أخباررئيسيمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب : النظم الغذائية في المستقبل وتزايد السمنة في العالم

ما هو أفضل مكان في العالم لتناول الطعام؟ هذا كله يتوقف على ما تعنيه بالطعام “الجيد”، كما تظهر حسابات جديدة أجرتها منظمة أوكسفام.

• فالغذاء في بعض البلدان رخيص ووفير ومتنوع وشهي، ولكنه قد لا يكون مفيداً لك، حيث أدى الإفراط في تناول الدهون والسكر إلى إصابة 36 % من هذه البلدان بمرض السكري ومعاناة 46% من السمنة المفرطة.
• وعلى النقيض من ذلك، فإن الغذاء في بلدان اخري صحي أكثر، لكنه مكلف للغاية وليس متنوعاً .
• ويأتي 79 % من الطعام الذي يتناوله السكان البلدان الفقيرة من الحبوب والجذور النشوية، مع كمية قليلة جداً من اللحوم أو الأسماك أو الفواكه أو الخضروات.
• وربما تكون الأرقام الأكثر إثارة للاهتمام غير تلك الخاصة بأغنى أو أفقر البلدان، ولكن تلك المتعلقة بما بينهما – وهي الاقتصادات الناشئة التي دخلت مرحلة التحول إلى الدخل المرتفع أو المتوسط. وتوجد بعض الوجبات الغذائية غير الصحية على الإطلاق في أماكن مثل فيجي والمكسيك، حيث يعاني أكثر من 40% من البالغين من السمنة المفرطة، وليس مجرد زيادة الوزن.
• والآلية ليست لغزاً؛ فالناس يزدادون ثراءً ويريدون أن يأكلوا المزيد من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان والأغذية المقلية والحلويات والكعك، ثم يتبعون ذلك بالمشروبات الغازية.
• وتختلف الأطعمة المفضلة من بلد إلى آخر، لكن التحول الغذائي لا يتغير في جميع أنحاء العالم.
• كما أن الانتقال إلى المدن بالإضافة إلى امتلاك وقت أقل لطهي الطعام واتباع نظام حياة أقل نشاطاً يجعل التحول الغذائي سبباً لتوسع محيط الخصر واعتلال الصحة.
• وقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في العالم النامي ثلاث مرات بين عامي 2010 و2020.
• ومن المتوقع أن العالم مقبل على كارثة لا يدرك أبعادها، على الرغم من وجود الكثير من الأدلة على ما يحدث.
• وقد نشر معهد التنمية الخارجية (ODI) البريطاني في الأونة الأخيرة ورقة بحثية تحدد أسباب القلق بعنوان “النظم الغذائية في المستقبل”.
• وإلى جانب قضايا الصحة، تدرس الورقة كيفية تلبية المطالب الغذائية لعالم أكثر ازدهاراً، وما إذا كان المعروض من اللحوم ومنتجات الألبان يمكن أن يتماشى مع الطلب، وما إذا كانت زيادة الطلب على الحبوب لإطعام الماشية ستجعل أسعار المواد الغذائية الأساسية أكثر بعداً عن متناول الناس الأكثر فقراً.
• وقد توصل معهد التنمية الخارجية إلى إجابات مطمئنة على هذه الأسئلة التي تتعلق بالاستدامة. ينبغي أن يتمكن العالم من زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، بل ومن دواعي الدهشة أنه يمكن تلبية الطلب دون الحاجة إلى الحبوب والأعلاف التي تؤدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب المخصصة للاستهلاك البشري.
• ولكن المخاوف الصحية تبقى قائمة. وقد تناول التقرير خمسة اقتصادات ناشئة – هي الصين ومصر والهند والبيرو وتايلاند – حيث يحدث انتقال غذائي، ولكنه مختلف في كل بلد.
• فقد زاد استهلاك اللحوم في الصين بشكل كبير. أما في الهند، حيث يوجد الكثير من السكان النباتيين، فإن زيادة الرخاء تعني القدرة على تحمل تكاليف المزيد من الحليب ومنتجات الألبان. وينفق سكان تايلاند ثروة أكبر لتناول كميات كبيرة من الفاكهة، بينما يستطيع المصريون أن يشبعوا رغبتهم في تناول الأسماك، ويستطيع سكان البيرو تحمل نفقات المزيد من الغذاء بشكل عام، ولكنهم لا زالوا يأكلون نفس مجموعة الأطعمة التي كانوا يأكلونها من قبل. ولذلك، فإن اتباع النظم الغذائية الغنية باللحوم، على الطريقة الأميركية، ليس حتمياً بأي حال من الأحوال في كل مكان.
• وما نراه عندما تنظر في جميع أنحاء العالم هو أن هناك تنوعاً كبيراً للغاية. ففي أمريكا اللاتينية، وخاصة المكسيك، وبعض أجزاء من الشرق الأوسط وبعض جزر المحيط الهادئ، نرى معدلات عالية جداً من زيادة الوزن والسمنة… ولكن هناك أجزاء أخرى من العالم ذو الدخل المتوسط – وخاصة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وبعض أجزاء من شرق آسيا – تقل فيها تلك المعدلات إلى النصف تقريباً… ولذلك يجب أن تكون هناك دروس يمكن استخلاصها من البلدان الأقل إصابة بالسمنة”.
• وهناك أدوات سياسية متاحة للحكومات الراغبة في دفع تحول بلادها في اتجاه جيد، إذ يمكنها أن تمنع الأطعمة غير الصحية، أو ترشد استهلاكها، أو تفرض ضريبة عليها، أو توفر الدعم النقدي للأطعمة المغذية أكثر، أو تسن قوانين لتنظيم عمل الشركات المصنعة، أو تحاول تثقيف الشعب.
• وتجدر الإشارة إلى أن تثقيف الشعب هو الأقل إثارة للجدل، ولكنه لم يثبت أنه فعال بالقدر المطلوب.
• فقد حصل الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية على الكثير من التثقيف العام، ولكنهم لا زالوا يأكلون الوجبات السريعة. أما كوريا الجنوبية كبلد أدار حملة إعلامية فعالة جداً، حتى اضطر في نهاية المطاف إلى فتح اقتصاده.
• وأُعطيت كل امرأة متزوجة أسبوعين من التدريب على النظام الغذائي التقليدي، الذي ركز على الكثير من أطباق الخضروات… ووضعوا لافتات في كل مكان تدعو إلى تناول الطعام التقليدي.
• كانوا يستبعدون العمليات الحديثة والبيع بالتجزئة، وكانت لديهم مستويات منخفضة جداً من زيادة الوزن، ولكن بعد ذلك، بدأت منظمة التجارة العالمية (WTO) تفتح البلاد وتغير كل شيء. كما بدأت الوجبات الغذائية تتغير بشكل ملحوظ”.
• وعلى الرغم من أن دعم المواد الغذائية باهظ الثمن وأصبح موضة قديمة، فقد جربته بعض البلدان في القرن الماضي، وقامت بدعم إنتاج الحليب قليل الدسم لترويجه على حساب اللبن كامل الدسم، ودعمت إنتاج الدواجن أكثر من اللحوم الحمراء. مع ذلك، فإن عادات المستهلكين لم تتغير، ولكن ليس من الواضح حجم التأثير الذي حققه الدعم.
• كما أن قواعد منظمة التجارة العالمية قيدت أيدي دول مثل ساموا، التي حاولت حظر الواردات غير الصحية.
• وحاولت بلدان غرب المحيط الهادئ منع عدد من المنتجات التي كانت أهم أسباب السمنة، ولكنها اصطدمت بمنظمة التجارة العالمية…. كانوا يحصلون من الولايات المتحدة على ذيول الديك الرومي وحفنة من المنتجات غير الصحية الأخرى التي لا نقربها قط، والتي كانت مصنوعة من الدهون الصافية، ومنعنا هذه البلدان من حظر تلك الواردات، من خلال منظمة التجارة العالمية”.
• وفي السياق نفسه، تم استخدام مزيج من القوانين التنظيمية والضرائب الباهظة للحد من التدخين، وحقق ذلك بعض النجاح، وعلى الرغم من المقاومة الشديدة من جانب صناعة التبغ، ولكن الجهود المبذولة في قطاع الأغذية كانت أكثر تذبذباً. فعلى سبيل المثال، فرضت المكسيك، التي انتبهت مؤخراً لفداحة مشاكلها الصحية، ضريبة على المشروبات المحلاة.
• وحتى لو اضطر المرء إلى دفع ضرائب ضخمة وهائلة، ضريبة سمنة على سبيل المثال، إذا كان من الممكن أن نفعل ذلك. أو ربما نفرض ضريبة السكر.
• ولو أن فرض ضريبة على الدعاية والإعلان قد يكون هو الإجراء الأبسط، ولكنك ستحتاج إلى كل ذلك لتحقيق تأثير على المستويات المتعددة التي تدفع هذا الوضع…
• ويجب أن نجري تغيرات في العالم القائم لتسهيل ممارسة التمارين الرياضية، بدلاً من بناء العالم على أساس قيادة السيارات. حسناً، هذا يتطلب إعادة تصميم المدن، وهو طلب كبير للغاية”.
• كما أن ذلك يعني الصدام مع مصالح تجارية دولية قوية.
• فمن الناحية العملية، يتم تحديد مجموعة الأغذية المتاحة من قبل حفنة من الشركات الكبيرة.
• والقرارات بشأن الطعام الذي نتناوله ليست فقط في أيدي الأفراد، من خلال اختيار المستهلك، ولا حتى في أيدي الحكومات أو منظمة الصحة العالمية.


أ.د/علي عبدالرحمن علي – رئيس الاتحاد الدولي للتنمية والبيئة والاستثمار





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى