من أشكال الاحتيال على الإنترنت، يتضح أن الغش/الاحتيال المرتبط بالتجارة أوالاقتصاد يحتل نسبة هامة من بين كافة أشكال الاحتيال على الإنترنت.
بل أن الأشكال المرصودة للاحتيال على الإنترنت قد كانت في غالبيتها ترتبط بالتجارة أوالاقتصاد، من هنا، يتضح أن الغش التجاري يمثل النسبة الأكبر داخل الأشكال المختلفة للاحتيال على الإنترنت، إلا إنه لا تزال هناك كثير من الدراسات التي تثير الجدل والنقاش حول العديد من التساؤلات عن الأشكال الفعلية للاحتيال على الإنترنت التي تعتبر غشا تجاريا.
ويمكن تحديد أهم تلك التساؤلات فيما يلي:
• هل ينسحب مفهوم الغش التجاري إلى كافة الأشكال الاحتيالية المذكورة أعلاه أم أنه ينصب فقط على صور الاحتيال التي تلحق بالمستهلك فقط؟
• هل مفهوم الغش التجاري يأخذ فقط بتلك الأشكال والصور التي تلحق الخسائر بالأفراد المستهلكين أم ينسحب أيضا إلى تلك الأشكال والصور التي تلحق الأضرار بالمؤسسات والحكومة ؟
• هل مصطلح الغش التجاري المستخدم حاليا يعتبر كافيا ومناسبا للتعبير عن كافة أشكال الغش والاحتيال في بيئة المجتمع الإلكتروني اليوم ؟
لا يزال حتى الآن لا يوجد تعريف محدد لمفهوم الغش أوالاحتيال، بأنه يتضمن استخدام الكذب أوالخداع أوالتضليل للحصول على ميزة أو مصلحة غير مستحقة، وكانت من حق طرف آخر. وتشير الدراسة إلى أن الغش مثله مثل كافة الجرائم الأخرى يتضمن ثلاثة عناصر رئيسية، هي الدافع من حيث وجود العامل المحرك للإرادة والذي يوجه السلوك الاحتيالي كالانتقام والبغضاء وغيرها، ووجود الهدف أو الضحية للسلوك الاحتيالي ، وغياب القدرة على توفير الحماية.
فتعرف الغش أوالاحتيال على أنه يتمثل في أي تصرف أوسلوك متعمد يحدث من فرد أو العديد من الأفراد يرهق أو يتسبب في أعباء إضافية على أية أطراف أخرى نتيجة استخدام ممارسات غير أخلاقية للحصول على ميزة غير عادلة أوغير قانونية. بالتحديد، من الملاحظ تعدد تعريفات الغش في عصر المجتمع الإلكتروني، فأحيانا يعرف بالغش أوالاحتيال المعلوماتي أوغش الحاسب، وفي أحيان أخرى بالاحتيال بالإنترنت أو غيرها، إلا إنها تجتمع معا في تركيزها على أن الظاهرة الإجرامية المستحدثة تتمحور رغم اختلاف أنماط السلوك الإجرامي حول فعل الغش أوالنصب أو الاحتيال في عمليات التجارة.
وتعرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الغش/الاحتيال الإلكتروني بأنه هو “كل سلوك غير مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات أو نقلها”.
كما أن الممارسة غير الأخلاقية توجد في قلب كافة أشكال الاحتيال، حيث يستطيع الفرد المخادع أن يحصل على ميزة أو مصلحة مالية باستخدام تقنيات أوبنية تحتية تدعم التجارة الإلكترونية.
كما أنه لا يوجد قانون أوتشريع بسيط حتى الآن يتمكن من تعريف جريمة الاحتيال المرتبطة بإساءة الاستخدام في التجارة الإلكترونية الذي يستهدف الكسب المادي.
أن الغش المرتبط بالتجارة في المجتمع الإلكتروني يعتبر أحد أشكال الجرائم الإلكترونية، وفي نفس الوقت يعتبر أحد أشكال الجرائم الاقتصادية.
ولذا يجب تحديد موقع وعلاقة شكل الغش التجاري الحادث في سياق المجتمع الإلكتروني، حيث يتضح منه أن هناك شكلا جديدا من الغش التجاري يقع بالكامل داخل نطاق الغش التجاري، وأيضا داخل نطاق الجريمة الإلكترونية، فضلا عنه أنه يقع داخل نطاق الجريمة الاقتصادية أيضا. ولكي يتم تمييز هذا الشكل من الغش عن الغش التجاري التقليديز
فيعرف الغش التجاري في المجتمع الإلكتروني بأنه: هو كل فعل أوممارسة غير أخلاقية تستخدم فيها تقنيات المجتمع الإلكتروني، وتهدف إلى تحقيق كسب مادي غير مشروع”.
وبناء على هذا التعريف فإنه يمكن تقرير ما يلي:
• أنه لا فرق بين المستهلك الفردي أوالمؤسسة أوالحكومة في تصنيف حالة الغش أوالاحتيال التجاري، ومن ثم فإن كافة الأشكال المرصودة للغش التي ترتكب في حق الحكومات أوالمؤسسات تعتبر غشا تجاريا.
• أن تقرير إذا ما كان أحد أشكال الجريمة أوالاحتيال غشا تجاريا، يرتبط بشكل الجهة المتضررة بقدر ما يرتبط بأنه نجم عن نشاط مرتبط بالتجارة وألحق خسارة بهذه الجهة المتضررة.
• أن كافة الأنشطة والمجالات التي تلحق خسائر بالأفراد أوالمؤسسات سواء الحكومية أوالخاصة على الإنترنت تعتبر غشا تجاريا.
• أن مصطلح غش المستهلك أو الغش التجاري للمستهلك بات مفهوما ضيقا لا يتناسب مع الغش التجاري في المجتمع الإلكتروني الذي قد يلحق بالمؤسسات والحكومات. لذلك فتقترح هذه الورقة إعادة تسميته بالغش التجاري الإلكتروني.
• أن الغش التجاري الإلكتروني يشكل نوع خاصا من الغش التجاري الذي يرتبط بالمجتمع الإلكتروني، إلا إنه يتميز عن الغش التجاري التقليدي في أنه قد يرتكب بحق مؤسسات الأعمال أوالحكومات.
• أن البيئة العالمية تعج حاليا بالعديد من أشكال الجرائم الإلكترونية. وقد اتضح من تحليل أشكال الخدمات والمنافع الإلكترونية، وأيضا تحليل أشكال الغش في المجتمع الإلكتروني أن هناك ارتباطا كبيرا وبارزا بين شكل الخدمة أوالمنفعة الإلكترونية الجديدة وبين الغش الإلكتروني. ولما كانت هذه الخدمات والمنافع متجددة ومتطورة بشكل متسارع، فإن تحديد أشكال الغش التجاري المحتملة في المجتمع الإلكتروني يعد مهمة في غاية الصعوبة. وبالتالي فإن عملية مكافحته قد تكون بمثابة المستحيل على الأقل في المراحل الأولى لحدوثه.
• أن هناك فجوة بين حالات الغش الحادثة وبين جهود المكافحة. ويمكن تفسير هذه الفجوة بنوعين من الصعوبات، هما صعوبة رصد حالاته وإثباته، وصعوبة اكتشاف وسد الثغرة التي نجم عنها.
• يمكن تحديد الأسباب الرئيسية وراء صعوبة إثبات الغش التجاري الإلكتروني فيما يلي:
1. أنه كجريمة لا يترك أثرا بعد ارتكابه.
2. صعوبة الاحتفاظ الفني بآثاره إن وجدت.
3. أنها تعتمد على الخداع في ارتكابها والتضليل في التعرف علي مرتكبيها.
4. أنه يعتمد على قمة الذكاء في ارتكابه.
• يترتب على هذه الصعوبات مشكلات خطيرة، من أبرزها الاعتماد على أسلوب سد الثغرات في مكافحة الأشكال الجديدة للجريمة والاحتيال الإلكتروني. وتكشف الإحصائيات عن حالات الجريمة الإلكترونية مدى خطورة الاعتماد على أسلوب سد الثغرات في مكافحة الجريمة الإلكترونية، حيث تشير إلى أن كل شكل جديد من أشكال الاحتيال الإلكتروني يبرز بشكل محدود في البداية، ثم لا يلبث أن ينمو، حتى ينتشر بشكل كبير، ثم لا يلبث أن يضمحل ويزول في النهاية.
من هنا يتضح مدى خطورة الغش التجاري الإلكتروني الذي يتسبب كل شكل جديد حادث منه في كم هائل من الخسائر حتى يتم يتوصل إلى الطريق أوالوسيلة الفعالة للتغلب عليه ومكافحته، الأمر الذي يوضح مدى القصور في الاعتماد على أسلوب سد الثغرات في مكافحته، بما يعزز من الدعوة إلى إيجاد أسلوب بديل أكثر فعالية للوقاية من الغش التجاري قبل وقوعه.
وهو ما يستلزم مزيد من الاهتمام بالتعرف على التسهيلات التي يمكن أن تقدمها أي خدمة أومنتج إلكتروني جديد، بالشكل الذي يضمن عدم القدرة على استغلاله في الغش أوالاحتيال في العمليات التجارية، وذلك بهدف تقليص حجم الخسائر الناجمة عن الغش قبل حدوثه.
أ.د /علي عبدالرحمن علي
مستشار وزير التجارة الأسبق