لقد تفاقمت أزمة الغذاء عالميا في الفترة الأخيرة لأسباب عديدة منها تناقص مساحات الأراضي الزراعية نتيجة الزحف العمراني عليها، وشح موارد المياه، وتوسع الدول المتقدمة في استخدام الحبوب لإنتاج الوقود الحيوي خاصة مع التزايد المتسارع في أسعار النفط. وقد ترتب على ذلك اتجاه أسعار الغذاء إلى الارتفاع بشكل كبير في السنوات الأخيرة الأمر الذي أصبحت تنوء به ميزانيات الدول وموارد الأفراد.
كما تتسم الفترة الحالية بتطورات أثرت تأثيرا مباشرا على مصالح المستهلكين والتي تتلخص الأزمة المالية والعالمية والاتجاه نحو إعمال قوي السوق الحر في إنتاج وتداول السلع والخدمات، والانعكاسات المباشرة للتضخم والكساد العالمي والمحلي على المستهلك، وتعرض المستهلك لحلقات تداول عديدة تتسم عادة بالاحتكار مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والتلاعب بمسمياتها، الأمر الذي استلزم معه الاهتمام بموضوع حماية المستهلك في السنوات الأخيرة بعد التعقد الشديد في الأسواق والنمو الكبير في حجم منظومات الأعمال والتزايد المستمر في الأسعار خاصة أسعار السلع الغذائية مما أثر سلبا على تحقيق الأمن الغذائي للمستهلكين،
كما زاد الاهتمام بحركة حماية المستهلك بسبب زيادة متطلبات المستهلكين في الحصول على خدمات تتفق مع رغباتهم، فضلا عن عدم توافر المعلومات الكافية عن خصائص السلع و الخدمات في مجال السلع الغذائية والتي من أهمها توفير الأمان في تداول السلع الغذائية بكل معايير الأمان الصحية والبيئية، وتقنين ووضع قواعد التدريج ودرجات السلعة الواحدة وفقا للمواصفات التجارية، ووضع البيانات الغذائية اللازمة على العبوات، والإعلان عن أسعار السلع الغذائية المتداولة .
ما يشهده الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة من تصاعد لضغوط قوى الاحتكار المحلية أو قد تكون خارجية بصورة تشكل اعتداء صارخاً على توازنات الاقتصاد وآمنة وسلامته، وعلى حقوق المستهلك الأصيلة باعتبارها دعامة اقتصاديات السوق والحرية الاقتصادية ، لابد وأن تدفع لدخول قضايا الاحتكار والممارسات الاحتكارية الضارة إلى بؤرة دائرة الاهتمام العام، ويضاعف من أهمية ذلك العديد من الممارسات الاحتكارية للشركات الدولية متعددة الجنسيات والتي تتم منذ سنوات مضت ومرت مرور الكرام بغير مراجعة وبدون تدقيق أو تمحيص.
رغم ما يبذل من جهود حكومية وغير حكومية من أجل توفير الحماية المناسبة للمستهلكين خاصة في مجال الأمن الغذائي، إلا أن هناك بعض مظاهر القصور في تقديم السلع الغذائية والتي تعكس عدم وجود حماية للمستهلكين من تزايد ظاهرة الغش والخداع وظاهرة الاحتكار وضعف دور الأجهزة المختلفة في الدفاع عن حقوق المستهلكين في توفير السلع الغذائية المناسبة لهم، وبالتالي عدم تحقيق مفهوم الأمن الغذائي رغم ما توفره الأجهزة المختلفة من توفير للسلع الغذائية وإتاحتها للمستهلكين.
ويمكن القول بقدر كبير من الثقة أنه قد أصبح هناك اتفاقا عاما واقتناعا متزايد من قبل كافة الأطراف المعنية ( سواء على المستوى الأكاديمي أو الحكومي أو الشعبي) أن الأوضاع التسويقية في مصر بصفة عامه تعانى من العديد من مظاهر التخلف ونواحي القصور وتدنى الكفاءة. وانعكس ذلك سلبيا على الاقتصاد القومي العام وعلى الأحوال المعيشية والاجتماعية لمختلف فئات المجتمع .
لذا فإن عيوب السوق وتخلف النظام التسويقي يمكن أن تشكل معوقا أساسيا يحول دون تحقيق معدلات النجاح المنتظرة لجهود الإصلاح الاقتصادي، ويؤدى إلي تأخر ظهور آثاره الإيجابية وإلي سوء توزيع عوائده بين مختلف فئات المجتمع. ويعانى المستهلكون في مصر من الكثير من الأوضاع الاحتكارية التي بدأت تسيطر على إنتاج وتسويق الكثير من السلع. ولتفادي تلك المشكلات، يجب الاهتمام بعمليات الإصلاح السوقي لتهيئة الظروف المواتية لنجاح برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي وتعظيم عوائدها الإيجابية والحد من أثارها السلبية، وتتمثل الأضرار الناشئة عن الممارسات الاحتكارية فيما يلي:
• ارتفاع أسعار السلع بما يتجاوز قدرات نسبة كبيرة من المستهلكين، وينجم عن ذلك حرمانهم من السلع كليا أو جزئيا، وبالتالي حدوث خلل في السلوك الاستهلاكي، وتنامي درجات الكساد لتلك السلع مما يسبب خسارة قومية وإهدار للرأس المال القومي.
• أن يحجب المحتكرون سلعة ما عن السوق ، يسبب في افتعال أزمة اختفاء السلعة كليا أو جزئيا ، وفي كثير من الحالات يندفع المستهلكون إلي شراء بأكثر من حاجتهم تحسبا لاستمرار الأزمة ، فيزداد بذلك حجم الكميات المطلوبة وارتفاع سعر تلك السلعة ، وبالتالي عدم استقرار الأسواق.
• ضعف الاهتمام بتدنيه التكاليف وتحقيق الكفاءة الاقتصادية نتيجة غياب المنافسة وإمكان فرض أسعار، ويعني ذلك تخلف وسائل الإنتاج وتعرض عمليات الإنتاج لتوالي ارتفاع الأسعار بما ينعكس بصورة شبه كاملة على الأسعار بأعباء إضافية على المستهلكين، وقد يكون هذا الأمر أحد أسباب فشل وحدات القطاع العام منافسة إنتاج القطاع الخاص نتيجة ارتفاع التكاليف بها وعدم اهتمامها بتخفيضها بينما هي تتمتع بأوضاع احتكارية.
• تثبيط همم صغار المستثمرين من خلال ممارسات المحتكرين لإبعاد صغار المنافسين من الأسواق بوسائل مختلفة، مثل معاناتهم في أسعار المستلزمات أو الدعاية المضادة لمنتجاتهم أو التواطؤ ضدهم وغير ذلك، ومن جهة أخري فالأنشطة الاقتصادية الصغيرة التي تواجهه في تصريف منتجاتها احتكار المشتري وتحكمه في الأسعار تتعرض لمشكلات قد تؤدى إلي توقفها تماما.
• ضعف الوضع التنافسي في الأسواق واتصافها غالبا بالأوضاع الاحتكارية أو شبه الاحتكارية ، مما يؤدي إلي ارتفاع الأرباح الاحتكارية التسويقية التي لا تمثل فقط خللا في هيكل التوزيع الاجتماعي للدخول ، وإنما الأهم من ذلك آثارها السلبية العميقة على كل من المستهلكين والمنتجين، فهذه الأرباح تستقطع بشكل مباشر من دخول كل من هاتين الفئتين فتمثل مزيدا من تدني الدخول الحقيقية للمستهلكين، كما تمثل من جهة أخرى انتقاصا مباشراً لعوائد المنتجين، ومن ثم ضعف مستوياتهم المعيشية وضعف قدرتهم على تطوير الإنتاج كما ونوعا، فضلا عن استجاباتهم غيرالصحيحة أو المناسبة لظروف الأسواق،الأمر الذي يساهم في الحالات الشائعة من التقلبات السوقية الحادة والأزمات التسويقية المتكررة لكثير من السلع وبخاصة السلع الزراعية.
• استغلال القوى الاحتكارية المحلية قيام الحكومة بحمايتها من منطلق حماية المنتج الوطني، بفرض رسوم إغراق على الواردات من السلع المحتكرة من قبل بعض المحتكرين ، ويؤدى ذلك التحيز ضد التصدير، كما يتيح فرض حماية للمنتج الوطني في غير محلها.
أ.د/علي عبدالرحمن علي – نائب ومستشار وزير التجارة الأسبق