أخباردرسات وابحاثمجتمع الزراعةمقالات

الدكتورة إيمان يونس تكتب : مخاطر السموم الفطرية على صحة الإنسان والثروة الحيوانية

تعتبر السموم الفطرية من أهم المشكلات الصحية والزراعية الهامة التي تواجه العالم في الوقت الحاضر، وهي سموم تنتجها بعض الأنواع الفطريات المعروفة، والتي تعد خطرًا على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء.

في هذا المقال، سنتناول تأثير السموم الفطرية على صحة الإنسان والحيوان، وكيفية مواجهة هذا التحدي. تشمل السموم الفطرية مجموعة متنوعة من المركبات السامة التي تنتجها الفطريات، تنمو هذه الفطريات في العديد من المصادر الغذائية مثل الحبوب والأعلاف والفواكه، تتفاوت خطورة السموم الفطرية وطرق انتقالها حسب النوع، ومن بين الأمثلة الشائعة للسموم الفطريه الأفالاتوكسين والتريكوثين والأمانيتين.

وتعتبر السموم الفطرية تهديدًا خطيرًا لصحة الإنسان، إذا تم استهلاك الأغذية الملوثة بالسموم الفطرية، فإنها يمكن أن تسبب تسممًا فطريًا يؤدي إلى أعراض مثل التسمم الغذائي. كما انها تشكل تهديدًا خطيرًا على الثروة الحيوانية وقد تنقل الحيوانات السموم الفطرية من خلال تناول الأعلاف الملوثة بالفطر أو من خلال الاحتكاك المباشر بها. يمكن للسموم الفطرية أن تسبب تأثيرات سلبية على الإنتاج الحيواني، مثل تراجع النمو وانخفاض الإنتاج الحليبي وتشوهات الولادة، وبالتالي فإن عدم التعامل مع السموم الفطرية في الممارسات الزراعية تصبح ضرورة لضمان سلامة الثروة الحيوانية وجودتها.

تتطلب مواجهة السموم الفطرية جهودًا متعددة المستويات. في البداية، يجب تعزيز مراقبة الجودة وفحص الأعلاف والمحاصيل الزراعية للكشف عن وجود الفطريات المسببة للسموم، يجب أيضًا توعية المزارعين والمربين بأهمية الحفاظ على النظافة والتهوية الملائمة في المزارع وتنظيف المعدات بانتظام، ينبغي أيضًا الاستثمار في البحث والتطوير لتصميم أنظمة زراعية مقاومة للسموم .

وتتضمن الإجراءات الوقائية لمواجهة السموم الفطرية تأمين الأعلاف من المصادر الموثوقة والتحقق من سلامتها، يجب تجنب تراكم الأعلاف بشكل طويل والتأكد من الظروف الملائمة لتخزينها، كما ينبغي الاهتمام بنظافة الأماكن التي تتم فيها تخزين الأعلاف ومراقبة مستويات الرطوبة ودرجة الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع المزارعين والمربين على ممارسة أساليب الزراعة المستدامة والحفاظ على التنوع البيولوجي في المزارع لتقليل احتمالية نمو الفطريات الضارة. في حالة اشتباه وجود السموم الفطرية في المحاصيل أو الأعلاف، يجب اللجوء إلى التشخيص المخبري الموثوق به، يعتمد التشخيص على تحليل عينات النباتات أو الأعلاف للكشف عن وجود السموم الفطرية وتحديد نوعها وتركيزها. في حالة التأكد من وجود السموم، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لإزالة المصدر الملوث ومنع استهلاكه. إن تأثيرها السلبي يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية صارمة في جميع مراحل الإنتاج الزراعي،

تشمل هذه الإجراءات ضمان جودة الأعلاف والمحاصيل والاستثمار في البحث لتطوير سلالات مقاومة للسموم الفطرية ومزارع خالية من الفطريات الضارة.

السموم الفطرية هي مركبات سامة تُنتجها بعض أنواع العفن (الفطريات) بطريقة طبيعية. والعفن الذي يمكنه إنتاج السموم الفطرية ينمو على العديد من الأغذية مثل الحبوب والفاكهة المجففة والثمار الجوزية والتوابل. ويمكن للعفن أن يتكون إما قبل الحصاد أو بعده، وأثناء التخزين، ويمكن أن يتكون على/ في الأغذية نفسها ويحدث ذلك عادة في ظروف الحرارة والبلل والرطوبة. ومعظم السموم الفطرية مستقرة كيميائياً وتتحمل عملية معالجة الأغذية.

وقد تم تحديد عدة مئات من السموم الفطرية المختلفة، ولكن السموم الفطرية الأكثر شيوعاً والتي تشكل مصدراً للقلق على صحة الإنسان والماشية تشمل الأفلاتوكسينات والأوكراتوكسين ألفا والباتولين والفيومونسنات والزيارالينون والنيفانول والدييوكسي نيفالينول.

وتظهر السموم الفطرية في السلسلة الغذائية نتيجة لتلوث المحاصيل بالعفن قبل الحصاد وبعده. ويمكن أن يحدث التعرض للسموم الفطرية على نحو مباشر بتناول الأغذية الملوثة وعلى نحو غير مباشر عن طريق الحيوانات التي تغذت على أعلاف ملوثة، ولاسيما حليب هذه الحيوانات.

السموم الفطرية الشائعة الوجود في الأغذية ولِمَا تُعد مصدراً للقلق

بعض السموم الفطرية المنقولة بالأغذية تكون لها آثار حادة ويصاحبها أعراض الاعتلال الوخيم التي تظهر سريعاً بعد استهلاك المنتجات الغذائية الملوثة بالسموم الفطرية. وترتبط بعض السموم الفطرية الأخرى الموجودة في الأغذية بآثار طويلة الأجل على الصحة، بما في ذلك السرطان والعوز المناعي.

ومن بين مئات السموم الفطرية التي اكتُشفت حتى الآن، استحوذ اثني عشر سماً على أكبر قدر من الاهتمام نظراً إلى آثارها الوخيمة على صحة الإنسان ووجودها في الأغذية. وتُعد الأفلاتوكسينات من أشد السموم الفطرية سمية وتنتجها بعض أنواع العفن (الرشّاشية الصفراء والرشّاشية الطفيلية) التي تنمو في التربة والنباتات العطبة والدريس والحبوب.

وتشمل المحاصيل التي كثيراً ما تتضرر من أنواع الرشّاشية المتعددة، الحبوب (الذرة والذرة الرفيعة والقمح والأرز)، والبذور الزيتية (فول الصويا والفول السوداني وعباد الشمس وبذور القطن)، والتوابل (الفلفل الشيلي والفلفل الأسود والكزبرة والكركم والزنجبيل) والثمار الجوزية (الفستق واللوز والجوز وجوز الهند وجوز البرازيل).

كما يمكن أن توجد السموم في لبن الحيوانات التي تتغذى على أعلاف ملوثة، في شكل أفلاتوكسين. ويمكن أن تؤدي جرعات الأفلاتوكسين الكبيرة إلى تسمم حاد (التسمم بالأفلاتوكسين) وقد تهدد الحياة، وعادة ما يكون ذلك عن طريق إتلاف الكبد. وقد ثبت أيضاً أن الأفلاتوكسينات سامة للجينات، أي أنها تضر بالحمض الريبي النووي المنزوع الأوكسجين ويمكن أن تسبب السرطان في أنواع الحيوانات.

كما تشير البيّنات إلى أنها قد تسبب سرطان الكبد في البشر. وأما الأوكراتوكسين ألف فتنتجه عدة أنواع من الرشّاشيات والمكنسيات وهو من السموم الفطرية الشائعة الملوثة للأغذية.

ويحدث تلوث للسلع الغذائية مثل الحبوب ومنتجات الحبوب وبذور البن وثمار الكروم المجففة والنبيذ وعصير العنب والتوابل والعرقسوس، في شتى أنحاء العالم. ويتكون الأوكراتوكسين ألف أثناء تخزين المحاصيل ومن المعروف أنه يسبب عدداً من الآثار السامة في أنواع الحيوانات.

ويتمثل أشد الآثار حساسية وأبرزها في ضرر الكلى، ولكن السم قد يؤثر أيضاً على نمو الأجنة وعلى الجهاز المناعي. وهناك بيّنات واضحة تدل على إصابة الحيوانات بتسمم الكلى وسرطان الكلى نتيجة لتعرضها للأوكراتوكسين ألف، وعلى العكس من ذلك، فإن هذا الارتباط لم يتضح تماماً في الإنسان، ومع ذلك فإن التأثير على الكلى قد ثبت.

والباتولين هو سم فطري ينتجه طيف من أنواع العفن، ولاسيما الرشّاشية والمكنسية والبيسوكلاميس. والباتولين الذي يوجد عادة في التفاح ومنتجات التفاح العطب، قد يتكون أيضاً في الفاكهة والحبوب وغيرها من الأغذية المتعفنة.

وتتمثل المصادر الرئيسية للباتولين الموجود في النظام الغذائي للإنسان في التفاح وعصير التفاح المصنوع من الثمار الملوثة. وتشمل الأعراض الحادة في الحيوانات إصابة الكبد والطحال والكلى بالضرر وتسمم الجهاز المناعي.

وأما بالنسبة إلى الإنسان فقد أُفيد بحدوث الغثيان والاضطرابات المَعِدية المعوية والقيء. ويُعد الباتولين ساماً للجينات ولكن احتمال تسببه في السرطان لم يثبت بعد.

وأما فطريات الفيوزاريوم فهي شائعة في التربة وتنتج عدداً من السموم المختلفة، بما في ذلك التريكوثيسينات مثل الدييوكسي نيفالينول والنيفالينول وسموم T2 وHT2، والزيارالينون والفيومونسنات. ويحدث تكون العفن والسموم على طيف من محاصيل الحبوب المختلفة.

وترتبط سموم الفيوزاريوم المختلفة بأنواع معينة من الحبوب. ومثال على ذلك أن الدييوكسي نيفالينول والزيارالينون يرتبطان عادة بالقمح وسموم T2 وHT2 ترتبط بالشوفان والفيومونسنات ترتبط بالذرة.

ويمكن أن تكون التريكوثيسينات شديدة السمية للإنسان، وتسبب تهيج سريع في الجلد أو الغشاء المخاطي للمعدة وتؤدي إلى الإصابة بالإسهال. وتشمل الآثار المزمنة التي أُفيد بحدوثها في الحيوان كبت الجهاز المناعي.

وقد ثبت أن الزيارالينون له آثار على الهرمونات والإستروجين وقد يسبب العقم عند ارتفاع مستويات المدخول، ولاسيما في الخنازير. وأما الفيومونسنات فترتبط بسرطان المريء في الإنسان وبتسمم الكبد والكلى في الحيوان.

من الأهمية بمكان ملاحظة أن العفن الذي ينتج السموم الفطرية يمكنه أن ينمو على طيف من المحاصيل والأغذية المختلفة وأن يدخل في عمق الأغذية لا أن ينمو على سطحها فحسب. وعادة ما لا ينمو العفن على الأغذية التي تُجفف وتُحفظ جيداً، ولذا فإن التجفيف الفعّال للسلع والحفاظ على جفافها، أو تخزينها على نحو الملائم، يُعد تدبيراً فعّالاً لمكافحة نمو العفن وإنتاج السموم الفطرية.

وللحد من المخاطر الصحية الناجمة عن السموم الفطرية يُنصح الأشخاص باتّباع ما يلي:

• فحص الحبوب الصحيحة (ولاسيما الذرة والذرة الرفيعة والقمح والأرز)، والتين المجفف والثمار الجوزية مثل الفول السوداني والفستق واللوز والجوز وجوز الهند وجوز البرازيل والبندق، التي عادة ما تلوث جميعها بالأفلاتوكسينات بحثاً عن آثار العفن، والتخلص منها إذا بدت متعفنة أو باهتة اللون أو منكمشة.
• وتجنب الإضرار بالحبوب قبل أو أثناء تجفيفها، وعند تخزينها، حيث إن الحبوب العطبة أكثر تعرضاً لهجوم العفن وبالتالي للتلوث بالسموم الفطرية.
• وشراء الحبوب والثمار الجوزية طازجة قدر الإمكان.
• والتأكد من تخزين الأغذية على نحو ملائم – حمايتها من الحشرات والجفاف والحرارة الزائدة.
• وعدم الاحتفاظ بالأغذية لفترات ممتدة قبل استخدامها.
• وضمان تنوع النظام الغذائي – ولا يساعد ذلك على الحد من التعرض للسموم الفطرية فحسب، بل ويحسّن التغذية أيضاً.

تقوم منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة بتقدير مخاطر السموم الفطرية – الناجمة عن تلوث الأغذية – على الإنسان و إصدار التوصيات بشأن الحماية الكافية. ويلزم إبقاء التعرض للسموم الفطرية في أدنى مستوى ممكن من أجل حماية الناس.

فالسموم الفطرية لا تعرّض صحة الإنسان والحيوان للمخاطر فحسب، بل وتؤثر على الأمن الغذائي والتغذية بالحد من إتاحة الأغذية الصحية أمام الناس. وتشجع المنظمة السلطات الوطنية على رصد مستويات السموم الفطرية في الأغذية المطروحة في أسواقها وضمان انخفاضها إلى أدنى حد، وامتثالها للمستويات القصوى والشروط والتشريعات على الصعيدين الوطني والدولى.

طرق التخلص من السموم الفطريه :

• استخدام الطرق الكيميائية مثل:
1. استخدام مذيبات الاستخلاص يمكن استخلاص الأفلاتوكسينات من الحبوب بواسطة خليط من المذيبات يتم تحديدها بعناية، وبرغم كفاءة هذه العملية فإنها غير مناسبة من حيث التكلفة والتطبيق العملي.
2. استخدام الامونيا يتم تقليل نسبة الافلاتوكسين بنسبة 99% وبرغم انها فعالة وامنة الا ان منظمة الغذاء والدواء الامريكية لم توافق عليها حتى الان.
3. وكذلك استخدام الاوزون او بعض الاحماض العضوية (Benzoic acid sorbic acid ) او بعض الاملاح (Calcium propionate ، Calcium sorbate ، Potassium sorbate ) وهى مواد فعالة فى تحطيم السموم الفطرية فى الاعلاف مثل الافلاتوكسين فى الذرة وبذور القطن ولكن هذه الطرق الكيميائية لابد ان تكون امنة وفعالة وغير مكلفة ولا تسبب مخاطر على العاملين او تغير او تقلل من القيمة الغذائية للاعلاف.
• إدمصاص السموم الفطرية:
تعتمد على ادمصاص هذه السموم بواسطة تعطيل فعالية السم فى الجهاز الهضمى للحيوان حيث تضاف مواد كيميائية لها القدرة على عملية الادمصاص ووجد العديد من الدراسات تؤكد استخدام (hydrated sodium calcium aluminosilicates (HSCAS على ابطال مفعول الافلاتوكسنات فى ظروف الحقل.
• الطرق البيولوجية لتحطيم السموم الفطرية:
1. تحطيم سم الـ Trichothecenes .

أجريت البحوث العلمية على عملية التحول الحيوية biotransformation للسموم الفطرية عن طريق الإنزيمات المختلفة أو بفعل النشاط الميكروبي وبالأخص على السموم الفطرية من نوع الـ trichothecenes التي تعتبر من أكثر السموم أهمية في الزراعة وانتشارا في العالم. وقد وجد حديثًا أن حلقة 12,13-epoxide الموجودة في السم هي المسئولة عن السمية وأن اختزال هذه الحلقة بواسطة إنزيمات متخصصة (de-epoxidases) تؤدي إلى نقص هام ومعنوي في السمية.
2. تحطيم الأوكراتوكسين الف Ochratoxin A detoxification يعتبر سم الـ ochratoxin A (OTA), من أكثر السموم التي تركز عليها البحوث الحديثة لتأثيراته الخطيرة على الصحة، حيث يؤثر على الأعصاب nephrotoxic و الكبد hepatotoxic كما يعتبرعامل مسرطن carcinogenic ومثبط المناعة immunosuppressive كما تم اختبار كفاءة العديد من البكتيريا المعزولة من بيئات طبيعية مثل التراب و سوائل المعدة الأولى للمجترات لتحطيم الـ OTA، و قرر بعض الباحثين أن البروتوزوا هي المسئول الأول عن تحطيم السم في المعدة الأولى للمجترات، تلعب البكتيريا دور هام في عملية إزالة سمية هذا السم، حيث تم عزل أنواع من البكتيريا لها علاقة بـ, Clostridium sporogene Lactobacillus vitulinusو وجد أنها قادرة على كسر السم إلى نواتج أيضية غير سامة non-toxic metabolite ochratoxin و الحامض الأميني phenylalanine.

و حديثا تم استخدام تكنولوجيا النانو فى التخلص من الميكوتوكسين .Silver nano and nano composites in packaging ومازالت الابحاث والدراسات تقوم على كيفية حماية الثروة الحيوانيه من هذه السموم الفطرية وذلك باجراء بحوث معملية وحقلية للوصول الى الكشف المبكر و مقاومة الاصابات الثانوية للسموم الفطرية فى المزارع والحقول والحيوانات وكذلك عمل تدريب ارشادى الى المزارعين واصحاب المزارع عن كيفية اتباع الامان الحيوى للمزارع وكيفية تخزين الاعلاف بالشروط الصحية السليمة.


د/ ايمان ممدوح يونس
باحث بقسم الكيمياء الحيويه والسموم والنقص الغذائى
معهد بحوث الصحه الحيوانيه/ الدقى – مركز البحوث الزراعية – مصر

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى