النجاح الهائل الذي حققته المكافحة الكيماوية باستخدام المبيدات إلى ظهور مرحلة جديدة ، تطور فيها إنتاج واستخدام المبيدات بدرجة مذهلة ، وتميزت هذه المرحلة بالاستخدام المكثف للمبيدات وتزايد استثمارها في معظم بلاد العالم ، حتى أصبحت تمثل الطريقة الوحيدة التي يعتمد عليها في المكافحة دون غيرها من الطرق ، ولكن بدأت تظهر مشاكل وأضرار خطيرة مصاحبة للاستخدام المكثف للمبيدات علي البيئة فيجب أن ندرك أولا وأخيرا أن المبيدات عبارة عن سموم تفتك بكل ما هو حي ولا ينجو من خطرها حتى الهواء الذي نتنفسه.
ومن اهم تأثير إستخدام المبيدات علي البيئة هي:
• يمكن أن تسهم المبيدات الحشرية في تلوث الهواء. يحدث انجراف المبيدات الحشرية عندما تنقل الرياح المبيدات الحشرية المعلقة في الهواء كجسيمات إلى مناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى تلويثها، يمكن أن تتطاير مبيدات الآفات التي تُطبّق على المحاصيل، وقد تندفع بفعل الرياح في المناطق المجاورة، مما قد يشكل تهديدًا على الحياة البرية، ف تؤدى عمليات الرش باستخدام أجهزة الرش المختلفة إلى انتشار المبيد الحشري إلى مسافات تتعدى كثيراً المواقع المطلوب رشها، وينتشر الرذاذ الناتج عن الرش في الهواء الجوى قبل أن يتسرب مع الغبار أو الأمطار على النباتات والتربة والماء، وقد يتأكسد المبيد المترسب بفعل أشعة الشمس والحرارة وبوجود الأكسجين، وتختلف معدلات التحلل الكيميوضوئى فكلما زادت معدلات تبخر المبيد زادت مدة تعرضه للظروف الجوية التي تساعد على التحلل، وفى هذه الحالة قد يتعرض مستخدمو آلة الرش الظهرية لأضعاف الكمية التي يتعرض لها في حالة استعمال آلة الرش المتطورة حديثاً، أما بعد الرش فيتعرض الإنسان للمبيد المترسب بنسبة تصل إلى 95% من خلال التغذية على النباتات واللحوم الملوثة و بنسبة 5% عن طريق مياه الشرب .
كذلك إن ما يتساقط من رذاذ على أسطح النباتات سرعان ما يتطاير ليسقط على التربة وبالعكس فإن ما يتساقط على سطح التربة عرضه للتطاير وتلويث سطح النباتات، وفى كلتا الحالتين يتبخر جزء من الرذاذ ليلوث الهواء، ويعتمد تلويث الهواء بالمبيدات على الضغط البخاري للمبيد، ودرجة ذوبانها بالماء، ومقدرة التربة للاحتفاظ به .
• يمكن أن يؤدي الاستخدام المكثف لمبيدات الآفات في الإنتاج الزراعي إلى تدهور مجتمع الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في التربة والإضرار به، لا سيما عند الإفراط في استخدام هذه المواد الكيميائية أو إساءة استخدامها، بحيث تتراكم المركبات الكيميائية في التربة، قد تلتصق جزئيات المبيدات بالتربة، أو تتطاير، أو تنحرف عن مسارها، أو تنجرف أو تصرف إلى المياه الجوفية: إن كمية المبيد التي تلتصق بالتربة تختلف حسب نوعه ونوع التربة (يكون الامتصاص أعلى في التربة الغنية بالمواد العضوية) والرطوبة والحموضة داخلها. وتدمر المبيدات التوازن ما بين الكائنات الحية داخل التربة، محفزة بذلك نمو الآفات على حساب خصوبة الأرض، كما تؤدي إلى خلل في السلسلة الغذائية، تلوث في البيئة. وبعض المبيدات قد يبقى في الأرض مدة كافية لإلحاق الضرر بمحاصيل الموسم التالي. إن المبيدات تتطاير بسهولة من التربة الرملية والرطبة وتتزايد هذه العملية في الطقس الجاف والحار، أو في وجود رياح تؤثر على رذاذ المبيد. إن إدخال المبيد في التربة يخفف من التطاير في الهواء.
• تتأثر البيئات المائية بالمبيدات من خلال تساقط رذاذها وترسباتها بفعل الأمطار ومياه الري ومياه الصرف الصحي فتصل المبيدات إلى الأنهار أو المحيطات، وتؤثر على الكائنات الحية فيها، كالقشريات والأسماك الصغيرة تتغذى على الاوليات الحيوانية ويرقات الحشرات والمفصليات الأخرى الصغيرة ، و هي أيضاً بدورها تصبح غذاء للأسماك الكبيرة والطيور التي تشكل جزءً رئيسياً لغذاء الإنسان، وهكذا تنتقل المبيدات إلى الإنسان على قمة الهرم الغذائي!!. وتتأثر الكائنات المائية مباشرة بالمبيدات الحشرية الأمر الذي أدى إلى انخفاض أعدادها وهدد البعض الآخر بالانقراض.
• مع زيادة استخدام المبيدات كونت الحشرات سلالات مقاومة لهذه المبيدات فأصبح استخدام هذه المبيدات أمرا عبثيا لا يساهم إلا في تلويث البيئة دون الاستفادة منها .
• زيادة استخدام المبيدات أو الاعتماد عليها فقط خرب ولا يزال يخرب في النظام البيئي الزراعي بما فيه من كائنات مختلفة أي بمعنى قتل الأعداء الحيوية الطبيعية الموجودة في نظامنا الزراعي والتي تساعد في الحد من مشكلات الآفات.
• إن فرص تصنيع مبيدات جديدة قادرة وفعاله تتضاءل مع مرور الوقت وذلك بسبب الضغوطات العديدة التي تضعها الحكومات على الشركات المصنعة وهذا أدى إلى ارتفاع أسعار المبيدات بشكل كبير فأصبح المزارع غير قادر على شراء مثل هذه المبيدات فيضطر الي شراء مبيدات ارخص ثمنا واكثر تلوثا للبيئة.
• بعض المبيدات ذات أثر تراكمي فعلى الرغم من أن المبيدات ذات آثار سامة تختلف باختلاف المبيد ونوعه إلا أنه تزداد هذه الآثار السمية حدة مع تلك التي تتصف بصفة الأثر التراكمي مثل المبيدات الكلورية (التي يدخل الكلور العضوي في تركيبها الكيميائي ) فمثلا :
– مشتقات كلور البترين METHOXYCHLOROR تؤثر في المخيخ وفي منطقة الحركة بقشرة الدماغ كما تؤدي إلى اختلاف في نظم العضلة القلبية وفي حدوث تجوف حول الخلايا العصبية للجهاز العصبي المركزي كما أنها مسرطنة بصورة عامة نتيجة لتراكمها في النسج
– مبيدات الحشرات الكلورية متعددة الحلقات : ( ألدرين ودي ألدرين وأندرين ) فهي تسبب نتيجة لتراكمها في الجسم اعتلالات متفرقة في كل من الجملة العصبية المركزية والدماغ والجهاز الكلوي والكبد مؤدية لحدوث نزوف ووذمات متعددة
– المبيدات العضوية الفسفورية : وتدخل في بنيتها الكيميائية زمرة الفوسفات وهي تعد من أقوى المثبطات لعمل أنزيم الكولين أستيراز فهي ترتبط به وتحوله إلى أنزيم مفسفر غير قادر على تحليل مادة الأستيل كولين الموجودة في النهايات العصبية مما يؤدي إلى حدوث ارتجافات وارتعاشات تنتهي بالشلل نتيجة تراكم المبيد في الجسم .
– المبيدات الكارباماتية : وهي تشبه المبيدات الفسفورية في تأثيراتها السمية وتختلف عنها بأن تأثيراتها عكوسة .
– المبيدات البايروتيدية : وهي ذات سمية منخفضة بالنسبة للإنسان وذوات الدم الحار مقارنة مع الأنواع السابقة
• وجود بقايا المبيدات على الخضار والفواكه
– أثبتت عدة دراسات وجود متبقيات لمبيد «الملاثيون» على الخس والخيار والكوسا والطماطم و البطاطا والتفاح الأمريكي والفرنسي في عدد كبير من العينات التي تم جمعها من أسواق عربية مختلفة، وكذلك وجود متبقيات لمبيد «كلورفوس» في السبانخ والكوسا والخيار والطماطم، وكذلك تم اكتشاف بقايا لمبيد «الدايمثويت» على عينات الكوسا الموجودة في تلك الأسواق. وتراوحت كميات هذه المتبقيات من 0.001 حتى .015 جزء من المليون. أما متبقيات الملاثيون على الكوسا فقد وصلت إلى 0.24 جزء من المليون. وبحثت إحدى الدراسات معدل اختفاء وتحطم مبيدين حشريين هما «دلتاميثرين وبيرمثرين» وأربعة مبيدات فطرية «مين اريمول، وتراي ديميفون، وكينو ميثيونات، وبيرازوفوس»، ومبيد أكاروس «ديكوفول» والمتبقيات المتخلفة بعد التطبيق المتكرر لهذه المبيدات على ثمار الطماطم المزروعة في البيت المحمي، التي تم جنيها عند النضج التجاري، ووجدوا أن المبيدات الفطرية تتحطم تماماً في غضون ثلاثة أسابيع إلا أن بعض هذه المبيدات أظهرت تراكماً لمتبقياتها مع الرش .
-الحد المسموح به من 10 إلى 16 يوماً:
وفي بحث تم فيه تقدير متبقيات المبيدات الفسفورية العضوية بعد رشها على نباتات البطاطا في الحقول المفتوحة أو على نباتات الخيار داخل البيوت المحمية.. والذي أثبت أن متبقيات هذه المبيدات في درنات البطاطا كانت أقل من الحد المسموح به لكلِّ منها، وذلك بعد 16 يوماً من المعاملة. وكانت متبقيات الفوسفاميدون في درنات البطاطا أكبر من الحد المسموح به «.05 جزء من المليون» أما في ثمار الخيار فقد وصلت متبقيات المثيدايثون ودايمثويت وفنثويت إلى الحد المسموح به بعد «10» أيام، بينما وصلت متبقيات مبيد الفوسفاميدون إلى هذا المستوى بعد 15 يوماً من المعاملة. وخلاصة القول أن المبيدات تبقى على الخضراوات مدداً تتفاوت من يوم إلى 19 يوماً. وهذا أساس الخطورة، فالمبيد يبقى على قشور الخضراوات وأوراقها.
-أظهرت النتائج أن غسيل الكرنب وثمار الخيار والكوسا وغيرها أدى إلى خفض تركيز متبقيات المبيد إلى النصف تقريباً، بل أدى التقشير إلى إزالة معظم المتبقيات من على ثمار الخيار ، كما بينت نتائج دراسات أخرى أيضاً أن طريقة تقشير الثمار من أفضل الطرائق في تقليل البقايا النهائية للمبيد في الثمار إلى ما دون الحد المسموح به، في حين قللت إلى حد ما عملية الغسيل والتخليل من البقايا النهائية للمبيد.
مما سبق يتأكد لنا أن المبيدات الكيميائية من أهم ملوثات البيئة لتأثيرها الشامل على جميع مكوناتها الحية بما في ذلك تأثيرها على التوازن البيئي الطبيعي .
…………………………………………………………………
المصادر/
– التلوث بالمبيدات الكيميائية وطرق الحد منها https://worldofculture2020.com/?p=37643
– تأثير المبيدات الحشرية على البيئة https://alarabi.nccal.gov.kw/
– أضرار استخدام المبيدات علي البيئة https://worldofculture2020.com/?p=78286
– تلوث البيئة بالمبيدات الحشرية الكيميائية https://www.alfaraena.com/
– تأثير المبيدات الحشرية على البيئة https://al3loom.com/
– الأثر البيئي لمبيدات الآفات https://ar.wikipedia.org/
–
الاستاذ الدكتور/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي
قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج
مدير وحدة مكافحة الآفات بكلية الزراعة – جامعة سوهاج
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج
عضو مركز التنمية المستدامة بجامعة سوهاج