أخباررئيسيمجتمع الزراعةمحاصيلمقالات

الدكتور جمال صيام يكتب : الأمن الغذائي في الدول النامية بما فيها مصر على المحك

في ظل آثار وباء كورونا على سلاسل إمداد الغذاء العالمية : الأمن الغذائي في الدول النامية بما فيها مصر على المحك

كما أحدث وباء كورونا (كوفيد-19) اضطرابات خطيرة في أسواق المال والطاقة العالمية، فقد امتد أثره أيضا إلى أسواق الغذاء العالمية مع اتجاه العديد من الدول إلى دعم إمداداتها المحلية. وقد تأثرت بالفعل أسعار مخزونات السلع الغذائية الأساسية نتيجة لمحاولات الدول المستوردة للغذاء زيادة احتياطياتهم من ناحية، ومحاولات الدول المصدرة للغذاء الحد من التدفق الخارجي من ناحية أخرى .
وفيما يتعلق بأثر الوباء على الأمن الغذائى ينبغى التفرقة بين المدى القصير والمديين المتوسط والطويل . فمن غير المحتمل أن يؤدي الوباء إلى أي حالات طوارئ رئيسية في مجال الأمن الغذائي على المدى القصير ، حيث تتخذ العديد من الدول إجراءات لضمان الحصول على الغذاء وتنظيم أسعار الغذاء. كما أن أسواق الغذاء العالمية مؤمنة إلى حد ما لأنها دخلت هذه الأزمة باحتياطيات كبيرة بالفعل من فترة الحصاد السابقة. وعلى سبيل المثال ، تحتفظ الصين حاليًا بأكثر من نصف الاحتياطى العالمى من القمح البالغ 287.1 مليون طن. ومع ذلك فإن الاختلالات فى العرض والطلب على المستوى المحلى للدول لا تزال تحمل مخاطر في مناطق أخرى من العالم.
قامت بعض الدول المصدرة للحبوب الرئيسية بتقييد صادراتها إما بفرض حد أقصى عليها أو بتعليقها جزئيا لفترات محددة. فقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية ، وهى أكبر مصدر للحبوب في العالم صادراتها من الحبوب ب 32 مليون طن ، وحددت روسيا ، وهى ثانى مصدر في العالم ب 7 مليون طن .وعلقت أوكرانيا من الحبوب وعلقت فيتنام صادراتها من الأرز. وأوقفت روسيا مؤقتًا جميع صادرات الحبوب اعتبارا من 23 مارس 2020، وهى تقع أيضًا فى نطاق الحظر الذي فرضته اللجنة الاقتصادية لمنطقة أوراسيا (EAEU )على صادرات الحبوب اعتبارا من 10 أبريل حتى 30 يونيو 2020، وسيؤدي تعليق شحنات الحبوب الكبيرة لمدة نحو ثلاثة أشهر إلى حرمان السوق العالمية من كميات كبيرة من القمح والحبوب الأخرى، وتأتى هذه الفترة قبل موسم الحصاد في روسيا الذى يتم خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر ، وهو الوقت الذي تنخفض فيه الصادرات إلى حد كبير.
ويمكن أن يؤدي تعليق الصادرات الروسية من السلع الغذائية لفترة أطول ، والتي تمتد إلى موسم الحصاد وما بعده عندما تبلغ التجارة ذروتها عادة ، إلى اضطرابات أكثر شدة نظرا لموقع روسيا كواحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم. ويعتمد عليها العديد من الدول ، بما في ذلك مصر ، التى تعتمد على روسيا في حوالي نصف وارداتها السنوية من القمح. حاولت مصر بالفعل طرح مناقصة جديدة لواردات القمح في 1 أبريل بعد تعليق صادرات روسيا ومنطقة أوراسيا EAEU ، . إلا أن جميع العروض فشلت ، وألغت مصر المناقصة بعد ساعات. قد تجد هذه الدول – فى ظل استمرار انتشار الوباء – صعوبة في إيجاد مصادر بديلة في والوقت الذى تتنافس فيه دول أخرى تعتمد على الاستيراد على العرض المحدود ، حيث يتخذ المصدرون الآخرون إجراءات مماثلة للحد من صادراتهم.
بالنسبة للدول النامية ، بما فى ذلك مصر، وبصفة خاصة الدول ذات الاحتياطيات المالية المحدودة فهى تواجه فى الأصل تحديات حقيقية فيما يتعلق بالأمن الغذائي ، وقد يصبح هذا الوضع أكثر مدعاة للقلق إذا امتدت اضطرابات كورونا (كوفيد-19) إلى فصل الصيف. بعض هذه الدول – بما في ذلك زيمبابوي وفنزويلا وموريتانيا – تكافح بالفعل لتلبية الاحتياجات الغذائية في ظل الظروف العادية. يمكن أن تؤدي زيادات الأسعار والقيود المفروضة على العرض بسرعة إلى نقص حاد فى الغذاء على مستوى هذه الدول . بالنسبة لزمبابوي التي كانت على وشك أزمة غذائية منذ أزمة العملة الأجنبية في أوائل عام 2019 ، فإن الوضع أشد قتامة بشكل خاص. إن اعتماد زيمبابوى على الإمدادات الغذائية من المصدرين من داخل محيطها المباشر ، مثل زامبيا وجنوب إفريقيا ، يمكن أن يدفعها بسرعة إلى حافة الهاوية إذا اتخذت هذه الدول إجراءات لحماية إمداداتها الغذائية المحلية.
في آسيا الوسطى ، يمكن أن تؤدي التخفيضات الكبيرة في صادرات السلع الغذائية في كازاخستان والتي تعززت بشكل أكبر بسبب تعليق اللجنة الاقتصادية لمنطقة أوراسيا EAEU لصادراتها لمدة ثلاثة أشهر إلى حدوث اختلال قصير المدى بين العرض والطلب الإقليميين مما قد يؤدي إلى تدهور وضع الأمن الغذائي. وقد أوقفت وزارة التجارة الكازاخستانية جميع صادرات المنتجات الغذائية الأساسية اعتبارًا من 22 مارس. وفي حين أن كازاخستان قد لا تكون لاعبا مهما قياسا إلى اللاعبين الآخرين على الصعيد العالمي ، فإنها تنتج كما ضخما من المنتجات الغذائية التى يتم استهلاكها على الصعيد الإقليمى في جميع أنحاء آسيا الوسطى . إذ تعتمد دول مثل أوزبكستان وطاجيكستان على كازاخستان في كامل وارداتها من الحبوب تقريبًا (95 بالمائة). ومما يزيد الطين بلة بالنسبة لهذه الدول أن كازاخستان ،بالإضافة إلى تعليقها للصادرات ، ألغت جميع الرسوم على وارداتها من السلع الغذائية ، مما يعني أنها قد تبتلع في الواقع بعض الكميات الإضافية المتاحة من المنتجات الغذائية في منافسة مع الأسواق التي حرمتها.
ومن ناحية أخرى نجحت بعض الدول التي تعتمد بشكل شبه كامل على واردات الغذاء في عزل نفسها بنجاح عن الاضطرابات المؤقتة. وتبرز دول الخليج العربي بشكل خاص ضمن هذا القسم من الدول . فرغم أن لديها القليل من الإنتاج المحلى من الغذاء نظرا لبيئتها الصحراوية القاحلة وتعتمد بدرجة شيه كاملة على الواردات الغذائية من الخارج ،إلا أنها لا تواجه خطرًا كبيرًا على المدى القصير بفضل ثروتها وسياساتها. فالإمارات العربية المتحدة ، على سبيل المثال ، تستورد حاليًا ما بين 80 و 90 في المائة من غذائها من الخارج ، وهو ما يمثل في حد ذاته ضعفًا كبيرًا في سلسلة الإمداد. لكنها خففت من ذلك من خلال تنويع موردي السلع الغذائية لديها ، وإنشاء احتياطيات استراتيجية يمكن أن تغطي الاستهلاك لمدة تصل إلى ستة أشهر ، والاستثمار المباشر في التنمية الزراعية فى دول أخرى توفر لها النفاذ المباشر إلى الغذاء. وقامت دول الخليج العربي الأخرى باتباع نهج مماثل ، مما جعلها غير مهددة نسبيًا فى إطار هذا المدى القصير من الاضطرابات في سوق الغذاء العالمي.
تحديات سلسلة امداد الغذاء العالمية
تتفاقم مشكلة توافر (Availability) السلع الغذائية على الصعيد العالمى بسبب الطاقة المحدودة للشحن التجاري لنقل هذه السلع. إذ تعاني السفن التجارية من تأخيرات كبيرة لأنها تضطر إلى الامتثال لإجراءات مختلفة يجرى تطبيقها في دول مختلفة للحد من تفشى COVID-19. بما فى ذلك إمكانية إعادة التوجيه إلى موانئ أخرى ، والتأخير في الموافقات أو المدفوعات ، وحتى إجراءات التطهير. وتؤدى هذه التاخيرات إلى استبعاد عدد كبير من السفن من السعة المتاحة ، هناك خطر حقيقي ننشأ نتيجة لاختناقات فى النقل تعطل مؤقتًا شحنات المنتجات الغذائية إلى وجهاتها ،فضلا عن أن حاويات مبردة ضرورية لنقل المنتجات الغذائية القابلة للتلف قد تعطلت في الصين. بسبب أزمة كورونا. ومع أن سعة الشحن والحاويات ستصحح نفسها في نهاية الأمر مع اختفاء التأخيرات ، إلا أنه في الوقت الحالي ، ستواصل التدابير الصحية ضد انتشار COVID-19 تقييد هذه السعة على الصعيد العالمي.
وفيما يتعلق بمصر وغيرها من الدول المعتمدة على الاستيراد، فسوف ترتفع مخاطر الأمن الغذائى نظرا لأن الجدول الزمني للقيود المفروضة على تجارة الغذاء العالمية لا يزال غير واضح. خاصة مع استمرار أزمة COVID-19 والقيود التجارية المصاحبة لها . وقد يحدث أسوأ السيناريوهات إذا استمر انتشار الفيروس دون تراجع مع امتداد الاختلال إلى مدة أطول تمتد إلى مواسم الحصاد فى الدول المصدرة الرئيسية ، حيث يمكن أن تؤدي الاختلالات الرئيسية في العرض والطلب وسعة النقل إلى نقص كبير فى الدول المعتمدة على الاستيراد. ومع ذلك ، في جميع الاحتمالات ، ستظل آثار الأزمة على الأمن الغذائى محدودة إذا اقتصر استمرارها على عدة أشهر ، وفى الأغلب سيعبر النقص في العرض العالمى عن نفسه من خلال ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
يستند هذا المقال بصورة رئيسية إلى :
Stratford Woridview, April 4, 2020, How the Coronavirus has Damaged Global Food Supply Chains


أ.د. جمال صيام – أستاذ الاقتصاد الزراعى-جامعة القاهرة





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى