الدكتورة هالة خليل تكتب : الاثا ر السلبية للتغيرات المناخية علي صحة الحيوان ومقترحات لمكافحتها
من المتوقع أن يكون لتغير المناخ تأثير سلبي كبير على صحة ورفاهية الثروة الحيوانية.و تشير العديد من الدراسات إلى أن الزيادة المتوقعة في درجات حرارة الهواء قد تقلل من خطر الموت وتحسن صحة ورفاهية البشر والماشية الذين يعيشون في مناطق ذات فصول شتاء شديدة البرودة.
لكن الآثار السلبية لتغير المناخ على صحة الحيوان وانتاجيته تكون ناتجة في المقام الأول عن زيادة درجات الحرارة وتواتر وشدة موجات الحرارة ، وقد تكون مباشرة وغير مباشرة.
الآثار السلبية المباشرة لتغير المناخ علي الثروة الحيوانية :
ففي العقدين الماضيين ، أدت زيادة وتيرة موجات الحر وشدتها إلى نفوق العديد من الماشية في جميع أنحاء العالم. وتؤدي شدة الموجات الحرارية ومدتها الي الإجهاد الحراري الذي يضر بصحة الماشية , من خلال التسبب في اضطرابات التمثيل الغذائي ، والإجهاد التأكسدي ، وتقليل المناعة مما يسبب العدوى والموت.
يمكن أن يساهم الإجهاد الحراري في حدوث العرج في الأبقار الحلاب أو التسمين ،.وتكون مساهمة الإجهاد الحراري في العرج ناتجة عن حموضة الكرش أو زيادة فقد البيكربونات. فالماشية المجهدة بالحرارة تأكل بشكل أقل خلال الأوقات الباردة من اليوم ، لكنها تأكل أكثر في كل وجبة. وبذلك يؤدي انخفاض تناول العلف خلال الجزء الأكثر سخونة من اليوم ، متبوعًا بزيادة التغذية عند انخفاض درجة الحرارة المحيطة ، إلى الحموضة Ruminal acidosis) ) الذي يعتبر سببًا رئيسيًا لالتهاب القدم . فمع ارتفاع درجات الحرارة المحيطة ، يزداد معدل التنفس مع تقدم اللهاث إلى التنفس من الفم المفتوح. والنتيجة هي قلاء تنفسي Respiratory alkalosis)) ناتج عن الفقد السريع لثاني أكسيد الكربون.. و يتأثر الكرش ب فقدان البيكربونات في اللعاب نتيجة سيلان اللعاب في الأبقار المجهدة بشدة. ويظهر العرج المصحوب بقروح في غضون أسابيع قليلة إلى بضعة أشهر بعد الإجهاد الحراري.
تستجيب الحيوانات لدرجات الحرارة المرتفعة عن طريق زيادة فقد الحرارة وتقليل إنتاج الحرارة في محاولتها لتجنب زيادة درجة حرارة الجسم. وتشمل هذه الاستجابات زيادة في معدلات التنفس والتعرق وانخفاض في تناول العلف. قد تساهم هذه الأحداث الفسيولوجية في تفسير حدوث اضطرابات التمثيل الغذائي في الحيوانات المجهدة بالحرارة.وقد يؤدي تقليل تناول العلف إلى جانب زيادة فقد الطاقة إلى تغيير توازن الطاقة وهذا يفسر سبب فقدان الوزن في الحيوانات المجهدة بالحرارة.
الآثار غير المباشرة لتغير المناخ علي الثروة الحيوانية:
هي في المقام الأول تلك المرتبطة بكمية ونوعية الأعلاف ومياه الشرب وبقاء وتوزيع مسببات الأمراض أو نواقلها. فمن المرجح أن يؤثر الطقس وتغير المناخ على بيولوجيا وتوزيع العدوى التي تحتاج نواقل. على سبيل المثال ، ستؤثر التغيرات في درجات الحرارة ، وأنماط الرياح والأمطار العالمية ، والتغيرات في الرطوبة النسبية في المناخات المعتدلة بشكل إيجابي على تكاثر الحشرات ، وبالتالي على كثافتها السكانية. وبالتالي ، فإن بعض الأمراض الاستوائية ، وخاصة تلك التي تنتقل عن طريق الحشرات ، قد تنتقل على الأرجح من أحواضها الطبيعية المتوطنة إلى بلدان أخرى.
هناك آلية أخرى يمكن من خلالها أن يؤثر تغير المناخ سلبا علي الثروة الحيوانية وصحة الإنسان تتمثل في التأثيرات الإيجابية التي قد تحدثها درجات الحرارة العالية والرطوبة على نمو الفطريات المنتجة للسموم الفطرية. يرتبط نمو هذه الفطريات و إنتاجها للسموم ارتباطًا وثيقًا بدرجة الحرارة ودرجة الرطوبة ، والتي تعتمد على الظروف الجوية عند الحصاد وتقنيات تجفيف الحبوب وتخزينها. يمكن أن تسبب السموم الفطرية نوبات مرضية حادة عندما تستهلك الحيوانات كميات كبيرة من الأعلاف الملوثة. وقد يكون لهذه السموم الفطرية تأثير سلبي على أنسجة وأعضاء معينة مثل الكبد والكلى والغشاء المخاطي للفم والمعدة والدماغ أو الجهاز التناسلي. ومع ذلك ، في أغلب الأحيان ، تكون تركيزات السموم الفطرية في الأعلاف أقل من تلك التي يمكن أن تسبب مرضًا حادًا. لكن في التركيزات المنخفضة ، قد تقلل السموم الفطرية من معدل نمو الحيوانات الصغيرة. وقد تتداخل بعض السموم الفطرية مع آليات الجسم لمقاومة الأمراض وقد تضعف الاستجابة المناعية ، مما يجعل الحيوانات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
وهناك مثال اخر لتأثير تغير المناخ على صحة الحيوان عن طريق الأمراض الطفيلية. في هذا السياق ، تعتبر الديدان الخيطية المعوية من الطفيليات المهمة للماشية ، وتتسبب في الامراض والوفيات. نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من دورة حياة هذه الطفيليات يكتمل خارج المضيف ، فإن بقائها وتطورها عرضة لتغير المناخ. وفي هذا الصدد ، توقعت دراسة محاكاة حديثة أن البيانات المناخية المستقبلية لمنطقة معتدلة سيكون لها تأثير معاكس على ضغط العدوى السنوي التي قد تزيد أو تنقص اعتمادًا على أنواع الطفيليات.
ويمكن تلخيص الآثار المحتملة لتغير المناخ على الصحة الحيوانية بانها تتراوح من التأثيرات المباشرة مثل الوفيات أو الأمراض المرتبطة بالحرارة ، إلى التأثيرات غير المباشرة مثل تلك المرتبطة بالتغيرات البيئية وانتشار بعض مسببات الأمراض وناقلات الأمراض ، أو زيادة خطر السموم الفطرية .
العوامل التي تؤدي إلى تأثيرات تغير المناخ على الصحة معقدة للغاية ، ولا تشمل فقط القوى البيئية ، ولكن أيضًا الجوانب الاجتماعية ، والمصالح الاقتصادية ، والسلوكيات الفردية والمجتمعية. فلابد من مساهمة العديد من الباحثين في جميع أنحاء مصر و إجراء مسح شامل لتحسين فهمنا للعلاقات المعقدة بين البيئة والمضيفين ومسببات الأمراض ، ونمذجة صحة الثروة الحيوانية ومسببات الأمراض وناقلات الأمراض في سياق المناخ.
الحلول المقترحة للتصدي الي تأثير التغيرات المناخية علي الثروة الحيوانية في مصر:
1- اجراء دراسات وبائية على حيوانات المزرعة لتحديد القيمتان القصوى والدنيا اليومية لمؤشر درجة الحرارة والرطوبة ، والتي لا تتحملها الحيوانات المصرية ويزيد فوقها معدل الوفيات بفعل الحرارة. وتحديد الشهور التي تصاحبها أعلى معدل للوفيات ، وبالتالي تهيئة ظروف افضل لتخفيف الإجهاد الحراري.
2- هناك حاجة أيضًا إلى أدوات و انظمة تقنيه لمراقبة أمراض الحيوان ودمج البيانات الحيوانية مع الظروف المناخية ذات الصلة. فيجب تطوير وتطبيق منهجية لربط البيانات المناخية بأنظمة مراقبة الأمراض لتحسين الوقاية من الأمراض وكذلك استجابات التخفيف والتكيف مع الإجهاد الحراري.
3- يجب تطوير نمازج لتوقع وتقييم عواقب المناخ المستقبلي بشكل صحيح علي الثروة الحيوانية في مصر. مع النظر إلى الوضع الحالي ، واخذ الآثار المباشرة وغير المباشرة لتغير المناخ في الأعتبار اثناء انشاء هذة النماذج. فالتقييمات المستقبلية لدرجة تأثيرالتغيرات المناخية علي الثروة الحيوانية في مصر يجب ايضا ان تشمل النظر في السياقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة لتحسين موثوقيتها.
4- تصميم نموذج للتنبؤ بتأثير التغيرات المناخية علي التلوث المستقبلي للحبوب المزروعة في مصر بالسموم الفطرية. ويجب أن تؤخذ التغييرات المحتملة في أنماط حدوث السموم الفطرية في محاصيل الأعلاف نتيجة لتغير المناخ في الاعتبار من أجل تقييم تأثير تسخين المناخ على حيوانات المزرعة واتخاذ تدابير استباقية لمكافحتها.
د/هالة رجب خليل علي
باحث أول
تخصص بكتريولوجي
معهد بحوث الصحة الحيوانية, فرع الفيوم – مركز البحوث الزراعية – مصر