بعد ظهور مرض الطاعون الدبلي في منطقة منغوليا الداخلية شمالي الصين نهاية الاسبوع الماضي تترقب منظمة الصحة العالمية والعالم كله اخر التطورات الخاصة بالمرض ، وقالت الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية ان ” الطاعون الدبلي كان معنا وهو دائماً موجود منذ قرون ففي يوم من الأيام كان أكثر الأمراض إثارة للخوف في العالم” لكن الآن يمكن معالجته بسهولة ويتم التعامل معه بشكل جيد. وفي هذا المقال يقوم الدكتور عبدالعليم سعد سليمان، استاذ مساعد علم الحيوان الزراعي بجامعة سوهاج بشرح اهم المعلومات الخاصة بمرض الطاعون الدملي:
-
ويعد الطاعون واحدا من أكثر الأمراض فتكا في تاريخ البشر:
يطلق عليه الطاعون الأسود (الموت العظيم أو الموت الفظيع أو الموت الأسود)، للإشارة إلى وباء الطاعون Plague فهو مرض بكتيري معدي حاد ويُعد من مجموعة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. ويُصنف كأحد الأمراض المحجرية الخطيرة التي تسبب أوبئة في حالة عدم السيطرة عليها .تسبب الطاعون في ذعر ورعب أكثر من أي مرض معدي آخر, وقد تسبب في وفاة ما يقرب من 200 مليون شخص, وقد وضع هذا المرض علامة لنهاية العصور المظلمة وسببا من أسباب تقدم البحث الطبي, وقد تسبب الطاعون في تفشى عدة أوبئة epidemics كما تسبب في ثلاثة أوبئة ضخمة وشهيرة pandemics شملت مناطق كبيرة وممتدة من العالم .
- الأول انتشر من منطقة الشرق الأوسط إلى حوض البحر المتوسط خلال القرن الخامس والسادس وتسبب في مقتل نصف سكان هذه المناطق .
- و الثاني ضرب أوروبا ما بين القرن الثامن والرابع عشر, وتسبب في وفاة حوالي 40 % من شعوب أوروبا
- و الثالث بدأ من الصين عام 1855 ميلادي وانتشر إلى القارات الأخرى .
وقد نجح ألكسندر يرسن Alexandre Yersin في عزل الميكروب المسبب للطاعون واستحدث علاجا كمصل مضاد للمرض antiserum, وهو أول من توقع أن تكون البراغيث fleas والفئران هي سبب الوباء وذلك أثناء انتشار وبائي للطاعون عام 1894 وقد سمى الميكروب العصوي الشكل المسبب للطاعون باسم Yersenia pestis وقد انتشر الوباء في كل القارات عدا قارة أستراليا .
-
طريقة انتقال العدوى
ينتقل الميكروب إلى الإنسان من خلال عض حيوان مصاب مثل الفئران أو من خلال لدغ البراغيث التي تعيش على أجسام الحيوانات المصابة والتي تشمل أنواع متعددة منها الفئران و القطط و الكلاب المستأنسة و السنجاب و الأرانب و الجمال و الخرفان و يطلق على الحيوانات المصابة لفظ العائل للمرض أما الحشرات الناقلة فيطلق عليها لفظ الوسيط وهو في العادة البراغيث التي تعيش على أجساد الفئران وتوجد حشرات أخرى من الممكن أن تنقل العدوى منها القمل والقراد، فيتسبب تراكم الميكروب بالمريء الي عدم مرور الطعام إلى أمعاء البراغيث مما يصيب البراغيث بجوع شديد يسبب تهيجها ومصها للدماء والذي أثنائه تتقيأ الميكروب وتحقنه بجلد الضحية ، كما يمكن انتقال العدوى عن طريق الاستنشاق سواء كان الاستنشاق للرذاذ الصادر من الأشخاص المصابين بالطاعون الرئوي أثناء السعال, أو للهواء الملوث بالميكروب.
– أنواع مرض الطاعون
عدوى الطاعون لها شكلان رئيسيان، يعتمدان على مسار العدوى: الشكل الدملي والشكل الرئوي وجميع الأشكال قابلة للعلاج والشفاء إذا ما اكتشفت في وقت مبكر بما فيه الكفاية:
- الطاعون الدملي: Bubonic plague النوع الذي يصيب الغدد الليمفاوية وهو أكثر أشكال الطاعون شيوعا على الصعيد العالمي وينشأ هذا النوع نتيجة لدغ البراغيث الحامل لميكروب عصوي الطاعون أثناء لدغ جلد الضحية لتصل وتعبر الي اقرب عقدة ليمفاوية وتتكاثر فيها ثم تلتهب العقدة الليمفاوية وتتوتر وتصبح مؤلمة مصحوبة بتورم ويطلق عليها اسم “الدمل أو “دّبْل” في الفخذ أو الإبط.” ويغزو الميكروب الغدد الليمفاوية المجاورة لمناطق اللدغ مسببا التهابها ثم ينتشر الميكروب إلى كل الجسم عن طريق الجهاز الليمفاوي وفي مراحل العدوى المتقدمة يمكن أن تتحول العقد الليمفاوية الملتهبة إلى قرحات مفتوحة مليئة بالقيح، ويسبب هذا النوع وفاة من 1 إلى 15 % من الحالات التي يتم علاجها بينما يسبب وفاة من 40% إلى 60% من الحالات إذا تركت دون علاج ويعتبر انتقال الطاعون الدملي بين البشر أمرا نادر الحدوث ومن الممكن أن يتطور الطاعون الدبلي وينتشر إلى الرئتين، فيما يعرف باسم الطاعون الرئوي والذي يعتبر من أنواع الطاعون الأكثر وخامة.
-
الطاعون الرئوي Pneumonic plague
النوع الذي يصيب الرئتين و ينشأ هذا النوع نتيجة استنشاق الميكروب الموجود بالهواء عند تلوثه بالرذاذ الصادر من المصابين بالطاعون الرئوي نتيجة السعال أو الذي يلوث الهواء أثناء إطلاقه في الحرب البيولوجية, و يسبب هذا النوع وفاة 100 بالمائة من الحالات المصابة خلال 24 ساعة من الإصابة إذا تركت دون علاج .
-
الطاعون التسممي (طاعون تلوث الدم) Septicemic plague
وهو النوع الذي يلوث فيه الميكروب الدم بالجسم كله, ويكون مصدر تلوث الدم إما اللدغ المباشر للبراغيث الناقلة أو انتشاره إلى الدم من الأنواع السابق ذكرها .
-
أعراض وعلامات الطاعون
ارتفاع بالحرارة، ألم بالزور، صداع بالرأس، ضعف عام، شعور بالغثيان و حدوث قيئ ،ألم بمنطقة المعدة، سعال، قصور بالتنفس، تصلب بالرقبة، عدم انتظام بضربات القلب و هبوط بضغط الدم، وجود غدد ليمفاوية ملتهبة ومتضخمة بالمناطق من الجسم القريبة من مواضع لدغ البراغيث وقد يصاب مريض الطاعون بالالتهاب السحائي meningitis كأحد المضاعفات وقد يصاب أيضا بهبوط شديد بضغط الدم والناشئ من العدوى بميكروب الطاعون كما قد يحدث موت للأنسجة و نزف أو التهاب الأغشية حول القلب pericarditis وكل ذلك قد يؤدى للوفاة .
-
تشخيص الطاعون
للتأكد من التشخيص يطلب الطبيب عمل اختبار مزرعة لعينات من الدم أو البصاق أو الغدد اللمفية، وقد يطلب الطبيب عمل أشعة على الصدر لمعرفة هل هناك إصابة للرئتين وعند ثبوت التشخيص يحتاج المريض فترة علاج تحت اشراف الطبيب المتخصص, كما يتم إبلاغ المراكز المتخصصة في السيطرة والوقاية من الأوبئة والتي تهتم بأخذ عينات للفحص بالمختبرات وتتعقب مصدر المرض وتتعرف على منبعه وتقوم بعمل الإجراءات الوقائية لمنع الخطر الكامن والذي قد يتسبب في انتشار وباء الطاعون .
-
هل تنشر الجثث الطاعون؟
قد تتسبب جثة شخص توفى إثر إصابته بالطاعون في الإصابة بالعدوى للأشخاص المخالطين له عن كثب، اثناء تجهيز الجثمان للدفن.
– الوقاية من الطاعون
- يجب تجنب السفر إلى الأماكن التي تشهد انتشار الطاعون بها.
- سد الفجوات الموجودة في المنازل والتي تسمح للفئران والجرذان بالدخول.
- تجنب أماكن تواجد الحيوانات الخازنة للمرض وأهمها الفئران ويجب التخلص منها ومن الحشرات الناقلة وأهمها البراغيث.
- ارتداء القفازات عند لمس الحيوانات الحية والميتة.
- العزل الإجباري للمريض في أماكن خاصة في المستشفيات حتى يتم الشفاء التام .
- -ارتداء الكمامة عند التعامل مع الأشخاص المصابين.
- يجب تطهير إفرازات المريض ومتعلقاته والتخلص منها بالحرق .
- يتم تطهير أدوات المريض بالغلي أو البخار تحت الضغط العالي يتم تطهير غرفة المريض جيدا بعد انتهاء الحالة .
- يجب تدقيق ملاحظة المخالطين للمرضى وعند ظهور أي أعراض عليهم – مثل ارتفاع الحرارة أو تورم بالغدد الليمفاوية – يجب البدء في إعطائهم المضادات الحيوية كما يمكن إعطاء المخالطين المضادات الحيوية كإجراء وقائي .و في النهاية الطاعون مرض مميت ينتشر بصورة وبائية، ولكن من المهم أن يعلم الناس الاحتياطات الوقائية لأي مرض قبل حدوثه.
- اخذ الاحتياطات الوقائية شديدة الحذر عن التعامل مع الجثث اثناء النقل ومراحل الدفن.
-
هل يمكن استئصال الوباء؟
شهدت الفترة بين عام 2010 إلى عام 2015 الإبلاغ عن 3248 حالة إصابة في شتى أرجاء العالم، فضلا عن تسجيل 584 حالة وفاة. وأُطلق أيضا علي المرض، في الماضي، “الموت الأسود”، في إشارة إلى موت أجزاء في الجسم، مثل أصابع اليد وأصابع القدم، بسبب المرض.ولا يزال الطاعون موجودا في مناطق كثيرة من العالم، إذ شهدت السنوات الأخيرة موجات تفشي في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر.وعلى الرغم من أن الطاعون كان سببا في تفشي الأمراض على نطاق واسع في العصور الوسطى، إلا أن أي تفش في الوقت الراهن سيكون محدودا لحسن الحظ، ومن الجيد رصد ذلك والإبلاغ عنه في وقت مبكر، بما يقضي إلى العزل والعلاج ومنع الانتشار. وتحدث الإصابة بالطاعون الدملي نتيجة إصابة بكتيرية وليست فيروسية ويعالج بالمضادات الحيوية ويتم الشفاء منه خلال الفترة ما بين 10 ايام إلى 14 يوم طالما تم تشخيصه مبكرا، على عكس مرض كوفيد-19، وعلى الرغم من هذا قد يبدو مزعجا، فهو مرض معد إلا أنه يبدو أن اكتشاف واعلان الحالات مبكرا يمكن علاجها بسهولة.
د/ عبد العليم سعد سليمان كلية الزراعة – جامعة سوهاج