أخباررئيسيزراعة عربية وعالميةمقالاتمياه ورى

الدكتور عباس شراقى يكتب : سد النهضة. . الضرر أنواع

صحيح أن التخزين الثانى لن يعطش مصر أو السودان، وذكرنا مراراً وتكراراً حتى قبل سد النهضة فى 2010، أنه لن يعطش مواطن مصرى أو يتوقف قيراط واحد عن الزراعة فى مصر بسبب نقص المياه، ولكن الثمن تحمله المزارع المصرى الذى حددنا له مساحة الأرز ومنعناه من زراعة الموز فى بعض الأماكن، كما تحمله بقية الشعب فى انفاق 18 مليار جنيه على تبطين الترع، وأكثر من 100 مليار جنيه على معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى، وأكثر من 100 مليار جنيه على تحلية مياه البحر، واكثر من مليار جنيه فى حفر آبار مياه جوفية وعمل سدود للاستفادة من مياه الأمطار والسيول، وعشرات المليارات فى تنفيذ مشروعات مائية مثل مجموعة القناطر الجديدة، وعدة مليارات أخرى فى تطوير الرى الحقلى واستخدام طرق الرى الحديثة فى جميع الأراضى الجديدة، ومشروعات الصوب الزراعية، كل ذلك لتعظيم الاستفادة من مواردنا المائية المحدودة وإضافة جزء من المياه فى بحيرة ناصر كاحتياطى يحمينا فى سنوات جفاف لايعلم وقتها إلا الله.
رغم ماسبق فان تخزين جوالى 18.5 مليار متر مكعب بالاضافة الى حوالى 3 مليار أخرى فقد فى عملية البخر وتسرب المياه تحت سطح الأرض للخزانات الجوفية كان كفيلاً لزراعة 3 مليون فدان أرز بعائد تصديرى 10 مليار دولار. هذا ضرر مائى دفعنا ثمنه حتى لايشعر به المواطن المصرى.
رغم خسارة 21.5 مليار متر مكعب، فإن الضرر ليس شرطاً أن يكون مائياً فقط ولكن هناك أضرار أخرى عديدة وخطيرة منها الهيمنة الاثيوبية على أنهار النيل التى تأتى من اثيوبيا وهى النيل الأزرق وعطبرة والسوباط، وعلى الانفراد بتكملة الملء السنوات القادمة، وقد ذكر متحدث الخارجية الاثيوبية دينا مفتى بان الملء (74 مليار متر مكعب) يمكن أن يكون فى سنتين، ولما لا ولايوجد اتفاق يلزم اثيوبيا بحد أقصى ولا توجد أى قواعد هيدرولوجية، العامل المحدد للتخزين هو مدى التقدم فى الانشاءات الهندسية بمعنى أن إثيوبيا لو أنجزت هندسياً وتستطيع تخزين 30 مليار متر مكعب العام القادم لسوف تفعل، وكذلك الانفراد فى التشغيل دون النظر على التأثيرات السلبية على كل من مصر والسودان.

اذا خزنت اثيوبيا ولو عدة مليارات فى يوليو القادم بدون اتفاق، فعلام سيكون التفاوض فى المستقبل؟ هل على التخزين الثالث؟ أم على الرابع والأخير؟ قبول التخزين الثانى بدون اتفاق كان الأهون منه الاتفاق على الملء الثانى فقط كما أرادت اثيوبيا، وكلاهما مرفوضان.

المشكلة أن البعض حصروا سد النهضة منذ البداية فى أضرار مباشرة مثل نقص 5 مليار متر مكعب معناه توقف مليون فدان عن الزراعة وتعطل 5 مليون مواطن وتشريدهم، وانخفاض منسوب نهر النيل، وتوقف محطات مياه الشرب عن العمل، وتملح الأراضى الزراعية وزيادة الهجرة غير الشرعية لأوروبا وغيره وغيره وكأن السد العالى غير موجود، لدرجة إننا سمعنا أن إسرائيل سوف تقيم سوراً لحمياتها من هجرة المصريين أثناء المجاعة، وطبعاً نقص 10 أو 15 مليار يعنى أضعاف من الملايين المشردين.

الواقع أننا ندافع عن حقوقنا ليس لهذه الأضرار لأنها لن تحدث، ولأننا لن نترك أنفسنا لمجرد مشروع مهما كان حجمه أن يهدم دولة عريقة مثل مصر، لم ولن يكون ذلك، ولكن دفاعاً عن كرامتنا وحقوقنا المائية وحقنا فى الاخطار المسبق والتشاور معنا وعدم نقض الاتفاقيات التاريخية السابقة، واعمالاً للمبادئ الدولية عند إقامة المشروعات على أنهار دولية، وأننا لا نطالب سوى بحقوقنا بعزة نفس وكرامتنا المعهودة وليس بإسلوب العطف أو الضعف أو الاستجداء بأن نظهر باننا فقراء مائياً وان كنا كذلك بالمعايير الدولية، وملايين سوف يتعطلوا ويتشردوا ولن نجد ماء للشرب ولا للزراعة لأن ذلك لن يجعل اثيوبيا أو غيرها أن تتعطف علينا وتزيدنا من حصتنا لأنه ليس بأيديهم، إننا نطلب حقنا وإن كان قليلاً فنحن قادرون أن نتكيف معه ونعظم الاسفادة منه بخبرة خبراء الرى والزراعة والتجارة وعلمائنا المخلصين كما فعلنا خلال الـ 50 عاما الماضية حيث ننتج الغذاء بنفس الحصة المائية التى كان يعيش عليها أقل من ربع سكان مصر الحاليين. ليس عيبا أن نكون فقراء مائيا ولكن العيب أن نستسلم ولانستغل امكاناتنا لتوفير احتياجاتنا، أفقر دول العالم اقتصادياً هى أغناها مائياً (الكونغو واثيوبيا وأوغندا)، ومن أكبر الاقتصادات عالمياً الأفقر مائيا مثل سنغافورة.

الوقت ضيق وعلى مصر والسودان توحيد وتكثيف جهودهما للوصول الى اتفاق شامل قبل يوليو القادم بشتى الطرق، حفاظاً حقوقنا المستقبلية فى نهر النيل, مصر بخير وباذن الله سوف تظل بخير ونحافظ على حقوقنا السياسية والقانونية قبل المائية.
حفظ الله مصر ونيلها وشعبها





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى