إن مقاومة مضادات الميكروبات تعني قدرة الكائنات المجهرية (مثل البكتيريا والفيروسات وبعض الطفيليات) على وقف تأثير الأدوية المضادة للميكروبات عليها (مثل المضادات الحيوية، ومضادات الفيروسات، ومضادات الملاريامما يؤدى إلى فقد العلاجات المعيارية فعاليتها، وتستمر العدوى وقد تنتشر إلى الآخرين.
إن مقاومة مضادات الميكروبات هي مشكلة صحية عامة عالمية متفاقمة ينتج عنها تهدّيد للعلاج الفعَّال لعدد من الأمراض المعدية التي تهدِّد الحياة، والتى تسببها البكتيريا والطفيليات والفيروسات والفطريات، ومن ثمَّ يصبح علاج المرضى صعباً ومكلفاً بل وحتى مستحيلاً.
وتؤدِّي مقاومة مضادات الميكروبات إلى إطالة فترة المرض وزيادة معدلات الوفاة.
إن مقاومة مضادات الميكروبات تحدث طبيعياً مع مرور الوقت، وذلك عادة من خلال التغيرات الجينية، ولكن المقاومة أخذت في التسارع بسبب الإفراط في استعمال المضادات الحيوية وسوءاستخدامها في البشر والحيوانات.
المضادات الحيوية هي أدوية تستعمل للوقاية من عدوى الالتهابات البكتيرية وعلاجها، وتحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تغير البكتيريا نفسها استجابة لاستعمال تلك الأدوية.
تبدي البكتيريا وليس الإنسان أو الحيوان، مقاومة للمضادات الحيوية وقد تسبّب للإنسان والحيوان عدوى التهابات يكون علاجها أصعب من تلك التي تسببها نظيرتها غير المقاومة للمضادات
وتؤدي مقاومة المضادات الحيوية إلى ارتفاع التكاليف الطبية وتمديد فترة الرقود في المستشفى وزيادة معدل الوفيات..
يطلق على الكائنات الدقيقة القادرة على مقاومة العديد من المضادات الحيوية أنها عديدة المقاومة وحيث أن جميع أنواع الكائنات الدقيقة تمتلك القدرة على المقاومة؛ فالفطريات تطور مقاومة ضد مضادات الفطريات، الفيروسات تطور مقاومة ضد مضادات الفيروسات، الكائنات الأولية تطور مقاومة ضد مضادات الكائنات الأولية، وعلى نفس النمط فالبكتريا تطور مقاومة ضد المضادات الحيوية.
تنشأ المقاومة إما بصورة طبيعية عن طريق الطفرات الجينية وإما عن طريق انتقال المقاومة من جنس اكتسبها إلى جنس آخر لم يكتسبها بعد كما أنها قد تظهر لحظيا نتيجة للطفرات الجينية، إلا أن استعمال المضادات الحيوية لفترات طويلة يبدو أنه يحفز ظهور الطفرات في الجينات المسببة للمقاومة على وجه الخصوص ولذا يجب استخدام المضادات الحيوية عند الضرورة القصوى فقط.
بعض الحقائق عن مقاومة المضادات
تشكل الجراثيم الممرضة التي صارت مقاومة للعلاج بالأدوية مشكلةً صحيةً متفاقمةً وعامةً، فعلى سبيل المثال تمثل أمراض السل والسيلان والملاريا والتهابات الأذن عند الأطفال بعض الأمثلة للأمراض التي يزداد علاجها صعوبةً بالمضادات الحيوية حيث أن يعود جزء من المشكلة إلى أن البكتريا والعضويات الدقيقة الأخرى المسببة للأخماج شديدة التكيف وبإمكانها تطوير طرق للنجاة من الأدوية التي تستهدف قتلها أو إضعافها
جدير بالذكر أنه يتم إعطاء الحيوانات المنتجة للغذاء مضادات حيوية للعلاج أو الوقاية من الأمراض أو حتى لزيادة الإنتاج وغنيٌ عن الشرح الأثر السيئ لهذا الاستخدام في جعل الجرثوم مقاوماً للأدوية المستخدمة لعلاج الحيوان وبالتالي يصبح علاج أمراض البشر أصعب.
كما أوضحت الدراسات ان 70% من الجراثيم المسببة للأخماج في المشافي مقاومة على الأقل لنوع واحد من المضادات الشائعة في علاج الأخماج بالاضافة إلى بعض الجراثيم مقاوم لجميع الأدوية المسموح باستخدامها ويلجأ الأطباء لعلاجها إلى استخدام الأدوية قيد التجربة أو الشديدة السمية بالاضافة الىاستخدام المرضى للمضادات الحيوية بتكرار اكثر مما تسمح به السلطات الصحية و منظمات رعاية الصحة حيث أن كثيراً ما يطلب المرضى من أطبائهم مضاداً حيوياً لأمراض مثل الزكام أو السعال وكلها أمراض فيروسية لا تتجاوب مع المضاد الجرثومي ومن الجدير بالذكر عدم إلتزام المرضى بأخذ كامل الجرعة الموصوفة لهم من المضادات الحيوية مما يسهم في زيادة مقاومة الجراثيم للدواء.
وأوضحت الدراسات انه إذا لم يتم متابعة حالات مقاومة الدواء حين تنشأ ومن ثم اتخاذ اللازم من الإجراءات لاحتوائها فهناك إحتمال كبير أن يواجه العالم أمراضاً تستعصي على العلاج مجدداً رغم أنها كانت قابلة للعلاج في السابق، وهو ما يعيد إلى الأذهان الفترة التي سبقت تطور المضادات الحيوية حين كانت الأخماج غير قابلة للعلاج.
آليّة عمليّة مقاومة المضادّات الحيويّة
مقاومة المضادّات الحيويّة تتمّ عبر أربع طرق
1- تثبيط أو تغيير المضادّ الحيويّ : مثل التّثبيط الإنزيمي للبنسلين ج Penicillin G عند بعض البكتيريا المقاومة للبنسلين عن طريق تصنيع بيتا لكتاميزß-lactamases
2- تغيير موقع الهدف (موقع فعاليّة المضادّ الحيويّ): مثل تغيير ال PBP –موقع فعاليّة البنسلين- عند نوع من البكتيريا يدعى العنقوديات الذهبية المقاومة للمثسلين MRSA، كذلك عند بكتيريا أخرى مقاومة للبنسلين.
3- تغيير الطّريق الأيضيّ: بارا أمينو بنزويك أسيد PABA هو عامل مهمّ لصنع حمض الفوليك والأحماض النّوويّة لدى البكتيريا، يمكن تثبيط هذا العامل عن طريق السّلفوناميد غير أنّ بعض البكتيريا المقاومة للسّلفوناميد تستغني عن هذا العامل الأساسيّ عن طريق استعمال حمض الفوليك الجاهز (بأخذه مباشرة من محيطها مثلا)، تماما مثل الخلايا الحيوانيّة.
4- التّقليل من تراكم المضادّ الحيويّ: عن طريق التّقليل من نفاذيّة المضادّ الحيويّ إلى داخل الخليّة و/أو تسريع التّدفّق النّشط (الضّخّ إلى المحيط) للأدوية عبر الغشاء الخلويّ البكتيريّ.
الكائنات المجهريّة وعلاقتها بالحيوانات
العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيلين معروفة على أنّها كائنات متعايشة مع الإنسان وفي نفس الوقت ممرضة له حيث وجدت العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيلين في القطط والكلاب والأحصنة حيث تتسبّب في نفس أعراض المرض الّتي تظهر بالإنسان. يمكن لعدوى العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيلين أن تنتقل من الإنسان إلى الحيوان أو العكس، لكنّ الشّائع هو أنّ هذه العدوى انتقلت من الإنسان إلى الحيوان.
حاليا، توجد نسبة كبيرة من المضادّات الحيويّة المدمجة في طعام الحيوانات مثل الدّجاج، الخنازير والمواشي لأغراض غير طبّيّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة و تمّ الرّبط بين استعمال المضادّات الحيويّة في طعام الحيوانات وظهور فصائل بكتيريّة مقاومة للمضادّات.
الوقاية من مقاومة المضادات الحيويّة
يمكن لاجتناب استعمال المضادّات الحيويّة، في بعض الحالات، أن يخفّض من فرص الإصابة بالعدوى ببكتيريا مقاومة للمضادّات الحيويّة حيث أثبتت إحدى الدّراسات أنّ استعمال الفلوروكوينولون مرتبط بشكل واضح بعدوى المطثيّة العسيرة الّتي تعدّ المسبّب الرّئيسي للإسهال المستشفوي بالولايات المتّحدة الأمريكيّة والمسبّب الخطير للموت في العالم.
ليس للّقاحات مشاكل فيما يخصّ المقاومة لأنّ اللّقاح يزيد من المناعة الطّبيعيّة للجسم بينما يعمل المضادّ الحيوي بمعزل عن هذه المناعة ومع ذلك فإنّ فصائل بكتيريّة جديدة تتطوّر بحيث تفلت من المناعة النّاتجة عن اللّقاح.
بعض اللّقاحات المضادّة للعنقوديّات أظهرت فعاليّة محدودة بسبب التّغيّر المناعي ما بين سلالات العنقوديّات المختلفة إضافة إلى مدّة الفعاليّة المحدودة للأجسام المضادّة النّاتجة عن تطوير واختبار لقاحات أكثر فعاليّة في طور الإنجاز.
مها محمد العالم
باحث اول الباثولوجيا
معهد بحوث الصحه الحيوانية – معمل الزقازيق
مركز البحوث الزراعية-مصر