أخبارخدماترئيسيمجتمع الزراعةمحاصيل

الدكتور جمال صيام يكتب : من أجل موسم توريد ناجح للقمح..نداء إلي رئيس الوزراء

تتعرض أسواق الغذاء العالمية فى الوقت الحالي لظروف استثنائية تمخضت عنها ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية الأساسية وخاصة الحبوب ومحاصيل البذور الزيتية ، فضلا عن زيادات غير مسبوقة فى أسعار الأسمدة النيتروجينية التى تعتبر أحد المدخلات الرئيسية فى إنتاج المحاصيل الغذائية ومن ثم فى تكاليف إنتاجها ثم فى أسعارها فى نهاية الأمر. وقد نشأت هذه الظروف الاستثنائية غير المسبوقة بسبب التأثير المشترك لعدد من العوامل مجتمعة يأتي علي رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التى انفجرت قي فبراير الماضي ، والزيادات الكبيرة فى الأسعار العالمية للنفط والغاز العالمية ، وكانت قد بدأت فى الواقع قبل الحرب، وما استتبع ذلك وبتأثير أيضا من جائحة كوفيد-19 ، من اضطراب سلاسل الإمداد (التوريد) العالمية وانعكاسه علي ارتفاعات تكاليف الشحن والنولون والنقل الدولي.

ولما كانت مصر إحدي الدول المستوردة الصافية للغذاء المتضررة من هذه الارتفاعات الكبيرة في أسعار الحبوب ، خاصة وأنها أكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم (12 مليون طن سنويا) وتستورد نجو 60% من استهلاكها من القمح ( بنسبة اكتفاء ذاتي 40%) ولديها مخزون استراتيجي يكفي فقط لاستهلاك 3.5 شهر ، فهي تواجه أزمة تتمثل قى ثلاث نقاط : 1) خروج روسيا وأوكرانيا من السوق العالمي للقمح بينما تستورد مصر منهما نحو 80% من وارداتها ، ومن ثم اضطرار مصر إلي البحث عن مناشىء جديدة لاستفاء احتياجاتها الاستيرادية مثل الهند 2) ارتفاع السعر العالمي للقمح إلي مستوي لم يصل إليه منذ أزمة الغذاء العالمي فى 2008 مما يمثل عبئا إضافيا هائلا علي احتياطي مصر من العملات الأجنبية ،3) تضاؤل المخزون الاستراتيجي بمرور الوقت مع عدم كفاية الفوائض التصديرية فى مناشىء القمح الرئيسية.

ولمواجهة هذه الأزمة اتخذت مصرعددا من الإجراءات ، استهدفت بصورة رئيسية تدعيم المخزون الاستراتيجي عن طريق التوريد من الإنتاج المحلي بكمية تصل إلي 6.5 مليون طن هذا الموسم.

ولتحقيق ذلك قررت أن علي منتجي القمح توريد 12 إردب عن الفدان إجباريا بسعر إداري بين 865-885 جنيه للإردب، وأن يقوم المنتج بتسليم حصته إلي أي من مواقع الشركة القابضة للصوامع أو شون البنك الزراعي. وقد كتبت مقالا سابقا بعنوان ” ملاحظات حول توريد القمح ومشكلات مطلوب حلها” عرضت فيه بعض المشكلات التي يمكن أن تعرض موسم التوريد لعدم تحقيق الهدف المطلوب.وفى نفس الوقت عرضت بعض الحلول الممكنة التى تحقق هدف الدولة فيما يتعلق بالأمن الغذائي ومصالح المزارعين فى نفس الوقت.

أعيد عرض هذه المشكلات بصورة مختصرة فيما يلي:
1. أن زراعات القمح لدي كثير من الحائزين تقل بها إنتاجية الفدان عن 12 إردب ، فى الأراضي الجديدة وكذا في الأراضي القدبمة .
2. هناك كثير من المزارعين الملاك الذين يؤجرون أراضيهم بالنقد ، ويتقاضون إيجار الأرض نقدا (وليس محصولا) ، وعليه أن يشتري قمحا من السوق لزوم التوريد الإجباري ، ونظرا لتقييد التداول والتجارة فمن أين يشترون؟.
3. ينطبق الأمر علي حالة الإيجار العيني ،حيث يحصل المستأجر علي نصف المحصول ، ويترك النصف الآخر للمالك الذي عليه فى هذه الحالة استكمال معدل التوريد الإجباري من السوق. وحتي لو تم إلزام المستأجر بتسليم حصته ، فهذا يعد تضييقا عليه لأنه يستخدمها أصلا لاستهلاك الأسرة .
4. هناك الكثير من الحائزين الذي سجلت لهم الجمعية (مشرف الحوض) أنهم يزرعون قمحا بينما هم فى الواقع يزرعون البرسيم ، وذلك للحصول علي مقررات القمح من السماد المدعوم.وعلي هؤلاء أيضا أن يشتروا القمح بكمية تعادل مساحة القمح المسجلة علي غير الواقع.
5. تشكل عملية تسليم القمح لأماكن التوريد المعتمدة مشكلة كبيرة قى ضوء تجربة المواسم السابقة ،نظرا لتكدس وتزاحم الموردين فى صفوف وطوابير طويلة ، تقف فيها سيارات النقل الصغيرة بالساعات.وبالنسبة لفئة الحائزين الصغار الذين يمثلون الأغلبية العظمي من مزارعي مصر (80% من الحائزين أقل من 3 أفدنة) الذي لدي كل منهم نحو نصف فدان قمح وعليه توريد 6 أرادب ، يستاجر سيارة بأجرة لا تتناسب مع هذه الكمية، مما يعتبر عبئا إضافيا لا داعي له، وإذا لم بستطع ذلك ، فله أن يجعل أحد التجار الذي يحل محله فى التسليم ولكن فى مقابل فرق سعري لا يقل عن 65 جنبه للإردب ، وهم مزارعون فقراء أصلا وفى حاجة إلي كل جنيه. مع العلم أن الضغط علي أماكن التوريد سوف يكون أشد كثيرا هذا الموسم بالنظر إلي أن الكمية المستهدفة توازي ضعف الكمية فى المواسم السابقة.
يخشي أن لا تتحقق الكمية المستهدفة من التوريد (6.57 مليون طن ) إذ قد لا يستطيع الكثير من المزارعين الالتزام بتوريد الكميات المطلوبة سواء بسبب المشكلات السابق عرضها ، أو بسبب أن بعضهم سوف يقارن بين الفرق السعري (500 جنيه للإردب) وبين ما قد يخسره من دعم للسماد (33 جنيه للإردب ، علي أساس 3 شكاير للفدان مدعومة إجمالا ب 600 جنيه، واعتبار أن متوسط إنتاج الفدان 18 إردب).أو لسبب ثالث أن أغلب المزارعين تعودوا علي الاحتفاظ بكميات من القمح تكفي احتياجات الأسرة من الخبز طوال العام.كما أن البعض منهم سوف يقارن بين السعر المحدد (متوسط 875 جنيه للإردب) وسعر الأعلاف (الردة).

الحلول المقترحة لضمان تحقيق موسم توريد ناجح:

1. النزول بمعدل التوريد إلي 10 إردب عن الفدان (بدلا من 12 إردب).صحيح أن المستهدف سوف ينخفض إلي نحو 5.5 مليون طن (بنقص نحو مليون طن عن المستهدف حاليا) ، إلا أن المعدل المقترح قابل للتحقيق بصورة أكبر ، ثم إنه من جانب آخر يراعي مصالح المزارعين وأغلبهم من الفقراء أو محدودي الدخل.
2. إعطاء الفرصة للمزارعين المتضررين للطعن لدي جهات وزارة الزراعة لتقدير الإنتاجية الفعلية علي الأرض ، وفى ضوئها يتم تحديد الكمية الموردة ، ولاشك أن النزول بمعدل التوريد الإجباري لكافة المنتجين إلي 10 أرادب للفدان سوف يخفف من الطعون وتعقيداتها
3. منح تصاريح للمزارعين لشراء الكمية المطلوب توريدها فى الحالات التى سبق ذكرها. لكن المشكلة هنا أنه قد يضطر إلي الشراء بسعر السوق (1400 جنيه للإردب) ويصبحون ضحية لاستغلال التحار.
4. قرار من الوزير المختص بتحديد جمعية تعاونية (رئيسية) تخدم عدة قري تقوم باستلام القمح بالتنسيق مع الشركة القابضة أو البنك الزراعي.وهكذا يتم توفير تكاليف النقل علي المزارع من جانب وتسريع عملية التوريد وتسهيلها وتحقيق أهدافها من جانب آخر.
الأمر مطروح علي السيد الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء للتقضل بالتوجيه بوضع هذه المشكلات والحلول المقترحة موضع الدراسة واتخاذ القرار المناسب.


د.جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعي
كلية الزراعة ، جامعة القاهرة





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى