منذ حوالي ٩٥ عام وبالتحديد في ٤ فبراير ١٩٢٨ ولد المفكر الكبير د.جمال حمدان في احدي قري محافظة القليوبية ..وكان من اوائل دفعته بالثانوية العامة والتحق بكلية الآداب وكلف بالعمل بها معيدا ثم حصل علي منحة لدراسة الدكتوراة بانجلترا ..ثم عاد للعمل بسلك التدريس الجامعي ..وفي ١٧ أبريل ١٩٩٣ وعندما بلغ من العمر ٦٥ عام ..انتقل الي رحمة الله في شقته بالجيزة وفي ظروف غامضة بعد أن انتهي من كتابة مسودة كتابه عن اليهودية والصهيونية ويقع في حوالي ألف صفحة مع اختفاء المسودات وقيدت الواقعة ( ضد مجهول ) ..علي الرغم من ان السيد / امين هويدي ( رئيس المخابرات الأسبق ) قد ألمح ان الموساد يقف وراء الحادث …!!!
ولقد ترك فقيد الوطن الغالي ..ثروة لا تقدر بثمن وهي عبارة عن ٢٩ كتابا متنوعا ولعل اشهرها ..كتاب شخصية مصر والذي يقع في أربع مجلدات وكتب عن قناة السويس وحرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ ومنها احدي المراجع الهامة عن ( سيناء ) التي رويت بالدماء المصرية الذكية علي مر العصور ..وطبعا اتشرف بوجود العديد من تلك الكتب في مكتبتي ( المتواضعة ) …
ولقد سبق أن اطلعت علي كتاب ( سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا ) ومنذ عدة سنوات وهو مرجع في غاية الأهمية والخطورة وكم اتمني من كل القيادات المسؤلة وايضا كل مثقفي الوطن ..الاطلاع عليه ..ومما جاء بالمرجع المشار اليه أن مساحة سيناء تبلغ حوالي ٦١ ألف كم مربع اي حوالي ٦% من اجمالي مساحة مصر التي تصل الي حوالي مليون كم مربع ..في حين يبلغ طول سواحل سيناء حوالي ٧٠٠ كم اي تشكل حوالي ٢٩% من مجموع سواحل مصر البالغة حوالي ٢٤٠٠كم .
وتعتبر سيناء ..بوابة مصر في الشمال الشرقي – البوابة الاولي والكبري وحولها يدور اغلب تاريخ مصر العسكري ..انها حلقة الوصل بين قارتي اسيا وأفريقيا..كما انها حلقة الوصل البري بين الشام ومصر ..من هنا فأن سيناء اهم واخطر مدخل لمصر علي الاطلاق ..كما انها تعتبر مدخل لقارة أفريقيا بالكامل ..كما تعتبر شرم الشيخ هي التي تتحكم تماما في خليج العقبة دخولا وخروجا بالإضافة الي جزيرتي تيران وصنافير وهي تقع في المثلث الجنوبي لسيناء .
ويري المفكر جمال حمدان ..إن الانسحاب من سيناء لا يعني فقط ..شل حركة القناة ولكن الأخطر من ذلك هو تحويل القناة الي اكبر عقبة في سبيل الاسترداد..وتحويلها الي الي اكبر عائق مائي .
قاعده أساسية للتخطيط العسكري
وفي الحقيقة كان يجب علينا ومنذ نشأة إسرائيل علي الأقل أن نضعها قاعده أساسية للتخطيط العسكري أنه منذ وجدت القناة فلا إنسحاب من سيناء الي الشاطئ الغربي تحت اي ظرف أيا كان .. نعم أن الإنسحاب من سيناء سهل جدا عبر القناة ولكن العودة إليها صعبة للغاية .. الي الحد الذي قرر فيه الخبراء الروس في مصر قبل معركة السادس من أكتوبر ١٩٧٣م أنه يلزم لتدمير خط بارليف وقبل عبور القناة قنبلة ذرية ..
كما يري حمدان أن من يسيطر علي فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول ومن يسيطر علي خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء ومن يسيطر علي سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير.. تلك هي حقائق الاستراتيجية المصرية الصحيحة وقواعد الدفاع السليمة عن الوطن .
ولهذا كانت العسكرية المصرية القديمة ومنذ ألالف السنين تري مقابلة عدوها خارج حدود سيناء وعلي أرض الشام .. كما يمكن القول أن سيناء ليس صندوقا من الرمال ولكنها صندوقا من الذهب حيث كانت ومنذ عهد الفراعنة منجم مصر للذهب والمعادن النفيسة وهي الآن بئر بترولها الكبري أي صندوق مصر الأسود.
إن سيناء ليست مجرد فراغ أو عازل بل إنها عمق جغرافي وانذار مبكر .. لقد اعتادت إسرائيل أن تنقل الحرب فور قيامها إلي سيناء وبالتالي فأنه علي أرض سيناء لا يتحدد فقط مصير مصر وحدها بل مصير العرب جميعا.. حيث أن مستقبل العرب مصري .
ماذا عن صحراء النقب ؟
ولكن ماذا عن صحراء النقب .. أنه صحراء مثل سيناء بل يمكن القول انه (سيناء إسرائيل) مثلث صحراوي رأسه الي الجنوب أيضا وما يصلح لسيناء عسكريا وغير عسكري يصلح للنقب .. اذا يري حمدان أنه من الممكن أن يكون النقب هو ميدان المعركه بين العرب وإسرائيل .
إن الفراغ العمراني جعل من سيناء ميدان سهلا للمعارك العسكرية وأيضا فرصة أكثر سهوله للأستعمار الأجنبي قديما وحديثا لأن المبدأ الاستراتيجي في الأمن القومي يقول دافع عن سيناء.. تدافع عن القناه..تدافع عن مصر كلها ويجب علي مصر أن تنقل المعركة دائما الي خارج سيناء أي تنتقل من الدفاع الي الهجوم وذلك نصف النصر .. وتلك كانت الفلسفه منذ حروب التتار وغيرهم من الغزاة .. أن اطماع عزل سيناء عن مصر قديمة ومنذ أيام الدوله العثمانية والإحتلال البريطاني والذي حاول عزل سيناء عن مصر .. بل كان تفكير الصهيوني هيرتزل في جعل سيناء وطن قومي لليهود قبل فلسطين .. ومازال هذا العبث حتي الأن .. حيث يدعوا بعض البرلمانيون الإنجليز الي تدويل سيناء أو تأجيرها أو حتي شرائها مع العلم بأن سيناء أرض مصرية منذ قديم الأزل
إن الذي يشجع علي ذلك هو الفراغ العمراني ولهذا فإن الرد يجب أن يكون سريعا عن طريق التعمير البشري وخاصة أن سيناء تملك مقومات طيبة للتوسع الزراعي بطول الضفة الشرقية للقناه وعلي امتداد الساحل الشمالي .
ربط سيناء بالوطن الأم مسألة أمن قومي
مما سبق وبعد دروس التاريخ القاسية .. أصبح ربط سيناء بالوطن الأم مسألة أمن قومي من الدرجة الأولي وأن أهم عنصر لربط سيناء بالوطن هو تشجيع المواطنين وبكل الطرق الممكنة للانتقال والعمل والأعاشة الكامله في سينا…. لابد من سرعة النظر بإعادة وحسن توزيع الكثافة السكانية والتي أصبحت عبئا علي الوادي .. إن حتمية تنمية قطاع سيناء أمر لا مفر منه لأن تلك الأرض المقدسة والتي إرتوت بدماء المصريين عبر العصور إن لم تشغل بنا .. سوف تشغل بغيرنا كما أن الفراغ السكاني يغري بالطمع والعدوان والإحتلال ..
تحية الي روح الشهيد المفكر د.جمال حمدان في ذكري مولده(ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمه خيرا مما يجمعون ) آل عمران ١٥٧ .
واسلمي يامصر انا لك الفدا
مع خالص تحياتي
دكتور حمدي المرزوقي
وكيل وزارة سابق