الدكتورة اهداء أسامه تكتب : أثر التغيرات المناخية على الإنتاج الحيواني
كيف تؤثر التغيرات المناخية على الإنتاج الحيواني
يطلق مصطلح تغير المناخ على التغير الملموس وطويل الأثر الذي يطرأ على معدل حالة الطقس لمنطقة ما، شاملاً معدلات هطول الامطار، ودرجات الحرارة، وحالة الرياح، وتُعزى أسباب حدوث هذه الظاهرة إلى عمليات ديناميكية للأرض أو قوى خارجية أو إثر النشاط الإنساني.
أدى ارتفاع درجات الحرارة والتغيُّرات المناخية الى تأثيرات سلبية كبيرة في مجال الزراعة والفوائد التي توفِّرها للمجتمعات. ويؤثر ذلك بصورة متزايدة على الإنتاج الحيواني كما انه ومن المتوقع أنَّ الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ سوف تزداد لتتسبَّب في مزيد من الأحوال الجوية البالغة الشدَّة مثل حالات الجفاف والفيضانات والموجات الحارة وتوزيع الأمطار على نحو لا يمكن التنبؤ به. سوف يكون لتغيُّرات المناخ تأثير كبير على تربية الحيوانات وعلى إنتاج الأغذية الحيوانية المصدر.
أشارت العديد من الدراسات إلى ارتباط وثيق بين زيادة حدة التقلبات الجوية على المدى القصير والتغيرات المناخية على المدى الطويل، أي أنه من المتوقع أن تزداد حدة التقلبات الجوية في الأعوام القادمة. وطبقًا للإحصاءات الرسمية فان مصر تأتى في المرتبة الثامنة والعشرين عالميًا في ترتيب الدول من حيث كمية الانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري. فقد أشارت التقارير الرسمية إلى أن 17% من المصريين يعانون من ضعف مستوى الأمن الغذائي، ويتركز معظمهم في جنوب مصر، وهذه النسبة معرضة للزيادة في ظل ازدياد حدة التقلبات الجوية، حيث تشير العديد من الدراسات إلى تأثر إنتاجية المحاصيل بشكل سلبي بسبب التقلبات الجوية الحادة.
قد يكون تغير المناخ ظاهرة عالمية إلا ان تأثيراته السلبية الاشد هي التي يشعر بها الفقراء في البلدان النامية والتي تعتمد اعتمادا كبيرا لكسب عيشهم على قاعدة الموارد الطبيعية، وحيث ان الزراعة وتربية الحيوانات هي من بين أكثر القطاعات الاقتصادية الحساسة للمناخ ولذا فأن المجتمعات المحلية الفقيرة في المناطق الريفية هي أكثر عرضة لآثار تغير المناخ، وسيؤدي تغير المناخ وآثاره بعيدة المدى على منتجات الألبان واللحوم وإنتاج الصوف بشكل رئيسي عن طريق التأثيرات على العشب وتغير نطاق الإنتاجية. كما أن تاثير الحرارة على الحيوانات وتخفيض معدل استهلاك العلف الحيواني وأسباب عدم نموو فقر الموارد المائية وزيادة تواتر الجفاف في بعض البلدان يؤدي إلى فقدان الموارد. كما تتسبب في انتشار متزايد من القائمة التي تحملها ناقلات الأمراض والطفيليات للحيوانات وكذلك ظهور وانتشار أمراض جديدة.. في بعض المناطق، وتغير المناخ قد تتسبب أيضا في انتقال نماذج جديدة، ورأى أن هذه الآثار ستكون من جانب كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية، ولكن ستكون البلدان النامية الأكثر تأثرا بسبب افتقارها إلى الموارد والمعارف والطبيب البيطري وخدمات الإرشاد والبحوث وتطوير التكنولوجيا.
أثر ارتفاع درجات الحرارة على تربية الحيوان
من المرجح أن تختلف الأثار والاستجابات لارتفاع درجات الحرارة لممارسة الزراعة في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة لسلالات الثروة الحيوانية فهي الأقل عرضة للحرارة ويمكن استخدامها، ولكن هذا التغيير قد يزيد قابلية عوامل ممرضة معينة في بعض المناطق، وسيتم نقل مزيد من الحيوانات للداخل، في محاولة لتجنب التعرض للحرارة والضغط. إن التغيرات المناخية قد تساعد أيضًا على انتقال مسببات الأمراض بين الحيوانات، مما يؤدى إلى تحميل أكبر مسببات المرض في البراز وزيادة انتشار التلوث.
أثر تغير المناخ على مخلفات العقاقير البيطرية في الأغذية
التغيرات المناخية قد تؤدي إلى تغيرات في حدوث الأمراض الحيوانية المنشأ المنقولة بالغذاء والآفات الحيوانية وربما في زيادة استخدام العقاقير البيطرية وظهور امراض جديدة في تربية الأحياء المائية، ويمكن أيضا المواجهة بسهولة في زيادة استخدام المواد الكيميائية. وبالتالي، قد يكون هناك أعلى المستويات وغير مقبول حتى من العقاقير البيطرية في الأغذية.
فقدان الحرارة في المواشي
وتتعدد طرق فقدان الحرارة بالنسبة للمواشي لكنّ نسبة فقد الحرارة بالتبخّر هي الأعلى في الظروف الطبيعية، وذلك اعتماداً على درجة حرارة الهواء المحيط ورطوبته النسبية ومساحة سطح التبخر، وسرعة تحرّك الهواء، كما أنّ قدرتها على فقد الحرارة بالتوصيل ضعيف جداً، أما فقدان الحرارة بالحمل الحراري فإنّه يزداد مع هبوب الرياح على الحيوان، وفي حال زيادته فإنّه يزيد من الفقدان الحراريّ بالتبخر،
• استهلاك الأعلاف: تؤدي درجات الحرارة المرتفعة وارتفاع رطوبة الهواء لانخفاض استهلاك الأعلاف للماشية
استهلاك الماء.
إنّ تأثير المناخ على استهلاك الماء بالنسبة للمواشي يحمل عدّة اوجه، فالماء يعتبر مصدراً غذائياً أساسياً بالنسبة للمواشي، ومن جهة أخرى يعتبر وسيلة لفقد الحرارة والتبريد عن طريق التبخر، ولهذا فإنّ زيادة درجة حرارة المحيط يزيد من استهلاك الماشية للماء، لكنّ ارتفاع درجات الحرارة المصحوب بارتفاع الرطوبة يقلل من كميّات الماء المستهلكة ويزيد من عدد مرات الشرب التي تحتاجها المواشي
نموّ ما قبل الولادة.
تؤثّر درجات الحرارة بشكل مباشر على نمّو المواشي قبل ولادتها، فبالنسبة للعجول التي تولد بعد الحمل الصيفي في المناطق الاستوائية فإنّها تكون غريبة وغير متكيّفة مع محيطها، ووجد تجريبياً أنّ النعاج إذا ما عرّضت لدرجات حرارة كبيرة خلال فترة حملها فإنّها تلد حملان صغيرة وهزيلة، فكلّما زادت فترة التعرَض للحرارة أثناء الحمل كلّما قلّ حجمها
نموّ ما بعد الولادة.
يعتمد نموّ الحيوانات بعد ولادتها على عدد من العوامل البيئية المحيطة به والمحيطة بأمّه والتي تؤثّر على حليبها الذي ترضعه لصغارها، فزيادة درجة الحرارة يمكن أن تؤخر نمو الحيوانات بعد فطامها، كما أنّ حركة الرياح قد تكون ضارة بالحيوانات المعرضة لها بشكل مباشر وخاصة عن انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة، وتتأثر أيضاً آلية التغذية بزيادة درجة الحرارة أو انخفاضها، وتتعرض الحيوانات للعديد من التغيّرات الفسيولوجية والبيوكيميائية عند ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة عن حدّها المناسب فتتأثر الهرمونات والتفاعلات الإنزيمية فيها
إنتاج الحليب:
ينخفض إنتاج الحليب في فصل الصيف عادة بسبب التعرّض المستمر للحرارة، وتبين انه بزيادة درجات الحرارة 1 درجة مئوية عن المعدل المتوسط لدرجات الحرارة السائدة يؤثر سلبا حوالي 10%من انتاج اللبن خلال فترة الاجهاد وحوالي من 8الي10%من انتاج اللحم خلال تلك الفترة. فإنتاج الحليب ليس مرتبطاً فقط بتناول الاعلاف وجودتها بل بدرجات الحرارة المرتفعة التي تتعرّض لها المواشي، فبارتفاع درجات الحرارة تتأثّر العمليات الفسيولوجية المرتبطة بالرضاعة، بالإضافة لانخفاض مستوى هرمون الغدّة الدرقية خلال فصل الصيف، كما وتتغيّر مكوّنات الحليب تبعاً لارتفاع درجات الحرارة، فوجد تجريبياً أنّ ارتفاع درجات الحرارة يؤدي لانخفاض كميات المواد الدهنية وغير الدهنية في الحليب
• التكاثر: قد يتسبب ارتفاع درجات الحرارة بحدوث خلل وظيفي في الغدة النخامية الأمامية مما يؤدي لانخفاض إنتاج الهرمونات الجنسية وبالتالي فشل عملية الإنجاب وتقزم الأجنة. أما في الذكور من المواشي فهناك أدلة على أنّ ارتفاع درجات الحرارة تؤثّر على إنتاج الحيوانات المنوية. آثار التغير المناخي على القطاع الزراعي.
التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للتغيرات المناخية على الإنتاج الحيواني
يمكن للتغيّرات المناخية أن تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الإنتاج الحيواني، ومن هذه التأثيرات ما يلي.
• تأثير مباشر
تؤدّي التغيّرات في درجات الحرارة على مدار العام والتي يسببها التغيّر المناخي إلى تعريض الثروة الحيوانية لأخطار عديدة من أمراض وانخفاض الخصوبة وقلّة إنتاج الحليب، مما يعني خسائر مادية فادحة يتعرّض لها قطاع الإنتاج الحيواني.
• تأثير غير مباشر
يؤدّي الجفاف لانخفاض مساحات المراعي وكميّات الأعلاف المتاحة للمواشي والرعي، وبالتالي فإنّ ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدّلات الهطول المطري يشكّل خطراً على الثروة الحيوانية وخاصة على الحيوانات التي تعتمد في غذائها على الحبوب. يمكن ان تؤدّي التغيرات المناخية إلى زيادة الامراض والطفيليات التي تصيب الحيوانات، لأنّ الشتاء الدافئ والربيع المبكر قد يخلق بيئة مناسبة لعيش الطفيليات ومسببات الأمراض للحيوانات، وخاصة في المناطق التي يرتفع فيها معدّلات سقوط الامطار. قد يؤدي استخدام المبيدات الطفيلية والأدوية الحيوانية في مقاومة امراض الحيوانات، لتعريض السلاسل الغذائية لمخاطر التلوث بهذه المبيدات ونشوء أجيال جديدة من الممرضات ذات المقاومة للأدوية والعلاجات، وما يترتّب على ذلك من تداعيات في سلامة وتوزيع واستهلاك الثروة الحيوانية. يؤدّي ارتفاع نسبة ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي لزيادة إنتاجية المراعي، لكنّها تقلل من جودتها وهذا انخفاض جودة الأعلاف التي تحصل عليها المواشي وبالتالي حاجة المواشي لتناول كميّات اكبر من الطعام للحصول على القيمة الغذائية المناسبة.
العلاقة بين التغير المناخي وصحة الحيوان
إن تحسين الصحة الحيوانية يجب أن يُشكل جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في سياق تغير المناخ.
- أولاً، للحد من آثار تغير المناخ على صحة الحيوان وانتشار مسببات الأمراض – حيث أن غالبية الأمراض الناشئة لها أصل حيواني
- ثانيًا لـ تقليل أثر التغيرات المناخية على مزارع الإنتاج الحيواني
- حيث أن الحيوانات الافضل صحة تكون أكثر إنتاجية وتنتج انبعاثات أقل لكل وزن من المنتج.
- ثالثًا: للتكيف مع التغيرات المناخية – حيث أن الحيوانات أكثر قدرة من المحاصيل على التكيف مع الظروف الهامشية وتحمل الصدمات المناخية.
لمواجهة هذه التحديات، يتم تقديم فرص للعمل – بما في ذلك تطوير القدرة على التعامل مع أحداث أمراض الحيوان الناجمة عن تغير المناخ
د. اهداء أسامه حامد محمد
باحث بقسم الكمياء والسموم والنقص الغذائي
معهد بحوث الصحة الحيوانية بالفيوم – مركز البحوث البحوث الزراعية – مصر