الدكتورة مسنات الحيارى تكتب : ريادة الأعمال والشباب والمرأة الريفية وخطة التعافي من تبعات كورونا
يعد وباء الفيروس التاجي Covid 19حالة طوارئ عالمية تؤثر على جميع البلدان، وتتطلب اتخاذ إجراءات دولية فورية ومستدامة. وفي حين أن التخفيف من الخسائر البشرية والاقتصادية الرهيبة في جميع أنحاء العالم أمر ذو أولوية، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار المشاكل الأساسية التي تكشف عنها هذه الحالة الطارئة، وخاصة بالنسبة لأشد الناس عرضة للعواقب الوخيمة وخاصة الأسر الفقيرة، وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية النائية. كما تؤثر هذه الاضطرابات الناجمة عن جائحة COVID-19 في سلاسل القيمة الزراعية والأسواق تأثيراً شديداً، ولا سيما العاملين لحسابهم الخاص والعمال المأجورين و المشاريع التي يديرها الشباب، مع ما يترتب على ذلك من آثار متلاحقة على أسرهم المعيشية.
والشباب والنساء في المناطق الريفية هم من بين أضعف الفئات، حيث يواجهون بالفعل معدلات أعلى من البطالة والعمالة الناقصة، ويحصل معظمهم على دخلهم يومياً أو أسبوعياً ولا يحصلون إلا على قدر ضئيل من التأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي أو لا يحصلون عليه على الأغلب. ونحن بحاجة إلى إشراك الشباب والمرأة الريفية في الاستجابة لهذه الأزمات، حيث بدأ العديد من الشباب ينفذون أفكارا مبتكرة لمعالجة أزمة توافر الأغذية الحالية باستخدام منصات رقمية مختلفة.
وقد بدأ مؤخرًا اهتمام الشباب العربي يتزايد بمواضيع الريادة، حتى بعض الدول العربية بدأت تهتم بالموضوع، غير أن المشكلة هي في انعدام المصادر المعرفية العربية التي يمكن أن تشجع الشباب المبادر وتقوده على طريق النجاح بأقل الخسائر، لذلك تبرز الحاجة إلى تنمية وتطوير المصادر العربية حول ريادة الأعمال. وتعني ريادة الأعمال Entrepreneurship، القدرة على المبادرة في إنشاء مشاريع خاصة جديدة ذات أفكار مختلفة والرقي بها نحو القمة.
وتبين لنا التجارب العالمية أنَّ ريادة الأعمال تُحفِّز على خلق الوظائف في الاقتصاد، وتتوقف درجة نجاح رواد الأعمال على نضج بيئة الأعمال الأساسية. إلا أن السبل التقليدية لخلق الوظائف والنمو قد لا تؤدي إلى إيجاد وظائف كافية في المستقبل. حيث أن أكبر موفر لفرص العمل هو القطاع الخاص، فإن العديد من فرص العمل تقدمها المصانع وصناعة الخدمات والشركات الزراعية وبعض الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ان خلق فرص العمل يسرع من نمو الاقتصاد ككل، فمزيد من الوظائف يعني المزيد من الدخل وهذا يزيد الطلب على البضائع والخدمات ومن ثم، يزيد الإنتاج. ونتيجة لذلك، يزيد الطلب على الوظائف مرة أخرى وهكذا…
ويشكل الشباب في الأردن الجزء الأساسي من السكان حيث يبلغ عدد الشبان والشابات في الأردن الذين أعمارهم بين 15-29 عاماً 2.72 مليون، ويشكلون ما نسبته 28.5% من مجموع السكان، البالغ 9.559 ملايين نسمة منهم 1.25 مليون شابة لذلك فهم الأكثر قدرة على احداث التغيير داخل المجتمع، ونحن اليوم امام تحديات اقتصادية واجتماعية وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب 30%.
وفي عام 2019، أدرج المنتدى الاقتصادي العالمي 27 شركة ناشئة أردنية ضمن أفضل 100 شركة في العالم العربي. وكان لرواد أعمال التكنولوجيا في الأردن دور كبير في تشكيل مشهد التكنولوجيا في المنطقة خلال العشر سنوات الماضية (مكتوب، وسوق دوت كوم، وطقس العرب، وموضوع 3 وغيرها الكثير). وهناك آلاف من المهنيين الأردنيين المتخصصين في التكنولوجيا الذين يشغلون مناصب رفيعة في شركات تكنولوجيا رئيسية في منطقة الخليج العربي ويبحثون عن فرص جيدة للعودة والعمل في الأردن.
وخلصت دراسة استقصائية للبنك الدولي شملت 230 من رواد الأعمال الأردنيين في الآونة الأخيرة إلى أن رواد الأعمال الأردنيين يتمتعون بقسط وافر من التعليم ولديهم خبرة متينة في إدارة الأعمال. وأظهرت الدراسة أن 94% من المؤسسين الرئيسيين للشركات الأردنية الناشئة يحملون درجة البكالوريوس أو ما فوقها، و62% لديهم خبرة عشر سنوات أو أكثر، و20% لديهم خبرة 6-9 سنوات. ويمتلك أغلب رواد الأعمال الأردنيين (71%) خبرة سابقة في العمل في وظائف ذات مستويات متوسطة أو عليا، ومعظمهم (91%) كانوا موظفين يعملون في شركات خاصة، بما في ذلك شركات خاصة بهم قبل أن يقوموا بتأسيس أعمال تجارية.
وعلينا تحويل الأزمة الى فرصة من خلال توفير الظروف الملائمة والأدوات المناسبة التي يمكن من خلالها الاستفادة من طاقات هؤلاء الشباب فبدلا من انتظار الوظيفة فان درب الريادة هو البديل خاصة مع الثورة التكنولوجية والتقدم الهائل في وسائل الاتصال كلها تفتح المجال لتطوير السلع والخدمات. ونشر ثقافة ريادة الاعمال وتسهيل الاجراءات التشريعية والتنظيمية للمشاريع الريادية وتوفير الخدمات التمويلية والاستشارية والبنى التحتية لتطوير هذه المشاريع. كما على مؤسسات المجتمع المدني أن تولي اهتماما خاصا من خلال تمكين المرأة والاهتمام بالتعليم المهني وخاصة في المحافظات وجيوب الفقر.
و تُشجِّع الحكومة الأردنية على ريادة الأعمال لتغيير هذه التنبؤات، وتسريع وتيرة خلق الوظائف الا ان هناك حاجة لتدريب الرياديين ليس فقط في المجالات المتصلة بالقطاع الذي يعملون فيه وانما ايضا بكل ما يتعلق بريادة الاعمال والادارة المالية والموارد البشرية. ويشكل الافتقار إلى مراكز محلية للتدريب الزراعي العملي تحديا بعد Covid-19 ، حيث يمكن لهذه المراكز أن توفر مزارع تجريبية ومراكز إعلامية عن التمويل والتأمين. ويمكنها العمل برسوم العضوية والعمولات، إن الاعمال الزراعية Agribusiness فرصة تجارية يمكن تمويلها وتوسيع نطاقها بسهولة.
الدكتورة مسنات الحياري
خبيرة اقتصادية أردنية