أخبارخدماترئيسيزراعة عربية وعالميةمجتمع الزراعةمحاصيلمقالاتمياه ورى

الدكتور على عبد الرحمن يكتب: المياه الافتراضية والعلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدان

يعتبر مبدأ «المياه الافتراضية» حديثاً نسبياً إذ ظهر في بداية التسعينات من القرن الماضي بواسطة الباحث البريطاني «طوني ألن» من معهد دراسات الشرق وإفريقيا بجامعة لندن، والذي قام بنشر دراسة بحثية في العام 1993 قدم فيها هذا المصطلح، ومن ثم تبع البحث بعدة بحوث تطرقت إلى هذا المبدأ ودوره في عملية السلام في الشرق الأوسط والتي كانت آنذاك من المناطق المرشحة لحروب المياه.
وطرح «ألن» هذا المبدأ لحل مشكلة زيادة العجز المائي في بلدان المنطقة، على أساس أن هذا الحل يمثل ميزة سياسية كونه حلاً صامتاً ولن يثير جدلاً حاداً في البلدان المتنازعة على المياه وبأن تحريك المياه الافتراضية بين هذه البلدان له وطأة سياسية واقتصادية منخفضة مقارنة بالحلول الأخرى.
ويرجع «ألن» ذلك إلى أن القيادات السياسية في بلدان الشرق الأوسط لا تستطيع مواجهة قضايا العجز المائي أمام شعوبها بسبب القيمة الاستراتيجية للمياه، وبأن شعوب المنطقة تكون لديها اعتقاد راسخ أن المياه ستكون متوافرة في المستقبل كما كانت في الماضي.
ولذلك، قد يكون من الأسهل على السياسيين في هذه البلدان اللجوء إلى المياه الافتراضية بطريقة سلمية وغير جلية للعيان، عن مواجهة شعوبهم في قضايا شح المياه وتزايد السكان والطلب على الغذاء.
كما أن هذا الخيار له ميزة اقتصادية كون الاتجار بالمياه الافتراضية في الحبوب (المحصول الاستراتيجي الأول للبلدان) يتم بأقل من كلفة إنتاجها، إذ تبلغ كلفة إنتاج طن واحد من الحبوب نحو 200 دولار أميركي في البلدان المصدرة للحبوب، بينما تباع في السوق العالمية بنحو 150 دولاراً أميركياً.

اسعار الحبوب فى البورصات العالمية 

كما أن سعر الحبوب في البورصات العالمية في انخفاض مستمر، ويرجع ذلك لزيادة العرض في السوق العالمية بسبب تطور تقنيات الإنتاج، وكذلك بسبب الدعم المقدم للقطاع الزراعي في البلدان الزراعية مثل فرنسا وأميركا وغيرها من البلدان المصدرة للحبوب (وهي أحدى المشاكل العالقة في تطبيق قوانين منظمة التجارة العالمية).
ولذلك فإن البلدان المستوردة للحبوب تحصل على هذا الدعم بشكل غير مباشر وبأسعار زهيدة.
أضف إلى ذلك، والطرح ما يزال لـ «ألن»، فإن المياه الافتراضية تمنع أزمات المياه من التطور إلى حروب مياه، وعليه لا داعي للجوء إلى نزاع مسلح باهظ الثمن بينما تتوافر وسيلة المياه الافتراضية بسهولة عن طريق استيراد الحبوب بأسعار مدعومة وبكميات هائلة من المياه.
وبعيداً عن أطروحات «ألن» السياسية عن المياه الافتراضية، والتي يتم وصفها في الوطن العربي بالساذجة أحياناً لعدم أخذها في الاعتبار الأوضاع السياسية والحقوق التاريخية للمياه في المنطقة والقضايا العربية المركزية، وأحياناً أخرى بالخبيثة بسبب تبعاتها السياسية والاقتصادية والتي قد تؤدي إلى إنشاء أسواق للمياه الافتراضية تعطي المنتجات الزراعية أكثر من قيمتها السوقية ويمكن أن تتحكم بها دول غير صديقة، ما يعرض للخطر الأمن المائي والغذائي للبلدان المستوردة.
بالإضافة إلى أن هذا المبدأ ليس بجديد إذ انه يعتمد على نظرية الميزة النسبية الاقتصادية، ومن الحكمة، بل من الطبيعي للبلدان الفقيرة في الموارد المائية أن تستورد المنتجات الزراعية من البلدان ذات الميزة النسبية في الموارد المائية.

ارقام مهمة 

وتعرف «المياه الافتراضية» بأنها كمية المياه المستخدمة لإنتاج محصول زراعي أومنتج صناعي، فعلى سبيل المثال تدل المتوسطات العالمية:
• لإنتاج كيلو جرام واحد من الحبوب، يحتاج 1.5 متر مكعب من الماء (أو بمعنى آخر لإنتاج طن من الحبوب يحتاج 1500 طن من المياه).
• لإنتاج لتر واحد من الحليب، يحتاج متر مكعب من المياه.
• لإنتاج كيلو غرام من الجبنة يحتاج أكثر من 5 أمتار مكعبة مياه.
• لإنتاج كيلو جرام واحد من اللحم الأحمر يحتاج 14 متراً مكعباً من المياه.
• لإنتاج شريحة كمبيوتر ذات سعة 32 ميجابيت وتزن 2 جرام يحتاج 30 كيلو جراماً من الماء.

ولذلك فإن البلدان التي تصدر المحاصيل التي تحتاج في إنتاجها المياه بكثافة فإنها فعلياً تصدر المياه التي استخدمت في إنتاج هذه المحاصيل، أي أن هذه البلدان تساند بشكل غير مباشر البلدان المستوردة لهذه المحاصيل في احتياجاتها المائية، إذ انه من شبه المستحيل الاتجار في المياه نفسها بين البلدان بشكل مباشر بسبب الظروف السياسية والكلف الاقتصادية المصاحبة لنقل المياه، إلا أن الاتجار بالمحاصيل والمنتجات كثيفة الاستخدام للمياه ممكن وعملي، وهذا الاتجار في السلع الغذائية شائع بين مناطق العالم المختلفة منذ آلاف السنين.

لذا فإنه بإمكان البلدان شحيحة الموارد المائية أن ترشد مياهها المستخدمة في القطاع الزراعي وأن توفر كميات كبيرة منها من خلال استيراد المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه بدلاً من إنتاجها محلياً.
وذلك تماشياً مع نظرية التجارة الدولية: على البلدان أن تصدر المنتجات التي تمتلك فيها الميزة النسبية أوالمقارنة في عملية إنتاجها، وأن تستورد المنتجات التي لا تمتلك هذه الميزة في إنتاجها.

وحالياً تشير الدراسات بشأن التجارة العالمية إلى أن حوالي 1000 بليون متر مكعب يتم الاتجار بها بين بلدان العالم المختلفة على هيئة مياه افتراضية، منها نحو 67 % على هيئة محاصيل زراعية، و23 % على هيئة منتجات حيوانية، و10 % على هيئة منتجات صناعية ويمثل هذا ما نسبته حوالي 20 % من استخدامات المياه الكلية في العالم وحوالي 25 % من استخدامات المياه العالمية في إنتاج الغذاء.

وتبين الدراسات أن أكبر مصدر للمياه الافتراضية هي أميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا وأميركا الجنوبية، وبأن أكبر مستورد لها هي أوروبا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا.
كما تشير الدراسات إلى أن هذه النسب في تزايد مستمر بسبب الزيادة في الطلب على الغذاء بسبب النمو السكاني، وثورة الاتصالات وانفتاح الأسواق والبورصات العالمية.


أ.د /علي عبدالرحمن علي – مستشار وزير التجارة الأسبق





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى