الدكتور جمال صيام يكتب : تبني مصر استراتيجية “القمح مقابل الكانتالوب” خطأ جسيم
الاستمرار فى تصدير الخضر والفاكهة الطازجة يعد خيارا غير منطقي ولا يحقق مبادىء الاستدامة.
المغفور له الدكتور يوسف والي ارتبطت به مقولة أن علي مصر أن تزرع الكانتالوب وتستورد بثمنه قمحا ، والقصد من هذه المقولة تبني استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ليس بالضرورة عن طريق التوسع فى محاصيل الأمن الغذائي الأساسية وأغلبها منخفض الربحية ولكن عن طريق التوسع فى المحاصيل التصديرية عالية القيمة مرتفعة الربحية ، علي أن توجه الحصيلة الدولارية (أو الأجنبية عموما) إلي شراء احتياجات مصر من القمح من السوق العالمي.
الا انه فى نفس الوقت عمل بقوة علي رفع انتاجية محاصيل الحبوب الاساسية، فخلال الفترة 1982-2004 ، تم رفع انتاجية القمح من ٨ اردب اللي ١٨ اردب للفدان حين غادر كرسي الوزارة فى ٢٠٠٤ (يعني بزيادة نصف اردب أو 75 كيلوجرام سنزيا فى المتوسط) .
فهو اذن عمل بقوة علي جانبي الصادرات الزراعية والامن الغذاءي فى خطين متوازيين.اما الان فان التركيز علي الصادرات الزراعية مع التجاهل الذي نلمسه فى مجال تطوير انتاجية محاصيل الامن الغذائي يعد خطا جسيما.
فمنذ ان غادر د.والي الوزارة اي طوال ٢٠ عاما التالية لفترته تحركت انتاجية القمح اردبا واحدا فقط يعني ١٩ اردب (يعني بزيادة 7 كيلوجرامات سنويا فى المتوسط).ثم ان الموقف المائي تدهور كثيرا عما كان عليه ايام د.والي، فقد انخفض نصيب الفرد من المياه من نحو 1000 متر مكعب سنويا فى 1992 (متوسط الفترة المشار إليها ) إلي نحو 500 متر مكعب سنويا ، وهو فى طريقه إلي مزيد من التدهور مع الزيادة السكانية ، دعك من السدود الاثيوبية والتغيرات المناخية.
وقلنا مرارا بضرورة تبني استراتيجية تقوم علي أمرين : الاول ، الاهتمام بتحسين الانتاجية ، الثاني التحول السريع من تصدير الخضر والفاكهة الخام (والذي يعني تصدير المياه الافتراضية) إلي التصنيع الغذائي.
اما الاستناد إلي مقولة ان مصر تتمتع بميزة نسبية فى تصدير هذه المنتجات فى صورتها الخام ، فامر يحتاج الي مراجعة ، خاصة اذا تم إدخال القيمة الحقيقية (طبقا لما يطلق عليه السعر الظلي) لمياه الري فى تكاليف إنتاجها.
وفضلا عن ذلك يتوقع أن تتصاعد هذه القيمة بشكل متسارع إلي مستويات غير مسبوقة مع تصاعد واستحكام ندرة المياه فى مصر مستقبلا فى ظل تحديات التغيرات المناخية والسدود الإثيوبية والزيادة السكانية.
وفى ضوء هذا التحليل يبدو أن الاستمرار فى تصدير الخضر والفاكهة الطازجة يعد خيارا غير منطقي ولا يحقق مبادىء الاستدامة.
د. جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعي
كلية الزراع، جامعة القاهرة