يعتبر مبدأ «المياه الافتراضية» حديثاً نسبياً إذ ظهر في بداية التسعينات من القرن الماضي بواسطة الباحث البريطاني «طوني ألن» من معهد دراسات الشرق وإفريقيا بجامعة لندن، والذي قام بنشر دراسة بحثية في العام 1993 قدم فيها هذا المصطلح، ومن ثم تبع البحث بعدة بحوث تطرقت إلى هذا المبدأ ودوره في عملية السلام في الشرق الأوسط والتي كانت آنذاك من المناطق المرشحة لحروب المياه.
مثال علي ذلك:
مصر استوردت ما يقرب 14 مليون طن من القمح في 2020/2021، وبفرض أن متوسط كمية المياه لري واحد فدان من القمح تبلغ 3000 متر مكعب، وأن متوسط إنتاج واحد قمح يبلغ نحو 2.5 طن/ فدان، اي أن 14 طن قمح المستورد يعادل زراعة نحو 5.6 مليون فدان لو زرعت في مصر، بالإضافة إلي 3 مليون فدان منزرعة حاليا بالقمح في مصر…
ووفقا لنظرية المياة الأفتراضية، فإن مصر استورد مايعادل 16.8مليار متر مكعب من استيراد 14 مليون طن قمح، أي أن مصر وفرت 16.8 مليار مترمكعب، لو كانت زرعت 5.6 مليون فدان بالقمح (نظريا).
وهذا المبدأ لحل مشكلة زيادة العجز المائي على أساس أن هذا الحل يمثل ميزة سياسية كونه حلاً صامتاً، ولن يثير جدلاً حاداً في البلدان المتنازعة على المياه وبأن تحريك المياه الافتراضية بين هذه البلدان له وطأة سياسية واقتصادية منخفضة مقارنة بالحلول الأخرى.
ولذلك، قد يكون من الأسهل على السياسيين في هذه البلدان اللجوء إلى المياه الافتراضية بطريقة سلمية وغير جلية للعيان، عن مواجهة شعوبهم في قضايا شح المياه وتزايد السكان والطلب على الغذاء.
كما أن هذا الخيار له ميزة اقتصادية كون الاتجار بالمياه الافتراضية في الحبوب (المحصول الاستراتيجي الأول للبلدان) يتم بأقل من كلفة إنتاجها، إذ تبلغ كلفة إنتاج طن واحد من الحبوب نحو 200 دولار أميركي في البلدان المصدرة للحبوب، بينما تباع في السوق العالمية بنحو 150 دولاراً أميركياً.
كما أن سعر الحبوب في البورصات العالمية في انخفاض مستمر، ويرجع ذلك لزيادة العرض في السوق العالمية بسبب تطور تقنيات الإنتاج، وكذلك بسبب الدعم المقدم للقطاع الزراعي في البلدان الزراعية مثل فرنسا وأميركا وغيرها من البلدان المصدرة للحبوب (وهي أحدى المشاكل العالقة في تطبيق قوانين منظمة التجارة العالمية).
ولذلك فإن البلدان المستوردة للحبوب تحصل على هذا الدعم بشكل غير مباشر وبأسعار زهيدة.
أضف إلى ذلك، فإن المياه الافتراضية تمنع أزمات المياه من التطور إلى حروب مياه، وعليه لا داعي للجوء إلى نزاع مسلح باهظ الثمن بينما تتوافر وسيلة المياه الافتراضية بسهولة عن طريق استيراد الحبوب بأسعار مدعومة وبكميات هائلة من المياه.
وبعيداً عن السياسية عن المياه الافتراضية، والتي يتم وصفها بالساذجة أحياناً لعدم أخذها في الاعتبار الأوضاع السياسية والحقوق التاريخية للمياه في المنطقة والقضايا المركزية، وأحياناً أخرى بالخبيثة بسبب تبعاتها السياسية والاقتصادية والتي قد تؤدي إلى إنشاء أسواق للمياه الافتراضية تعطي المنتجات الزراعية أكثر من قيمتها السوقية.
ويمكن أن تتحكم بها بلدان غير صديقة، ما يعرض للخطر الأمن المائي والغذائي للبلدان المستوردة، بالإضافة إلى أن هذا المبدأ ليس بجديد إذ انه يعتمد على نظرية الميزة النسبية الاقتصادية، ومن الحكمة، بل من الطبيعي للبلدان الفقيرة في الموارد المائية أن تستورد المنتجات الزراعية من البلدان ذات الميزة النسبية في الموارد المائية.
أ.د /علي عبدالرحمن علي – رئيس الاتحاد الدولى للاستثمار والبيئة والتنمية