الدكتور محمد فوزى يكتب : الضرع ووسائل الدفاع ضد العدوى الميكروبية
إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الأشياء قد خلقها في أكمل صورة وأمدها بالكثير من المقومات التي تتناسب مع الوظيفة المنوطة بها فقد قال تعالى في محكم التنزيل “إنا كل شيء خلقناه بقدر” سورة القمر آية (49).
وهذا يتضح جلياً في تكوين الضرع وكيف أمده الله سبحانه وتعالى بالكثير من وسائل الحماية والمنعة لكي يؤدي وظيفته ليخرج لنا من بين فرث ودم لبن خالصاً سائغاً للشاربين.
وقبل أن أتحدث عن تلك المقومات ينبغي علينا نحن بني البشر المستفيدين من هذه النعم التي سخرها لنا الله سبحانه وتعالى أن نحافظ عليها كما خلقها الله لنا حتى تؤدي وظيفتها بالصورة الصحيحة.
بداية يجب أن ندرك أن نمو الخلايا اللبنية أو الضرع على وجه العموم يمر بأربعة مراحل تبدأ من لحظة ميلاد إناث الماشية
المرحلة الأولى: يكون نمو الخلايا الجسدية لإناث الماشية بنفس السرعة التي تنمو بها خلايا الضرع.
المرحلة الثانية: تمتد في الفترة من أربعة إلى ثمانية أشهر وهو عمر ما قبل البلوغ وفي هذه المرحلة يكون نمو خلايا الضرع سريعاً جداً تحت تأثير ارتفاع نسبة هرمون الاستروجين في الدم ودخول الإناث في دورة الشبق “oestrus” وبداية الشياع ومن خصائص هذه المرحلة أن النمو يكون أكثر في القنوات الناقلة duct system حيث تزداد في الطول وتخترق الوسادة الدهنية التي تشغل الحيز الذي سيكون الخلايا اللبنية مستقبلاً وهذه الفترة من الخطورة بمكان في مستقبل أي حيوان يربى لإنتاج اللبن، فإذا كانت هناك تغذية زائدة في تلك الفترة فإن الوسادة الدهنية هذه تزداد بصورة تمنع تكون الخلايا اللبنية في المستقبل مما يؤثر على إنتاجية الحيوان طول فترة إنتاجه ويأتي دورنا بأن نقدم للحيوان التغذية المتوازنة والمناسبة لهذه الفترة حتى لا تتأثر إنتاجيته في المستقبل.
المرحلة الثالثة: وهي الفترة الممتدة من بداية النضج وحتى حدوث الحمل ويكون نمو الضرع بنفس سرعة نمو باقي خلايا الجسد.
المرحلة الرابعة: وهي الفترة ما بعد الحمل حتى الولادة ويكون نمو الخلايا اللبنية سريع جداً خاصة من بعد منتصف فترة الحمل حتى الولادة ويكون تحت تأثير هرمون البروجيستيرون والبرولاكتين لتكوين الحويصلات اللبنية Mammary alveoli””.
ولقد حبا الله سبحانه وتعالى الضرع بوسائل كثيرة ليحميه من أي اعتلال في وظيفته التي خلق الله من أجلها وأول هذه الهبات.
الحلمات:
هي العضو الأهم الحامي للضرع ضد حدوث الالتهابات أو دخول العدوى الميكروبية إلى الضرع كما أنه هو الوسيلة الآمنة لخروج اللبن المنتج داخل الحويصلات اللبنية ومخزن الغدة اللبنية إلى الخارج الضرع، وبالنظر إلى التركيب التشريحي والهيستولوجي لهذه الحلمات تتجلى قدرة الخالق ودقة الخلق فجدار الحلمة يتكون من أربع طبقات كل منها له دور في عملية نزول اللبن والدفاع ضد حدوث التهابات في الضرع في آن واحد وأول هذه الطبقات هي:
1) الآدمة EPidermis وسطحها مكون من
Keratinized stratified squamous epithelium
وهذه الخلايا الكيراتينية تعتبر وسط لا تستطيع البكتريا الممرضة النمو عليها لأنها تحتوي على بروتين عالى الكبريت Sulphur containing protein وهو وسط غير ملائم لنمو البكتريا. جميع الجلد في أنحاء الجسم يتميز بهذه الخاصية لكن الذي يميز هذه الطبقة في حلمات الضرع هو سمكها فهي أكثر سمكاً بأربع أضعاف سمكه في طبقات الجلد العادي لكي يتحمل الاحتكاك الناتج عن عملية الرضاعة أو الحليب، ثانياً يزداد التصاق هذه الطبقة بالطبقة الثانية وهي الـ dermis بواسطة زوائد مخملية في منطقة الـ epidermis، الفرق الثالث أن هذه الطبقة لا تحتوي على بصيلات شعر أو غدد عرقية أو غدد دهنية مما يجعله عرضه للجفاف والتشققات ويأتي دورنا في المحافظة عليه بعد عملية الحليب باستخدام مطهرات مضاف إليها مرطبات حتى لا تتعرض للجروح ونمو الميكروبات.
2) الطبقة الثانية الـ Dermis:
وهي الطبقة التي تحتوي على الإمداد الدموي ونهايات الأعصاب المسئولة عن عملية نزول اللبن تحت تأثير هرمون الغدة النخامية الخلفية “الأوكسي توسن” oxytocin
3) الطبقة الثالثة:
وهي الطبقة العضلية وتمتد في منطقة الـ dermis في اتجاهات طولية وعرضية ومائلة.
3) الطبقة الرابعة:
وهي الطبقة المبطنة لمخزن الحلمة Teat cistern فهي عبارة عن طبقة مزدوجة من الخلايا الطلائية التي لها حرية التباعد عن بعضها للسماح للخلايا الدفاعية لمهاجمة أي اعتداء خارجي. نهاية الحلمة مزودة بـ Teat orifice تفتح وتغلق تحت تأثير هرمون الأوكسي توسن Oxytocin بدقة عالية وتغلق بعد 20 إلى 30 دقيقة بعد انتهاء عملية الحليب أو الرضاعة وهذه الفترة تعتبر أضعف فترة في مناعة الحيوان ضد أي غزو ميكروبي يصعد إلى الضرع أثناء تلك الفترة. وفي هذا الصدد من العادات الخاطئة التي يمارسها بعض صغار المربين تقديم التغذية للحيوان قبل الحلابة وهذا إجراء خاطئاً جداً بل يجب تقديم التغذية بعد الحلابة مباشرة حتى يظل الحيوان واقفاً لمدة العشرين أو الثلاثين دقيقة التي تكون فتحة الحلمة تسمح بدخول الميكروبات وحتى يكتمل تكوين الـ Waxy plugs عند فتحة الحلمة فيتم الغلق الكامل لقناة الحلمة. أيضاً بعض الأمراض الفيروسية مثل الحمى القلاعية تتسبب في حدوث تقرحات على فتحة الحلمة مما يسمح بنمو البكتريا عليها ويزيد نسب حدوث التهاب الضرع. فيراعى في هذه الفترة أن تزداد العناية باستخدام المطهرات المناسبة والمرطبات الجيدة لحدوث الالتئام السريع، والجدير بالذكر في هذا المكان التنويه إلى عيب خلقي شائع الحدوث وهو وجود حلمات زائدة في بعض العجلات قبل دخول فترة الإنتاج والتي يجب إزالتها جراحياً أو استبعادها لأن وجود مثل هذه الحلمات الزائدة قد يؤدي إلى ارتفاع نسب حدوث التهاب الضرع لاسيما التهاب الضرع في الصيفSummer mastitis” ” أو تكون خراريج داخل الضرع أو يعيق عملية الحلابة الآلية Machine milking خاصة إذا كانت هذه الحلمات الزائدة قريبة من الحلمات الأساسية.
ويجدر بنا القول أن الأبقار ذات الحلمة القصيرة القناة وذات المقطع العرضي الوسع تكون أكثر حساسية لحدوث التهاب الضرع عن الأبقار ذات الحلمات طويلة القناة وضيقة المقطع وهذه صفات موروثة يجب الانتخاب لها. أيضاً في مزارع إنتاج الألبان التي تعتمد على الحلب الآلي يجب التنبيه على العمال بضرورة دقة الملاحظة أثناء عملية الحليب وسرعة نزع الـ Cluster بمجرد انتهاء عملية الحليب، فالحلب الجائر يؤدي إلى تلف في وظيفة فتحة الحلمة كما يؤدي إلى إزالة الكيراتين الموجود داخل قناة الحلمة مما يؤدي إلى زيادة نسب التهاب الضرع.
الحماية الداخلية في الضرع:
ما ذكر سابقاً هو وسائل حماية قد سخرها الله لحماية الضرع قبل دخول الميكروبات لداخل الضرع، ولكن توجد هناك وسائل دفاع ضد الغزو الميكروبي حتى بعد أن تخترق خط الدفاع الأول وهي وسائل حماية داخلية ووسائل أخرى مستحثة “inducible” أما عن وسائل الحماية الداخلية فتشمل:
1) اللاكتوفيرين Lacloferrin. 2) اللاكتوبيروكسيداز Lactoperoxidase
3) كومبليمنت (المكمل) Complement.
4) الجلوبيولينات المناعية Immunoglobulins.
5) والخلاياSCC .
1) اللاكتوفيرين Lactoferrin:
هو عبارة عن بروتين يحتوي على الحديد Iron binding protein، ومعظم الميكروبات المسببة لالتهاب الضرع لا تستطيع أن تستخدم هذا البروتين في الحصول على الطاقة، وهذا البروتين يكون تركيزه في مستويات عالية في الضرع أثناء فترة الجفاف وهذا يفسر المناعة العالية للضرع أثناء فترة الجفاف. لكن بمجرد نشاط الضرع بعد الولادة مباشرة يقل تركيز الـ Lactoferrin كما أن النسبة العالية من الـ Citrate في اللبن تتنافس مع اللاكتوفيرين لتكون iron citrate الذي تستخدمه الميكروبات الممرضة في الحصول على الطاقة وبذلك تضعف المقاومة الداخلية لحدوث التهاب الضرع.
2) اللاكتوبيروكسيداز Lacto peroxidase:
هذا الإنزيم في وجود الثيوسيانات “SCN” والهيدروجين بيروكسيد H2o2 يستطيع أن يمنع نمو بعض أنواع البكتريا موجبة الجرام خاصة التي تنتج الـ H2o2 وبعض أنواع سالبة الجرام لكن بدرجة أقل لأن معظمها لا يكون الـ H2o2 لذلك فتأثيره عليها ضعيف.
3) الكومبيلمنت Complement:
تأثيره يكون أكثر فعالية على الميكروبات سالبة الجرام المسببة لالتهاب الضرع خاصة مجموعة الـ Coliform مثل ميكروب الإيشيرشيا كولي E.coli.
4) الجلوبيولينات المناعية Immunoglobulins:
ودورها يقتصر هنا في عملية الـ Opsonisation وهو إحاطة الميكروب بالأجسام المضادة وإعداده لعملية الالتهام بواسطة خلايا الدم البيضاء أو الـ “PMN” Polymorph nuclear cells
5) الخلايا في اللبن SCC:
يوجد في اللبن نوعان من الخلايا هما خلايا ذات نوه والمقصود بها هنا الـ PMN وهي تمثل 90% من الـ “SCC” Somatic cell count والنوع الثاني من الخلايا وهي الخلايا الطلائية المبطنة للحويصلات اللبنية وهي تمثل نسبة قليلة جداً من الـSCC ، النوع الأول هو المسئول عن الدفاع ضد الغزو الميكروبي عن طريق إرسال إشارات لاستدعاء المزيد من الـ Macrophages و Lymphocytes في الظروف الطبيعية يكون متوسط العدد لـ SCC ما بين 100 × 10 3 إلى 200 × 10 3 خلية لكل / 1 مل لبن أما عند حدوث غزو ميكروبي شديد فإن هذا العدد يتضاعف كثيراً حسب شدة الإصابة قد يصل إلى أكثر من مليون خلية لكل 1 ملي لبن وهذا يحدث عندما تفشل جميع الوسائل السابقة في حماية الضرع من خطر الميكروبات بأن تبدأ الـ Macrophages في إرسال إشارات بإفراز Chemotaxins والتي تشمل الانترلوكين 8 Interleukin8 و Tumour necrosis factor كما أن السموم التي تفرزها الميكروبات المهاجمة تنبه الجسم للاستجابة بمجموعة من الإجراءات تتمثل في:
1) زيادة توارد الدم إلى مكان العدوى وما يسمى بـ الـ Hyperamia
2) Margination: نتيجة وجود الـ Selectins على جدران الشعيرات الدموية فإن الـ PMNs تنجذب من منتصف تيار الدم إلى جوانب الشعيرات الدموية.
3) تتباعد الخلايا الطلائية “endothelial cells” المبطنة لجدران الشعيرات الدموية عن بعضها فتخرج كمية أكبر من الخلايا المناعية PMNS إلى مكان تواجد الميكروبات الغازية.
4) قد يكون التباعد كبير بين الخلايا الطلائية المبطنة لجدران الشعيرات الدموية فيسمح بخروج الـ Serum مما يؤدي إلى تغيرات في لون اللبن ويميل إلى الإصفرار وهذا ما يحدث كثيراً في الإصابة بميكروب الإيشريشيا كولي E.coli.
وقبل أن أختتم الحديث يجب أن نتذكر أن مسببات التهاب الضرع يمكن تقسيمها وبائياً إلى مجموعتين أولهما هي:
1) مسببات التهاب الضرع الوبائية Contagious mastitis pathogens:
وتشمل الميكروبات التي تستطيع أن تنمو وتتكاثر على الجلد أو داخل قناة الحلمة وتحت ظروف وبائية معينة يتم التغلب فيها على المناعة الذاتية للضرع وإحداث عطب في الغدد اللبنية تعتمد شدة الإصابة فيها على الحالة المناعية للحيوان ودرجة مقاومته وأيضاً على جينات الضراوة التي يمتلكها الميكروب المسبب لالتهاب الضرع ومن هذه الميكروبات الميكروب العنقودي الذهبي والـ Corynebacterium ، المكونات السبحية Strept. agalactiae. Strept. dysagalactiae, Mycoplasma.
2) مسببات التهاب الضرع البيئية environmental mastitis pothogens:
وهذه مجموعة من الميكروبات التي لا تنمو بدورها على الجلد ولا داخل قناة الحلمة لكنها عرضياً تدخل إلى الضرع نتيجة سوء الرعاية داخل حظائر الحيوانات الحلابة أو سوء الرعاية في المحالب الآلية مما يؤدي إلى حدوث الإصابة ومن هذه الميكروبات مجموعة الـ Coliformis مثل الـ E.coli
Enterobocter, citrobacter, klebisella, strept faecalis,
Strept.uberis, Fugni & yeast
وقد تصل خطورة الإصابة بمثل هذه الميكروبات إلى درجة عالية قد تهدد حياة الحيوان الحلاب كما يحدث في حالات الإصابة بميكروب الـ E.coli المفرز لـ Shiga toxins. التي قد تودي بحياة الحيوان خاصة إذا حدثت بعد الولادة مباشرة في الحيوانات عالية الإضرار.
“وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبن خالصاً سائغاً للشاربين”. صدق الله العظيم. الآية 66 سورة النحل
الدكتور/ محمد فوزي طه حسين – باحث البكتريولوجي – معهد بحوث الصحة الحيوانية بالزقازيق – مركز البحوث الزراعية – مصر