أخبارخدماترئيسيزراعة عربية وعالميةمجتمع الزراعةمحاصيلمقالات

الدكتور جمال صيام يكتب : حول تطبيق اللامركزية فى القطاع الزراعى.. تجارب عالمية رائدة ..وماذا عن مصر؟ (5)

قلنا فى السابق أن تطبيق اللامركزية في الوظائف الحكومية يعنى نقل السلطة والمسؤوليات من الحكومة المركزية إلى المستويات المحلية والوسيطة، والتى تتمثل غالبا فى المجتمعات المحلية والقطاع الخاص. وقلنا كذلك أنه في أعقاب ثورة يناير (أو أحداث يناير ، سمها ماشئت) أن وزارة التخطيط أنجزت عددا من التقارير القطاعية (من بينها القطاع الزراعى) تتعلق بمقترحات بتطبيق اللامركزية في هذه القطاعات.وبالنسبة للقطاع الزراعى بالتحديد يعنى تطبيق اللامركزية نقل السلطة والمسؤوليات (الوظائف ) كليا أو جزئيا من المستوى المركزى متمثلا في الحكومة المركزية ووزارة الزراعة ووزارة الرى والوزارات والهيئات الأخرى المعنية بالزراعة ، إلى مستوى المحافظات والمراكز والمحليات.

على مدى العقدين الماضيين مضت ، سبقتنا دول نامية عديدة في مجال تطبيق اللامركزية في إدارة القطاع الزراعى ، من أسيا الهند وبنجلاديش وإندونيسيا ، ومن أفريقيا كينيا وغانا ورواندا ومن أمريكا اللاتينية بوليفيا وإكوادور وهندوراس وبيرو وفنزويلا .وهناك تجارب رائدة أيضا في نيوزيلاند واستراليا
سنعرض هنا تجارب الرائدة في الدول المشار إليها في مجال تطبيق لامركزية الوظائف المتعلقة بخدمات الإرشاد الزراعى والخدمات البيطرية والبحوث الزراعية وتوريد المستلزمات والخدمات التسويقية والتعاونيات والخدمات المالية . وفى مقال لاحق سوف نناقش إمكانية تطبيق اللامركزية بالنسبة للقطاع الزراعى المصرى.

لامركزية خدمات الإرشاد الزراعى ( تجربة الهند ) :

يجرى التوسع فى تطبيق اللامركزية بشكل متزايد فى مجال خدمات الإرشاد الزراعى نظرا لامكانية تقديمها بصورة أفضل على المستويات اللامركزية بالمقارنة للمستوى المركزي لاسيما إذا ما تم التركيز على إعطاء المستخدمين فرصة تخطيط البرامج وتنفيذها وتقييمها. وتوفير أنظمة الدعم الكافي للمستويات اللامركزية خدمات الإرشاد والدعم خاصة للتدريب والمرشدين المتخصصين ، وإنتاج المواد الإرشادية. فى هذا الإطار قامت الهند بتنفيذ عدد من البرامج لتنشيط نظام الارشاد الزراعى العام فى العقد الاخير. كما قامت بإنشاء “جهاز إدارة التكنولوجيا الزراعية ” الذى يعد بمثابة نموذج مبتكر للارشاد الزراعى العام يتم من خلاله تطبيق اللامركزية والمشاركة القاعدية والربط بين البحوث والإرشاد.

اللامركزية فى مجال البحوث :

لم يقتصر تطبيق اللامركزية على تفويض المحطات البحثية المحلية فى تطوير الابتكارات ، بل تجاوز ذلك إلى التجريب التشاركى ، وذلك من خلال تعليم المزارعين الأساليب التجريب الخاضعة للرقابة. وذلك ما تنطوى عليه تجربة رواندا، حيث يتم إشراك المزارعين فى التقييم المبكر للأصناف وتحققت اختيارات المزارعين بنسب تفوق اختيارات الباحثين . وفي دول أمريكا اللاتينية) بوليفيا والاكوادور وھندوراس وبيرو (، يجرى تطبيق برنامج لتطوير لجان منتخبة محليا من المزارعين المشاركين فى التجارب تتلقى المساعدة والدعم من قبل معهد البحوث القومي وأجهزة الإرشاد والمنظمات غير الحكومية فى إطار البحوث التشاركية .

اللامركزية فى مجال الخدمات البيطرية :

بدأت تجربة نيوزيلاند فى مجال تطبيق لا مركزية الخدمات البيطرية فى الثلاثينات حين نشأت جمعيات مربى الماشية التى تستعين بخبرة الأطباء البيطريين وتحصل على دعم حكومى لتدريب الأطباء البيطريين فى الخارج (استراليا). ويقوم أصحاب الماشية أنفسهم بإنجاز عدد من الوظائف شبه البيطرية يتم تدريبهم عليها . وفى تجربة نيوزيلاند أيضا هناك الجمعيات البيطرية التى هى عبارة عن شراكات مكونة من عدد من كبار الأطباء البيطريين او الشركات الصغيرة . وتشتمل التجربة كذلك على بناء قدرات المنظمات البيطرية ودعم بعض المجموعات المستهدفة من المربين من قبل مقدمى الخدمات البيطرية.

اللامركزبة فى مجال توريد المدخلات والتسويق :

يقوم مجلس القطن فى غانا بإمداد المزارعين بحزمة شاملة من الدعم تشمل خدمات الحرث ، كافة مدخلات الإنتاج الضرورية ، الخدمة الإرشادية ، ضمان شراء الناتج من القطن عند الحصاد. وفى إطار برنامج الاصلاح الاقتصادى تم تحويل المجلس إلى شركة مساهمة أنيط بها تطوير صناعة القطن . وفى تنزانيا أنشئ مجلس تسويق المحاصيل الشجرية حيث تقوم الاتحادات التعاونية بتجميع الإنتاج من المنتجين ويبيعها إلى المجلس.وفى أوائل التسعينات تم تحرير النظام التسويقى وتم تحويل المجلس إلى المجلس التنزانى للمحاصيل الشجرية وعهد إليه بمهام محددة شملت منح التراخيص وتوفير المعلومات التسويقية والتخطيط الاستراتيجى للمنتجات الشجرية.وسمح للشركات الخاصة بالدخول فى تسويق المحاصيل.

اللامركزية فى مجال الخدمات المالية :

هناك تجربتان مهمتان فيما يتعلق بلامركزية الخدمات المالية، هما بنك راكيات بإندونيسيا وبنك جرامين ببنجلاديش . وتنطوي اللامركزية على نقل مسؤولية التشغيل إلى الفروع المحلية والفرعية القادرة على توسيع نطاق عملها على أساس مستدام. ويتم منح الإدارة الذاتية الكاملة لمديري الخطوط الأمامية لتحديد أفضل السبل لتحقيق ھذا الهدف وقد تم تطبيق ھذا النهج بنجاح في إندونيسيا ، حيث تم تحويل بنك التنمية الزراعية المتعثر، وهو بنك راكيات إلى مؤسسة اقتصادية ديناميكية تقدم الخدمات المالية الريفية يستجيب مديروه المحليون لإشارات السوق المحلية وليس لتوجيهات الحكومة المركزية. وأدى إصلاح البنك في تفويض قدر كبير من المسؤوليات والموارد . وبالنسبة لبنك جرامين ببنجلاديش فقد بلغ مجموع أعضائه أكثر من 2 مليون نسمة ، معظمھم من النساء الريفيات ، ويقوم جرامين بالعديد من الأنشطة التي لا تتصل مباشرة بالأعمال المصرفية ، مثل الأنشطة الاجتماعية والتعليمية وغيرھا ولا سيما لصالح النساء ، ويتم تقديم القروض للأفراد كمجموعات من خماسية ، وتكون كل مجموعة مسئولة مسؤولية مشتركة عن خدمة الدين .ويعتبر الھيكل التنظيمي للبنك وإجراءاته في حد ذاتھا ، مثالا جيدا لللامركزية ، حيث تركز مكاتب المقر الرئيسى على وضع السياسات ، وتعبئة الموارد الخارجية وبرامج التدريب ، بينما تركزالفروع على تحقيق الربح ، ويتمتع مديروها بالاستقلال الكامل فى عملية صنع القرار .

اللامركزية من خلال تطوير التعاونيات (التجربة الهندية ) :

تعتبر التعاونيات الزراعية المقامة على المبادئ التعاونية الصحيحة إحدى ركائز تطبيق اللامركزية فى القطاع الزراعى. وتمثل التجربة الهندية في مجال تعاونيات تجميع وتصنيع الألبان ، تجربة رائدة فى هذا المجال ، حيث استطاعت التعاونيات من خلال وضع نظم وإجراءات فعالة ، تتسم بالبساطة ، في تجميع الألبان من صغار المربين وتصنيعها من خلال التعاونيات والشركات التابعة لها.

اللامركزية من خلال إشراك المجتمع المدني ( مثال من فنزويلا والإكوادور) :

الخصخصة والتحالفات الاستراتيجية مدخلان لهما أهمية كبيرة في السياق الدولي لتناقص الموارد المخصصة لتقديم الخدمات على المستوى المحلي. ومع الفراغ المؤسسي الذي نشأ بسبب التعديلات الهيكلية التي بدأت في منتصف الثمانينات، حدث انخفاض كبير في كوادر الموظفين فى الوزارات المسئولة عن التنمية الزراعية كما حدث في فنزويلا والإكوادور.

وفي نفس الوقت وبفضل قوانين اللامركزية، تزايدت بصورة مطردة أهمية البلديات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية .ومن المهم الربط بين هؤلاء الشركاء جميعا لتحقيق التنسيق والتعاون ومن ثم تجنب ازدواجية الجهود .

الإطارالتشريعى المناسب لللامركزية (أمثلة من بوليفيا وهندوراس) :

تتطلب اللامركزية قوانين ملائمة تعمل على إيجاد البيئة المناسبة لنجاحها. ففي بوليفيا وهندوراس ، ساعدت قوانين اللامركزية والمشاركة الشعبية على تيسيرالعملية لحد كبير خلال التسعينات، حيث تم إعادة تنظيم جهاز الحكومة المركزية بأكمله على أساس منهج متعدد القطاعات وليس عل أساس منهج القطاع الواحد . وقد ساعدت التطورات الاقتصادية فيما يتعلق بالخصخصة منذ التسعينات على بلورة قوانين اللعبة بشكل تدريجي، وجوهري فى نفس الوقت لتحقيق إدارة التنمية الزراعية التي تعتمد على الاحتياجات والطلب Demand -oriented.





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى