الدكتور على عبد الرحمن يكتب : مستقبل الزراعة والأمن الغذائي ظل ظاهرة التغيرات المناخية
يعد تغير المناخ مشكلة عالمية طويلة الاجل، تنطوي على تفاعلات معقده بين العوامل البيئية، وبين الظروف الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه والتكنولوجيه، ويترتب عليه تأثيرات مهمة على المستوى الدولي والاقليمي بما فيها مصر، التي تعد أكثر تضرراً من الآثار الضارة لتغير المناخ.
ومن ملامح التغيرات المناخية التى تحدث فى الوقت الراهن، الجفاف الشديد الذى يجتاح بعض مناطق العالم والأمطار الغزيرة المسببة للفياضانات والسيول المدمرة فى مناطق أخرى.
كما أن السبب الرئيسى لهذه التغيرات، يتمثل فى الإنبعاثات الكبيرة التى حدثت وتحدث، الأمر الذى أدى إلى وجود ظاهرة الإحتباس الحرارى.
وقد يعتقد البعض، أن التغيرات المناخية تدل فقط علي الظواهر الجوية، ولكن أظهرت المتغيرات والمستجدات الأخيرة، أن هناك تغيرات في المناخ السياسي والمناخ الاقتصادي والمناخ الاجتماعي والمناخ الفكري والمناخ الإعلامي، وغيرها من التغيرات، فكل الظواهر التي تلازم حياة الإنسان، وبالتالي فإن كل هذه التغيرات تؤثر علي بيئة الإنسان، لها دور كبير علي المتغيرات الجوية والمناخية التي تؤثر علي البيئة المحيطة بنا.
وربما تميزت ظاهرة التغيرات المناخية عن معظم المشكلات البيئية الأخري بأنها عالمية الطابع، حيث أنها تعدت حدود الدول لتشكل خطورة علي العالم أجمع.
ومما لا شك فيه أن الزيادة السكانية الهائلة والمعدل السريع في استهلاك الوقود، خاصة الوقود الحفري، سواء في التدفئة أوالنقل وغيرها، هذا بالإضافة إلي تراكم المخلفات وحرقها واستخدام التقنيات القديمة في الزراعة، كلها تؤدي إلي انبعاث قدر لايتحمله المناخ من غازات مسببة ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تعرف بأنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلي القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض.
ونتيجة زيادة انبعاث الغازات الدفيئة مثل:غاز ثاني أكسيد الكربون، وبخار الماء، وأكسيد النيتروز، والميثان، والأوزون ومركبات الكلوروفلوركربون، وكل هذه التغيرات لها مخاطر علي الزراعة والغذاء وامدادات المياه.
ويعرّض تغير المناخ للخطر المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة على صعيد مكافحة الفقر والجوع والأمراض، وحياة ملايين البشر، وسبل كسب عيشهم في البلدان العربية. وتتطلب معالجة تغير المناخ تعاوناً عالمياً غير مسبوق عبر الحدود.
وتعيش مصر حالة من العجز الغذائي المتزايد، فالإنتاج من الغذاء لا يكفي لتغطية ما يقابله من استهلاك، مما يؤد إلى التوجه نحو الاستيراد من الخارج، وهذا قد يكون سببا رئيسيا للضغط اقتصاديا، ويكون على حساب الدفع بعجلة التنمية واقتناء التكنولوجيا في القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى.
لذا يجب من الاستغلال الكامل من موارد بشرية ومالية وطبيعية، بهدف زيادة الكفاءة الإنتاجية لهذه الموارد وخفض الفجوة الغذائية.
ومهما تعددت مفاهيم الأمن الغذائي ومعانيه، فإن إنتاج غذاء أفضل وكاف للأجيال القادمة هو أحد أهم ركائزه الأساسية، كما إن تغيير الأنماط الاستهلاكية لمواطنيها، مما أدى إلى استيراد كميات هائلة من السلع والمنتجات الغذائية.
وبسبب الأنماط الاستهلاكية التي تتجه نحو التغير وبشكل مضطرد بزيادة المدنية بين السكان والهجرة السلبية من الريف إلى المدينة، وبسبب إغراق الأسواق بالمنتجات الزراعية والغذائية المستوردة من العالم الخارجي، بأسعار رخيصة ومنافسة، لا تستطيع الصناعات الغذائية المنافسة معها بنفس شروط الجودة.
كل هذه الأسباب أدت إلى ضعف الإنتاج الزراعي وإنتاج الغذاء، ويصاحب ذلك على نفس المسار نمو سكاني لا يتناسب مع حجم الإنتاج الزراعي والغذائي الموجود في المنطقة العربية.
وبالرغم من الثورة الزراعية التي أدت إلى تطور المجال الزراعي، وتوسيع المساحات المزروعة باستصلاح الأراضي والتقدم الكبير في تنظيم الري واستخراج المياه الجوفية بالطرق الحديثة، وبناء السدود وتوفير مواد حفظ التربة، والتوسع في منح القروض للمزارعين ومنحهم بعض الإعفاءات الضريبية، وتطوير البنية التحتية داخل المناطق الريفية من شبكات طرق وكهرباء.
وفي ظل التغيرات المناخية المؤثرة، ومع وجود العديد من المشكلات والمعوقات، تحد من قدرته على النمو، وأداء دوره المطلوب في تحقيق الأمن الغذائي، فهناك بعض المشكلات التي أدت إلى تدهور الزراعة في المنطقة العربية، وهي:
• تعاني مصرمن نقص في إنتاج السلع الغذائية، كما تعتمد على استيراد الأغذية من البلدان المتقدمة بشكل كبير لسد حاجاتها من السلع الغذائية الأساسية، ويترتب على عملية الاستيراد إنفاق مبالغ طائلة لاستيراد تلك السلع، الأمر الذي يشكل استنزافاً كبيراً لاقتصاديات هذه البلدان .
• النقص الحاد في المياه، ونضوب وتراجع وعدم تجدد الموارد المائية، وعدم تناسب حصص الاستهلاك المتزايدة بالتزايد الكبير في سكان.
• ضعف فعالية سياسات تشجيع للاستثمار في القطاع الزراعي.
• قلة الجهود البحثية لاستنباط الأصناف الأكثر مقاومة للجفاف، بغرض زيادة إنتاجية الزراعات المطرية والمروية، وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.
ولقد حذر تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية العربية للعام 2009 و2019 من مخاطر تغييرالمناخ وندرة المياه، مشيرا إلى انعكاسات التصحر المتواصل والضغوط البيئية على أمن الانسان. وأضاف التقرير إن التصحر المتواصل يهدد نحو85%من مساحة مصر.
وأن المنطقة العربية تواجه تحديات متعاظمة تهدد امن الانسان نتيجة للضغوط البيئية، وأشار التقرير إلى ندرة المياه حيث يقدر الحجم الإجمالي السنوي لموارد المياه السطحية المتوافرة.
وأضاف أيضا إلي أن موارد المياه المشتركة مع دول مجاورة خارج المنطقة تمثل قرابة 95% من اجمالي الاحتياجات، مشيراً إلى ان مخزون مصادر المياه الجوفية المتجددة يستهلك أسرع مما يتجدد، مؤكدا أن تلوث المياه في مصر، يمثل تحديا خطيرا.
وأكدت بعض الدراسات، انه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلي إحداث تغيير في التركيب المحصولي السائد في مص، وستؤدي هذه التغيرات إلي حدوث زيادة في العائد من بعض المحاصيل التي يحتاج إلي درجة حرارة عالية. وسيؤدي زيادة استهلاك المياه بغرض الزراعة إلي تطور أزمة عجز المياه.
وأيضا زيادة المخاطرالتنوع بين الكائنات الحية التي تسهم في في إنتاج الأغذية، والتي سوف تتأثر كثيرا من جراء تغير المناخ، والتنوع البيولوجي له الدور الحاسم في إنتاج الأغذية، ولديها القدرة في الاستجابات لتغير المناخ، كما يجب التأكيد علي خدمات النظم الإيكولوجية التي يوفرها التنوع البيولوجي الزراعي والموارد الوراثية للأغذية.
الدكتور/ علي عبد الرحمن علي – رئيس المركز الدولى للاستثمار والتنمية والبيئة