أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : فلسفة الشهادة والتضحية بالنفس

سؤال راودنى كثيرا وكنت ابحث عن إجابته وأسال الله أن اقدم للقارىء إجابة السؤال فى هذا والتى اسوقها من خلال قراءتى ، وكنت اتساءل كمايتسائل البعض اليس الله خلقنا للحياة ولعبادته ؟ يقول تعالى (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) وعمارة الأرض يقول تعالى (هو الذى أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) فالعبادة والعمارة تقتضى المحافظة على حياة الانسان… ولتأكيد قيمة الحياة نجد أن الله حرم قتل الانسان وهدم بيته وجعل من يقتل نفسا بغير نفس كأنما قتل الناس جميعا…. هذا كله فى جانب …. وفى المقابل
تجد ان الله يحث على الجهاد ويعتبره افضل تجارة يقول تعالى )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
فلماذا يعلى من قيمة الجهاد والشهادة والتضحبة بالنفس،  فماهى فلسفة الشهادة والتضحية بالتفس ؟ولك أيضا أن تتسائل : أليس هابيل بن أدم أفضل من قابيل عند الله ؟ أليس الله تقبل منه قربانه فلماذا ترك الله ان يقتل قابيل هابيل، ألم يكن فى قدرته منع هابيل من القتل ؟
موقف اخر يمكن أن يوضح لنا الفكرة  ، فى غزوة بدر عندما قال الرسول لأصحابه ان الله يعدكم العير أو النصر….. وبالتأكيد كان صحابة رسول الله يرغبون فى العير ولكن ارادة الله شاءت أن يلتقى الطرفان ويسقط شهداء ويسجل القرءان هذا الموقف معلما لنا أن هناك قيما أخرى أهم وأبقى تستحق أن يسقط فى سبيلها بعض الشهداء اعلاء لهذه القيم يقول تعالى ( واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله ان يحق الحق ويقطع دابر الكافرين )

فالانسان الصالح اثناء حياته فى صراع دائم بين الخير والشر ودور الانسان المؤمن التغلب على قوى الشر والطغيان والانتصار عليها واعطاء مناعة للمجتمع على الوقوف امام قوى الشر والبغى والظلم والعدوان
فالشهادة لا تأتي إلا في مناخ الصراع بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، والأمانة والخيانة ، والعدل والظلم ، والحرية وتأتي الشهادة حينما تسعى قوى الباطل والشر والرذيلة والظلم والخيانة والاستبداد والاستكبار والاستعباد والإذلال والاضطهاد والظلام
وتعتبر الشهادة دليلا على مدى إيمان الشهيد بعدالة قضيته التي استشهد من أجلها وهي شاهد إدانة لقوى الباطل والظلم النور الكاشف عن جريمة قوى البغى ضد الإنسانية ، وفضحها أمام التاريخ أما الشهداء فهم أنوار العشق الإلهي وهم الذين يرسخون دعائم الحق والخير والعدل والحرية والفضيلة وينفخون روح الكرامة والحياة المعنوية في جسد الأمم والشعوب

فهناك الانتصار الظاهرى على اهل الباطل لكنه سرعان ما يخبو مع الوقت …
وهناك انتصار معنوى تاريخى يخلد تتناقله الاجيال ..
..ونوضح ذلك … هل تتذكرون قصة قابيل وهابيل فى بداية البشرية والتى سجلها القرءان ….. والاعتداء والظلم الذى وصل للقتل الذى تم من خلال قابيل على أخيه هابيل… فمازالت البشرية تنظر الى هابيل بعين التعظيم ولقابيل بعين الاحتقار … وهناك الكثير من المعانى والقيم والدروس المستفادة التى نتجت عن هذ الواقعة … والتى وقع نتيجتها استشهاد هابيل الرجل الطيب …. هل خسر هابيل بموته واستشهاده ؟ وهل كسب قابيل بقتله اخيه ؟
الاجابة المؤكدة لأى مؤمن بالله أن هابيل تم تكريمة وانتقل الى حياة اخرى ارحب وافضل وهو فى الجنة يرزق وفى الدنيا يذكره الناس بالخير … واما قابيل فقد حسر الدنيا والاخرة ….ومثال اخر لسيدنا حمزه بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فمعلوم ان الذى رفع قدره واعزة هو تضحيته ونصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورد الظلم عنه صلى الله عليه وسلم من بداية اسلامة عندما شج راس ابوجهل وقال له ردها على ان استطعت وقال انا على دينه اقول مايقول وقدم للاسلام كل الدعم حتى استشهد بواسطة المكر برمح عبد حبشى فرفع الله ذكره ولقب بسيد الشهداء … كما قدم لنا سيدنا الحسين بن على بن ابى طالب اكبر دليل على ان القيم الكبيرة تحتاج الى تضحيات كبيرة فالشهيد يوقظ الضمائر ويعلم الصبر والعطاء والاباء والرفض لشتى مظاهر الظلم والاستعباد والاستبداد والاستضعاف هذه الشهادة ركنها الاول قدسية الهدف والموت على تحقيق هذا الهدف والركن الثانى ان تكون هذه الشهادة عن علم ووعى ولذلك لكل جيش عقيدة يحارب من اجلها ومن اهم مايميز الجيش المصرى عقيدته
الذى يعيها وتغرس فى وجدان كل جندى عندما يلتحق به انه مشروع شهيد فعقيدة الجيش المصرى الموحد بالله النصر او الشهادة ….ويمثل الشهيد القمة في العطاء من أجل دينه ووطنه فهو يجود بنفسه من أجل القضايا والمبادئ والقيم التي يؤمن بها ويعمل من أجلها مصحوبا بالوعي في الفكر ، واليقين في الانتماء ، وبصيرة في رؤية الأمور و شعور عميق بالمسؤولية الدينية والقومية والوطنية ومسؤولية وعن أمانة وصدق وشجاعة وإقدام ومبادرة في المواقف ، .

مما سبق فلاعجب عندما تسمع اوتقرأ قصة أو حكاية شهيد وما أكثرهم الآن فى مصر أن تجدهم كلهم نمازج فريدة سلوكا وقدوة واقداما فهولاء قد اختارهم الله (ليتخذ منكم شهداء ) فهم ليسوا وليدوا الصدفة..فهم اصحاب ورؤية محددة للأمور ، فالشهيد قبل أن يُصرع هو مشروع شهادة حي يتحرك نحو مصرعه بصبر ومثابرة وحيوية وقوة.

وهناك ايات كثيرة تعلى من أجر المجاهدين والشهداء والتى فى القلب منها قوله تعالى (( انّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ( وقوله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَـاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }


أ.د إبراهيم درويش وكيل كلية الزراعة بجامعة المنوفية لشئون البيئة وخدمة المجتمع





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى