الدكتور محمد المليجى يكتب : حكايتي مع الدكتور عماد الدين وصفي
كنت اعرف د. عماد معرفة سطحية في بداية دراستي بكلية الزراعة عام ١٩٦٥م خاصة انه لم يكن يختلط كثيرا بالأنشطة الاجتماعية للطلاب وكنا نراه فقط في المحاضرات.
كانت محاضراته مثل طابع البريد واضحة المعالم ومتكاملة يشرحها ويرسمها ويمليها علينا ولذلك تلتصق بعقلك مباشرة ولا تحتاج الا لمراجعات بسيطة.
عندما تخصصت في أمراض النبات اصبح لقائي معه شبه يومي، وعندما تعينت معيدا اصبحت التقي به صباحا ومساءا ضمن عائلة قسم أمراض النبات الجميلة.
كان الدكتور عماد بارع في تصنيف النبات وتصنيف الفطريات. وكنت أعشق المادتين رغم صعوبتهما.
في اليوم الثاني من اختبار نهاية الترم لمادة الميكولوجي او تصنيف الفطريات في السنة الثالثة قابلت الدكتور عماد في طرقة القسم فناداني وامسك بكتفي وقال انت ولد جدع يا مليجي، انا صححت ورقتك وورقة مجدي زميلي بعد الامتحان بساعة وأول مرة حد عندي يأخذ امتياز في المادة. كان في هذا الوقت د. عماد دكتور حديث اي مدرس.
كنت سعيدا للغاية من ثنائه وكان الذي يجتاز هذه المادة بتقدير مرتفع يصبح حديث اساتذة القسم ودليل على انه قد يواصل معهم في الدراسات العليا.
الدكتور عماد كان رجل هاديء لا يحب الدخول في مهاترات ولا يمكن ان تسمع منه كلمة نابية ولا صوت مرتفع وعندما يريد منك شيء يقترب منك ليكلمك بعيدا عن سمع الآخرين.
حصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولي لأول مرة فى تاريخ القسم وتعينت معيدا في القسم وكان الطلب على شديد من كل الأساتذة للمساعدة في تدريس المواد العملية.
كان د. عماد رحمه الله اول من طلب منى الانضمام معه لتدريس علم الميكولوجي وعلم تصنيف النبات وكنا مجموعة من المعيدين نساعد في تصنيف النبات لكثرة الطلاب والطالبات في المادة اما الميكولوجي فكنت انا وهو فقط حتى تركت القسم.
فى السنة الأولي من تعييني معيدا واثناء مروري بسوق خضار بالاسكندرية لاحظت ان القرنبيط في السوق مصاب بتلون بني في النورات. اخذت احد الرؤوس المصابة وفحصتها بالمختبر ثم اجريت قطاعات رقيقة فيها فوجدت تركيبات غريبة داخل الخلايا.
ذهبت للدكتور عماد ومعي الشرائح وجلسنا نحاول فهم المرض واسبابه. اتضح لنا انه مرض البياض الزغبي يصيب النورات كما يصيب الاوراق وان ما نراه هو ممصات الفطر الذي يعتبر الآن شبيه فطر وليس من الفطريات بل طحلب في الأساس.
اجرينا بحثا كاملا عن المشكلة وصبغنا الفطر في الأنسجة ورأينا اشكال الممصات وصورناها. كنت اعمل معه في المساء ولأول مرة نلتقي عن قرب ونتحدث في شئون الدنيا وهذا كان البحث الوحيد الذي نشرناه سويا حيث شغلت بدراسة الماجستير ثم سافرت الى الخارج. دكتور عماد رحمه الله جعلنا نحب هذه العلوم الصعبة بطريقة تدريسه وفهمه العميق لمادته.
الدكتور عماد رحمه الله كان تلميذ الاستاذ الدكتور صلاح عيد في علمي تصنيف وتشريح النبات وكنت والحمد لله خليفتهم في هذا. ولكنى اعتبر ان هناك ثلاثة كانوا قمة علم التصنيف في مصر وهم الاستاذ الدكتور صلاح عيد والاستاذ الدكتور عماد وصفي والاستاذ محمد صبري رحمهم الله.
كان الاستاذ محمد صبري يجمع لنا عينات الزهور من حدائق الإسكندرية لكي ندرسها للطلاب والطالبات. وكان علينا كمعيدين دراسة العينات وتشريحها قبل ان نعرضها في الدرس العملي.
في احد المرات احضر الاستاذ محمد صبري لنا زهرة عجيبة لم اراها من قبل. سألته من اي عائلة هذه الزهرة. ضحك الاستاذ صبري كعادته وقال ..انت معيد ولو شاطر قول لنا انت تصنيفها. كان الدكتور عماد يشاهد هذا التحدي من الاستاذ صبري لي وهو يبتسم وكأنه موافق على ما قاله.
اخذت الزهرة وفحصتها بعدسة نستخدمها للتصنيف وتوصلت الى عائلة الزهرة في وقت وجيز ثم اخبرتهما. ضحكا وقال د. عماد انا كدا كسبت الرهان ..انا قلت لك حا يعرفها ..موجها الكلام الى الاستاذ محمد صبري الذي راهن على فشلي في تعريفها على ما يبدو.
كان الدكتور عماد قاريء جيد ومجدد وقد لا حظت ذلك من زياراتي المتكررة له في القسم وكان يحب ان يسمع منى كل جديد من امريكا، لا ليعرف بل ليثبت لى انه يواصل متابعة التقدم الهائل في علوم امراض النبات في أمريكا ومؤلفاته تثبت ذلك.
دكتور عماد رحمه الله كان شخص يجبرك على الاحترام بصمت ولا يتحدث عن نفسه ابدا كما يفعل بعض الدخلاء على الاستاذية الحقيقية. رحم الله استاذنا الدكتور عماد الذي هو امتداد لسلسلة من الاساتذة المحترمين الذين تعلمنا منهم الكثير والحمد لله.
البحث
Wasfy, E., H. Elarosi and M.A. El-Meleigi, 1974. Haustorium types of Peronospora parasitica (Fr) Tul. as seen in host cells of Cauliflower. Egypt J. Phytopathol. 6: 79-80.