أخبارانتاج حيوانىمقالات

الدكتورة رندة محمد تكتب : تحديات استخدام المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية بين الماضى والمستقبل

المضاد الحيوي هو مادة أو مركب يقتل أو يثبط نمو الجراثيم، وتنتمي إلى مجموعة أوسع من المركبات المضادة للأحياء الدقيقة، وتستخدم لعلاج المشكلات التي تسببها الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا،والفطريات والطفيليات.

ولقد تمت صياغة مصطلح «المضادات الحيوية» من قبل العالم واكسمان عام 1942، لوصف أية مادة تُنتجها كائنات حية دقيقة تعاكس نمو الكائنات الدقيقة الأخرى في وسط مخفف جداً .و بتقدم علوم الكيمياء الطبية أصبحت المضادات الحيوية شبه صناعية أو معدّلة كيميائيًا من مركبات أصلية موجودة في الطبيعة، مثل مضادات البيتا لاكتام التي تشمل البنسلين، التي تنتجها الفطريات من جنس البنيسيلوم . بعض المضادات الحيوية لا تزال تُعزل من كائنات حية أخرى ، مثل أمينوجليكوزيد ، وهناك مضادات أخرى اُسْتُحْدِثَت من خلال وسائل صناعية بحتة كالسلفوناميدات.

وهكذا تصنّف المضادات الحيوية بحسب منشئها إلى مضادات حيوية طبيعية المنشأ وثانية صناعية وثالثة مركبة. بالإضافة إلى هذا التصنيف يمكن أن تصنف المضادات الحيوية إلى مجموعتين واسعتين وفقاً لتأثيرها على الكائنات الحية الدقيقة فتصنف الى مضادات حيوية قاتلة للبكتريا (bactericidal) ، ومضادات حيوية مثبطة لنمو البكتيريا.(Bacteriostatic) ويعتبر استخدام المضادات الحيوية لغرض تربية الدواجن والماشية عاملا واسع الأهمية و يشمل الجانب العلاجى للمرض وذلك عند علاج مجموعة من الحيوانات بعد ان يتم تشخيص إصابة واحدة على الأقل بالعدوى السريرية ، وكذلك العلاج الوقائي .و تعد المضادات الحيوية أداة مهمة لعلاج الأمراض الحيوانية والبشرية وحماية صحة الحيوان ورفاهيته، ودعم سلامة الأغذية. ومع ذلك إذا تم استخدامها بشكل غير مسؤول ومبالغ فيه فقد يؤدي ذلك إلى مقاومة المضادات الحيوية التي قد تؤثر على صحة الإنسان والحيوان والبيئة.

بينما تختلف مستويات الاستخدام بشكل كبير من بلد إلى آخرفعلى سبيل المثال، تستخدم بعض دول شمال أوروبا كميات منخفضة جدًا لعلاج الحيوانات مقارنة بالبشر، اما بالنسبة لجميع أنحاء العالم وكذلك مصر تستهلك حيوانات التربية ما يقدر بنحو 73٪ من مضادات الميكروبات (المضادات الحيوية بشكل أساسي) , وعلاوة على ذلك، تقدر دراسة أجريت في عام 2015 أن استخدام المضادات الحيوية الزراعية العالمية سيزداد بنسبة 67٪ من عام 2010 إلى عام 2030، ويرجع ذلك أساسًا إلى الزيادات في الاستخدام في البلدان النامية .

تعد زيادة استخدام المضادات الحيوية أمرًا مثيرًا للقلق حيث تعتبر مقاومة المضادات الحيوية تهديدًا خطيرًا لرفاهية الإنسان والحيوان في المستقبل، ويمكن أن تؤدي المستويات المتزايدة من المضادات الحيوية أو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في البيئة إلى زيادة عدد الإصابات المقاومة للأدوية في على حد سواء. و تعد الأمراض البكتيرية سببًا رئيسيًا لكثير من الأمراض التى تؤدى الى الوفاة ، ومن شأن المستقبل بدون المضادات الحيوية الفعالة أن يغير بشكل جذري الطريقة التي يمارس بها الطب البشري والطب البيطري الحديث على حد سواء . ومع ذلك، يتم الآن إدخال تشريعات وقيود أخرى لاستخدام المضادات الحيوية في حيوانات المزرعة في جميع أنحاء العالم.

في عام 2017 اقترحت منظمة الصحة العالمية بشدة تقليل استخدام المضادات الحيوية في الحيوانات المستخدمة في صناعة الأغذية. و قد تم حظر استخدام المضادات الحيوية لأغراض تعزيز النمو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2006، وأصبح استخدام الجرعات العلاجية الفرعية من المضادات الحيوية المهمة طبيًا في علف الحيوانات والمياه لتعزيز النمو وتحسين كفاءة الأعلاف غير قانوني في الولايات المتحدة في يناير 2017، من خلال التغيير التشريعي الذي سنته إدارة الغذاء والدواء (FDA).

وقد لعبت المضادات الحيوية دورا مركزيا في مجال الزراعة وذلك منذ ظهورها في الثلاثينيات حيث لم يكن للمضادات الحيوية تأثير كبير فقط على الطب البشري، ولكن أيضًا على إنتاج الغذاء. في المزارع وصيد الأسماك وكذلك في مصانع التجهيز وعمليات تربية الأحياء المائية وتم استخدام المضادات الحيوية لعلاج الأمراض والوقاية منها، والحفاظ على الأعلاف، و الغذاء بشكل عام .

وللتاريخ بينما كانت المضادات الحيوية الطبيعية أو مضادات الجراثيم معروفة للإنسان القديم، ظهرت المضادات الحيوية كما نعرفها وذلك خلال الحرب العالمية الثانية للمساعدة في علاج ضحايا الحرب. وقد تم استخدامها لأول مرة في الزراعة قرب نهاية الحرب، في شكل مستحضرات البنسلين داخل الثدي لعلاج التهاب الضرع البقري.

في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الحليب على أنه منتج زراعي شديد الحساسية للتلوث البكتيري، ورحب المزارعون بفرصة «تنقية» منتجاتهم من أجل سلامة المستهلكين وجودة المنتج .

ولقد اتبع استخدام المضادات الحيوية لعلاج الأمراض والوقاية منها مسارًا مشابهًا للمسار المستخدم في الطب البشري من حيث التطبيقات العلاجية لعلاج الأمراض وإدارتها وتحسين صحة السكان، وتطبيق إستراتيجية العلاجات الوقائية عندما تعتبر الحيوانات في خطر معين وذلك كل حالة على حدة.. ومع ذلك، في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي تم عمل دراسة مقارنة والتى فحصت اضافة B12 في وجبات الكتاكيت و B12 المنتج من تخمير Streptomyces aureofaciens ، وهو مضاد حيوي يستخدم في الطب البشري والذى أدى بدوره إلى زيادة وزن الكتاكيت بشكل أفضل من B12 العادى ، و ذلك عند اضافته لكمية مخفضة من العلف لجلب الطيور إلى وزن السوق. أظهرت دراسات أخرى أجريت على أنواع حيوانية أخرى تأثيرًا مشابهًا للنمو وكفاءة الأعلاف، مما أدى إلى أنه مع انخفاض تكلفة المضادات الحيوية، تم تضمينها بشكل متزايد وذلك بمستويات منخفضة شبه علاجية في علف الماشية كوسيلة لزيادة الإنتاج من البروتين الحيواني لتلبية احتياجات السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة في فترة ما بعد الحرب و تزامن هذا التطور مع زيادة حجم المزارع الفردية ، وبالتالي أصبحت العلاجات الروتينية بالمضادات الحيوية من أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة والنتيجة لذلك فقد تبنى الطب البيطري بشكل متزايد الاستخدام العلاجي والوقائي الاستراتيجي للمضادات الحيوية لعلاج الأمراض. كما نما الاستخدامها الروتيني لتحفيز النمو والوقاية من الأمراض.

بحلول عام 2001، نمت هذه الممارسة (استخدام المضادات الحيوية كمحفزات نمو) كثيرًا لدرجة أن تقريرًا صادر عن اتحاد العلماء المهتمين وجد أن ما يقرب من 90 ٪ من إجمالي استخدام مضادات الميكروبات في الولايات المتحدة كان لأغراض غير علاجية في الإنتاج الحيوانى حيث انه من المعروف أن بعض المضادات الحيوية، عند إعطائها بجرعات منخفضة، تعمل على تحسين كفاءة الأعلاف والعمل على زيادة انتاج العضلات أو الحليب وقد تعزز نموًا أكبر ويرجع ذلك على الأرجح من خلال التأثير على فلورا الأمعاء .

ويمكن أن تحدث مقاومة المضادات الحيوية وذلك عندما تكون المضادات الحيوية موجودة بتركيزات منخفضة جدًا لمنع نمو البكتيريا، ومما يؤدي إلى استجابات خلوية في البكتيريا والتي تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة. ويمكن لهذه البكتيريا بعد ذلك أن تتكاثر وتنشر جيناتها المقاومة للمضادات الحيوية إلى أجيال أخرى، مما يزيد من انتشارها ويؤدي إلى عدوى لا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية الشائعة . فقد صنفت منظمة الصحة العالمية مقاومة المضادات الحيوية على أنها خطر يجتاج العالم ولديه القدرة على التأثير على أي شخص ،وفي أي عمر ، وفي أي بلد. وقد بلغ عدد الوفيات العالمية المنسوبة إلى مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية حوالى 1.27 مليون في عام 2019 وهذه مسألة مثيرة للقلق بشكل متزايد حيث تعتبر مقاومة المضادات الحيوية تهديدًا خطيرًا في المستقبل ، وسيؤدي المستقبل بدون مضادات حيوية فعالة إلى تغيير طريقة ممارسة الطب الحديث بشكل جذري.

مما لا شك فيه ان استخدام المضادات الحيوية المختلفة بشكل مقنن ومدروس مهم للغاية سواء للعنصر البشرى او الحيوانى والعمل على ايجاد محفزات طبيعية لزيادة كفاءة المضادات الحيوية ولكن يجب الا نغفل قاعدتين مهمتين الا وهما القاعدة الأولى للمضادات الحيوية هي محاولة عدم استخدامها والقاعدة الثانية هي محاولة عدم استخدام الكثير منها.
حيث ان العلاج غير الملائم بالمضادات الحيوية والإفراط في استخدامها من العوامل التي تساهم في ظهور مقاومة البكتيريا. وتزداد المشكلة تفاقماً بسبب تناول الأفراد المضادات الحيوية بأنفسهم دون توجيهات الطبيب، والاستعمال غير العلاجي للمضادات الحيوية لتسريع عملية النمو في قطاع الزراعة.

Larson E (2007). “Community factors in the development of antibiotic resistance”. Annu Rev Public Health.. 28: 435–447

Lee MR (2002 ). “Plants against malaria. Part 1: Cinchona or the Peruvian bark” (PDF). J R Coll Physicians Edinb.. 3: 189–96.

ANTIMICROBIAL RESISTANCE Global Report on surveillance, 2014 The World Health Organization.

Davey PG, Ledingham JGG and Warrell DA (2000). “Antimicrobial chemotherapy. Concise Oxford Textbook of Medicine. Oxford: Oxford University Press. ص. 1475. ISBN:019262870

1.
Murray, Christopher JL; Ikuta, Kevin Shunji; Sharara, Fablina; Swetschinski, Lucien; Aguilar, Gisela Robles; Gray, Authia; Han, Chieh; Bisignano, Catherine; Rao, Puja; Wool, Eve; Johnson, Sarah C. (12 Feb 2022). “Global burden of bacterial antimicrobial resistance in 2019: a systematic analysis”. The Lancet (بالإنجليزية). 399 (10325): 629–655. DOI:10.1016/S0140-6736(21)02724-0. ISSN:0140-6736. PMC:8841637. PMID:35065702.
2. ^ Antibiotics Simplified. Jones & Bartlett Publishers. 2011. ص. 15–17. ISBN:978-1-4496-1459-1. مؤرشف من الأصل في 2022-11-11.
3. ^ تعدى إلى الأعلى ل:أ ب ت Leekha S، Terrell CL، Edson RS (فبراير 2011). “General principles of antimicrobial therapy”. Mayo Clinic Proceedings. ج. 86 ع. 2: 156–67. DOI:10.4065/mcp.2010.0639. PMC:3031442. PMID:21282489.
4. ^ Flowers CR، Seidenfeld J، Bow EJ، Karten C، Gleason C، Hawley DK، وآخرون (فبراير 2013). “Antimicrobial prophylaxis and outpatient management of fever and neutropenia in adults treated for malignancy: American Society of Clinical Oncology clinical practice guideline”. Journal of Clinical Oncology. ج. 31 ع. 6: 794–810. DOI:10.1200/JCO.2012.45.8661. PMID:2331969

Pelczar MJ، Chan EC، Krieg NR (2010). “Host-Parasite Interaction; Nonspecific Host Resistance”. Microbiology Concepts and Applications (ط. 6th). New York: McGraw-Hill. ص. 478–479

1.
Bollenbach T (أكتوبر 2015). “Antimicrobial interactions: mechanisms and implications for drug discovery and resistance evolution”. Current Opinion in Microbiology. ج. 27: 1–9. DOI:10.1016/j.mib.2015.05.008. PMID:26042389.
2. ^


د / رنده محمد سعيد مصطفى
قسم الكيمياء والسموم والنقص الغذائى( وحدة الهرمونات ) – معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى