قدمنا فيما سبق شرح مختصر لما وصلت اليه معظم الترع المصرية من تبحر (اتساع) كبير فى قطاعاتها بل وتشوهات هندسية كنتيجة مباشرة لعشرات السنين من التطهير الألى واشراف فنى سيئ. وكنتيجة لذلك، ضعفت تدفقات المياه وزادت التعديات على مياه الترع، وندر وصول مياه الرى للنهايات، وظهرت الأزمات المائية نتيجة لهذا التشوه الحادث فى القطاعات الهندسية للترع وعدم القدرة على ردها للتصميم الأصلي لعدم وجود التربة الطينية الكافية للردم والتأهيل، وأيضا للتكاليف وتم التأجيل والتأجيل والاهمال لسنوات وسنوات.
ومع ضغوط أزمة سد النهضة، واتجاه الدولة لاتخاذ اجراءات احترازية لزيادة كفاءة الاستخدامات قدر المستطاع، تم طرح وتنفيذ مشاريع تبطين الترع، وقد يكون مسمى المشروع خاطئا، وقد يكون الاسم الأصح هو “اعادة تأهيل شبكة الترع”.
وهناك مبالغات فى أهداف المشروع، منها مثلا ما يتردد من توفير ٥ مليار متر مكعب من فواقد المياه بالرشح. والحقيقة ان (مجموع) فواقد الرشح من نهر النيل والترع والاراضى الزراعية فى الوادى الدلتا، فى حدود ٨ مليار متر مكعب من المياه سنويا، ويتم ضخ كامل هذه الكمية من المخزون الجوفى بالدلتا والوادى لأغراض الشرب والزراعة قبلي وبحري.
الهدف الرئيسي للمشروع، قد تكون محاولة لحل المشاكل البيئية والتلوث بالترع خاصة عند مرورها بالتجمعات السكانية فى القرى والمدن، بالاضافة لحل بعض مشاكل الاختناقات المائية الحرجة فى بعض الترع شمالا وجنوبا.
وشبكة الترع تبلغ أطوالها عشرات الكيلومترات وبقطاعات واتساعات مختلفة، وقد يستغرق اعادة تأهيلها بتقنية الخرسانات المسلحة سنوات طوال جدا، وبميزانيات هائلة قد لا نستطيع تدبيرها. وكما ذكرت سابقا أنه يتم استخدام الخرسانات لاسترداد القطاعات التصميمية، لعدم توفر كميات الطينة الكافية للردم واعادة تشكيل القطاع.
ويتم تنفيذ هذا المشروع فى عدة محافظات، ومازالت مشاكل القاء القمامة فى الترع قائمة، وكذلك مشاكل التخلص من مياه الصرف الصحى بها. طبعا جزأ من المشكلة سوء سلوك البعض، ولكن المشكلة الأكبر هو أنه ليس لدي المواطنين بديلا أخر!؟ فلا تمتع معظم القرى بخدمات الصرف الصحى للأسف، ولا بنظم مستدامة لتجميع القمامة ومدافن صحية لها.
وحتى انشاء مدافن صحية فى الريف المصرى ليس سهلا، مع محدودية الأراضى المتاحة ومعظمها أراضى زراعية.
وهناك رأيا فنيا أن تغطية الترع أفضل من التبطين، وذلك من خلال نقل مياه الترعة فى مواسير أو قطاعات مستطيلة خرسانية والردم عليها.
وهذا النوع من اعادة تأهيل الترع، هو الذى كان سائدا فى وقت الرئيس مبارك. أى مايتم حاليا، هو التبطين بالخرسانة المسلحة، بدلا من مشاريع التغطية أيام مبارك، ولكن قد تكون المشاريع الأن أكثر وميزانيات أكبر.
وطبعا يفضل العديد من الناس مشاريع التغطية، لأن تغطية الترعة تؤدى الى توسعة الشارع وتحسن المرور، وتمنع القاء القمامة فى الترعة وانتشار الحشرات والزواحف وغيرها.
ووزارة الرى منذ اكثر من ٥ سنوات، قامت باستخدام أحد المكاتب الاستشارية، عن طريق هيئة مشاريع الصرف، للقيام بمقارنة مشاريع التبطين بمشاريع التغطية. وتم عمل مسوحات لأراء السكان، حول هذين البديلين، وكان أغلبهم يفضلون مشاريع التغطية. ولا أعلم مدى استفادة الوزارة بهذه الدراسة!!.
ولكن حتى فى مشاريع التغطية، وجدت وزارة الرى أن الناس للأسف تقوم بالقاء القمامة بعد مسافة التغطية وذلك فى الترعة المفتوحة، بل أن بعض من المواطنين يقومون يرفع غطاء “المطابق” المخصص لصيانة وتنظيف الترعة المغطاة ويلقون فيها القمامة ومياه الصرف الصحى.
مشاكل أخلاق وسلوكيات، ومشاكل وعى، ومشاكل عدم توفير الخدمات الأساسية لأهلنا فى الأرياف وراء هذه القضايا وصعوبة الاختيار بين بدائل تأهيل الترع فى القرى المصرية. وتأهيل الترع مهمة قومية للمحافظة على هذه الشبكة المائية التى حفرها وشيدها أجدادنا لكى نعيش.
وبالاضافة للقضايا التى تم التعرض لها أعلاه يتبقى أمرًا هاما، وهو كيف نحدد أولويات تنفيذ هذا المشروع، هل سياسيا أم فنيا واقتصاديا!!؟ وقضية أخرى، هل هناك بدائل أخرى لاعادة تأهيل الترع وبتكاليف أقل!!؟ مع خالص الأمنيات بالتوفيق والسداد.