أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : إحرص على جمال النهايات (نفحات الجمعة)

بداية حياة الانسان فى الدنيا بميلاده….ومهما طال عمرة فان النهاية تكون بالموت. يقول تعالى
(كل نفس ذائقة الموت) وانتقال الى حياة اخرى .ومابين الميلاد والوفاه يعيش الانسان حياته فى دورات من البدايات والنهايات
لان من طبيعة الحياة انها لاتدوم على حال واحد ..
فالذنيا اذا حلت (أى أصبحت حلوة واعطتك بهجتها)
أوحلت( اي انقلبت الى الضد وسلب منك كل نعمة )
وإذا جلت (اي اعطتك العزة والجلال والمناصب والكراسى) أوجلت (اي انحدرت وسلب منك كل عز)
وإذا غلت( اي اغنتك بعطائها ونعمها أوغلت (اي اغرقتك فى جحيمها

وإذا كست (أى اى لبست افخر الثياب وركبت افضل المراكب دليل على الغنى )أوكست ( نزعت عنك ملابسك وصرت جوعانا مطرودا )
وإذا أينعت ( اي انعمت عليك بما يطيب خاطرك) نعت (أى نزعت عنك كل ما يطيب له خاطرك )
وكم من ملك رفعت له العلامات ( اي منحت له صلاحيات وكان صاحب سلطة ) فلما علا مات (أى نزعت صلاحياته )وكم من القبور تبنى و ما تبنا. ياليتنا تـُبنا من قبل أن تـُبنى. اى لانعتبر من دورات الحياة حتى نشيع احبابنا الى القبور ومع ذلك ننسى اننا راحلون
وما اجمل قول الشاعر
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ
مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ
وهذهِ الدارُ لا تُبْقي على أحدٍ
ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ

ففى كل بداية نهاية …وكل نهاية هى بداية جديدة.
سواء كانت بداية صداقة او زمالة او مشروع او عبادة او نسك او عمل او ارتباط بعلاقة عاطفية او او زواج او منصب ..ودائما تكون البدايات جميلة ومحفزة ..لكن النهايات هى الحاكمة ..

فالعبرة بالنهاية وليست في البداية أبداً ، فالبدايات كاذبة مهما كانت مُقنعة ، والنهايات صادقة مهما كانت قاسية ففى البدايات يكون الكلام المعسول والاحلام الوردية والمشاعر الفياضة.. والرومانسية .. لكن في نهايتها تسقط الاقنعة وتظهر الأخلاق….على حقيقتها…والوجه القبيح

والكلام في البدايات تحركه المصالح والمطامع فيتعامل الناس بأقنعتهم اما تجملا او طمعا او نفاقا او شهوة الكراسى .
وفي النهايات تتبدل الاحوال عند الخلافات او انتفاء المصلحة اوتحقيق المصلحة او تغير المناصب والكراسى ..تتحول الولاءات .وتنقلب كل الحسنات الى سيئات ..والانجازات إلى اخفاقات
ويصبح كل ماصدر منك امور سخيفة ..
لذا يقولون أن البدايات اجمل لكن النهايات أصدق وأوقح..

وانظر الى بداية العلاقة بين اى زوجين كيف تبدلت بعد ان وصلا الى مرحلة الطلاق
والى الشركاء عند دخولهم الشركه ثم عند الخلاف وفض الشراكة
والى الزملاء عند اختلاف المصالح
والى الاحبة عند ظهور علاقة جديدة…والى من يجلسون على الكراسى عندما يتقلدون المناصب ثم يتركونها..
والى العلاقة واسلوب التعامل كيف يتغير مع من يملك الاموال عندما يفتقر ..او الانسان الصحيح عندما يمرض او صاحب المنصب عندما يتركه ..الخ
سوف تجد تحولات وتقلبات لايمكن ان تتوقعها فى البداية ..

نعم انت فى الدنيا ..دار التواء وليست دار استواء ..دار عمل وفتن وابتلاء وليست دار مقام وجزاء ..

فاحرص ان تعطى كل من تتعامل معه نهايات جميلة كالبدايات..الجميلة التى بدأت بها ..فى كل علاقاتك ،
وليكن فراقك جميلاً كـ قربك !
بما يسميه الان اصحاب ألاموال قانون التخارج او اسلوب فض النزاعات..

ولا تؤلم شخصاً بدأت معه بشكل جميل او اكلت معه عيش وملح
لا تغيرك المصالح ..او المطامع

واياك ان تطغيك نعم الله عليك
ولتكن الباقيات الصالحات هى غايتك…يقول تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} وان كان كل شيئء زائل
فلو دامت لغيرك لما وصلت إليك ..

ولا تلهيك او تطغيك حلاوة البدايات. فهى كمسحة القطن ما قبل الإبرة”..والخباز يطبطب على العجينة قبل ان يلقيها فى النار ..فاحذر العواقب والنهايات ..
وكما تحسن البدايات عليك ان تحسن التخارج والنهايات..

فكل شيئ لايدوم على حاله لاالمنصب لا يدوم والسلطة لا تدوم ..! والمال لايبقى والصحة لاتدوم ..والجمال لا يدوم .كل شئء متغير ..
فإياك ان تقيس قيمتك وأنت تجلس فوق كرسي المنصب او بسلطة تملكها اوبمال تقتنيه (هذه قيمة كرسيك او مالك وليس قيمتك)…
والحرص على حسن الخاتمة
هو أن توفق فى البعد عن ، أصدقاء السوء وتجنب المعاصى والتوبة منها، والاستقامة على طاعة الله وامره وان تدفع بالتي هى أحسن دائما .وتسأل الله حسن الخاتمة وان تحسن جمال النهايات فى كل معاملاتك وهذه الاخلاق دليل على فهم الإنسان لمهمته و وظيفته في هذه الدنيا يقول تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ). و حسن الخاتمة جائزة للانسان الذى اخلص لله فى عمله وكاعته وصار على منهج المرسلين وحسنت مسيرته في دنياه بعد توفيق الله له فيها ” ويموت المرء على ما عاش عليه، و يحشر على ما مات عليه” ..
اسأل الله لى ولكم حُسن
العمل حُسن الخاتمة وحُسن الرحيل وطيبَ الأثر.
ا.د / ابراهيم حسينى درويش





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى