عبد الفتاح الجبالى يكتب : التغير المناخى والاقتصاد الأخضر
أصبح الحديث عن التغير المناخى وآثاره المدمرة هو الشغل الشاغل على الصعيد العالمى، وتوارى الحديث عن فيروس كورونا، بعد أن كان يحتل مكان الصدارة خلال العامين الماضيين، وذلك مع ازدياد القلق بشأن الظواهر الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخى ومانجم عنها من ارتفاع كبير فى درجات الحرارة، حيث صنف شهر يوليو الماضى بأنه الاكثر حرا على كوكب الارض. الامر الذى ترتب عليه انتشار العديد من الحرائق التى التهمت مساحات شاسعة من بعض المناطق، ووفاة المئات من الاشخاص فى العديد من البلدان مثل تركيا واسبانيا واليونان وايطاليا ولبنان والبرازيل والساحل الغربى فى الولايات المتحدة الامريكية وغيرها. وهو ماحذر منه التقرير الصادر مؤخرا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والذى اعتبره الأمين العام للامم المتحدة بأنه إنذار أحمر للبشرية ككل وأن أجراس الإنذار تصم الآذان، ووصفه خبراء البيئة بأنه يخيف اى شخص يقرأه.وهو مادفع تقرير التنمية البشرية الصادر مؤخرا عن البرنامج الانمائى للامم المتحدة للقول نحن نمعن فى زعزعة الاستقرار للنظام الارضى رغم اننا لايمكن ان نحيا بدونه.
ويجمع الخبراء على ان السبب الاساسى لما يحدث يرجع الى الاحتباس الحرارى الناجم عن الانبعاثات الكربونية وحرق الوقود الاحفورى فضلا عن التوسع الحضرى وحرق الغابات والتى ترجع بالاساس الى انماط التنمية المعمول بها خاصة لدى البلدان المتقدمة والتى ركزت على تحقيق نموها الاقتصادى باى ثمن،سواء كانت قائمة على اقتصادات السوق والتى اهملت تماما القيمة الاجتماعية للبيئة، وكذلك قيام الحكومات بتشجيع النمو الملوث للبيئة وتدمير الغابات وسوء استخدام الاراضى العامة.
وكلها امور أدت إلى تغيير النظرة لاستراتيجية التعامل مع الطاقة التى بدونها لن تحدث اى عملية تنموية فى اى مجال زراعى أوصناعى أوخدمى وبالتالى اصبحت السيطرة السيادية على الطاقة النظيفة قليلة التكلفة شرطا اساسيا للامن القومى للدولة، وليس فقط مسألة اقتصادية وتنموية.وتتضح هذه المسألة بشدة من تتبع مايحدث فى البحر المتوسط من احداث خاصة بعد اكتشاف حقل ظهر وتوقيع مصر العديد من الاتفاقات المهمة مع بعض بلدان المنطقة خاصة اليونان وقبرص، وهما من اللاعبين الاقليميين الرئيسيين فى المنطقة وتكاد تكون المنطقة حاليا ساحة للأحداث الدولية.
ومن المنظور التنموى فإن البحث أصبح هو التوليفة المثلى لتشكيلة الطاقة المناسبة للمجتمع بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة. والعمل على تطوير مايسمى الاقتصاد الأخضر وهو اقتصاد يقوم على الحد من الانبعاثات الكربونية والتخلص منها أو إعادة استخدامها بهدف إعادة التوازن بين الانسان والارض وتحقيق التناغم فى دورة الكربون بما يضمن الحد من المخاطر البيئية. على ان يتم ذلك كله مع حماية البيئة حتى يمكن الحفاظ على نوعية الحياة للأجيال القادمة.وبعبارة اخرى فان التنمية المستدامة والادارة السليمة للبيئة جانبان متكاملان، فبدون حماية البيئة ستنهار العملية التنموية وبدون التنمية ستفشل حماية البيئة، وهو ما يتطلب تعديل الاوضاع واعلاء القيم المجتمعية على تعظيم الربحية.
ولم تكن مصر بمعزل عن هذه الامور وهو ما اشار اليه وزير الرى والموارد المائية د محمد عبد العاطى، فى حديثه مع جريدة الاهرام قائلا ان مصر تعد من اكثر دول العالم تاثرا بالتغيرات المناخية نتيجة لارتفاع منسوب سطح البحر والتأثير غير المتوقع للتغيرات المناخية على منابع النيل والعديد من الظواهر المناخية، وهو مااثر على الموارد المائية والزراعة والامن الغذائى والطاقة والصحة والمناطق الساحلية والبحيرات الشمالية بالاضافة للمخاطر التى تواجه اراضى الدلتا الاكثر خصوبة نتيجة للارتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر وتداخل المياه المالحة مما سيؤدى لنزوح الملايين من المصريين المقيمن بشمال الدلتا.
وهو ماتطلب وضع رؤية جديدة للتصدى لهذه المشكلات، انطلاقا مماجاء فى الدستور المصرى فى المادة32 حين اشار الى الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار فيها وتشجيع البحث العلمى المتعلق بها، وتعمل الدولة على تشجيع تصنيع المواد الاولية وزيادة قيمتها المضافة وفقا للجدوى الاقتصادية. لذلك تم وضع الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية بغية تمكين الدولة من التصدى بفاعلية لآثار وتداعيات التغير المناخى وذلك عن طريق زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة. وتبني اتجاهات للحد من انبعاثات الغازات الكربونية، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والمساحات الخضراء.
وفى هذا الصدد بدأ الحديث عن الاقتصاد الاخضر وتبنت الحكومة شعار (اتحضر للأخضر) بهدف حث المواطنين على المشاركة فى الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية ومراعاة تغير المناخ حفاظا على حقوق الاجيال القادمة. ونجحت وزارة المالية فى طرح اول للسندات الخضراء السيادية بقيمة 750مليون دولار لاجل خمس سنوات وبسعر عائد 5.250 % بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام، والذى يقدر فى هذا المجال بما يتراوح بين 175 و225 مليار دولار، وسوف تستخدم هذه السندات فى مشروعات خضراء صديقة للبيئة وفى مجالات النقل النظيف والطاقة المتجددة ورفع كفاءة استخدام الطاقة والادارة المستدامة للمياه والصرف الصحى.
نقلا عن الأهرام