كنت في زيارة معتادة الى طبيب العيون وكنت أشكوا من جفاف العيون والرغبة في هرشها بين الحين والآخر. وكان السبب هو القراءة لساعات على جهاز الكومبيوتر بعيون مفتوحة لا ترمش الا قليلا فتجف العين، والعلاج بسيط وهو التقطير بالمحلول الفسيولوجي ثلاث مرات في اليوم.
تذكرت حينها تلك العيون الموجودة على سطح ورقة النبات والتى تسمي بالثغور stomata. وهي عيون لا تري ولا يوجد بها جهاز رؤية كالبشر والحيوانات الاخري. ولا حاجة للنبات لعيون مثلنا فهو لا يتجول في الاسواق ولا يحتاج قراءة كتب لانه هو نفسه موسوعة ولا يحتاج للتسوق لأنه يحصل على غذائه بنفسه ويصنع كل ما تشتهيه انفسنا وهو في مكانه. سبحان الله الذي خلق النبات وعلمه كل شيء فلا يحتاج الى الذهاب الى المدرسة والى الدراسة الطويلة والحركة والتنقل لكي يكسب رزقه.
اذا ما هي هذه الثغور التى تشبه عيون البشر ظاهريا وما هي وظيفتها ؟.
الثغور هي فتحات التهوية والتنفس في النبات. عندما يكون النبات مستيقظا في النهار تكون مفتوحة الا اذا اشتد القيظ او انتشر دخان سام فتغلق الثغور حينها لتحمي النبات من البخر ومن التسمم. اما في الليل فينعس النبات ويغط في نوم حذر وتغلق الثغور ابوابها الا اليسير.
هل معني ذلك ان النبات في الليل لا يقوم بأي عمل ويخلد للنوم كالبشر ؟.
بالطبع لا ففى الليل وان توقفت عملية البناء بسبب غياب الضوء واغلقت الثغور ابوابها فكل شيء آخر يعمل وبنفس وتيرة الصباح. فنقل الماء في انابيب الخشب مستمر ونقل السكر المتكون من الاوراق للتخزين في اماكن اخري في شكل نشا مستمر، كما ان الدفاع عن النفس ضد الغزاة من الحشرات والكائنات الدقيقة لا يتوقف ليلا او نهارا.
ولكن ما سر هذه العيون او الثغور التى تدهش من يراها عن قرب وهي تفتح وتغلق بنظام دقيق كبوابات حصن كبير. ستري من الصور ان الثغور التى يبلغ عددها المئات احيانا في كل سم مربع من سطح الورقة مما يجعلها كالغربال، تتكون على منطقة مرتفعة تشبه قمة البركان. هذا يجعلها بعيدة عن الغمر بسريان الماء على سطح الورقة. الكثير من الناس لا يعلم ان سطح الورقة مصمم لتكون به مجاري للمياه ووديان لتصريف الماء المتساقط بسرعة وان الوديان والجداول وسطح الخلايا مبطن بالشمع كالترع المبطنة بالأسمنت لمنع تراكم الماء وسرعة انسيابه. وقوف الماء على الاوراق لعدة ساعات يساعد على انبات جراثيم الكائنات الممرضة.
اما الثغر الذي يتربع على منطقة مرتفعه فتتحكم في فتحه وغلقه خلايا تسمي بالخلايا الحارسة للثغر. هذه الخلايا تعمل بنظام فسيولوجي محكم. عندما يشرق الصباح وتسطع الشمس يبادر النبات بالعمل لتصنيع السكر. تمتلأ الخلايا الحارسة للثغر بالسكر مما يجعلها تتشرب الكثير من الماء فتنتفخ وتتمدد وتشد الغشاء الغالق للثغر فيفتح الثغر. في المساء يتحول السكر الى نشا ويقل الضغط الاسموزي للخلية فتفقد الماء وترتخي فيرتقي الغشاء الغالق للثغر ويغلق الثغر وهكذا يظل الثغر بين فتح واغلاق تحكمه عملية البناء الضوئي. هناك ظروف اخري يغلق فيها الثغر للحفاظ على صحة النبات.
الثغور ادوات النبات للتنفس وتبادل الغازات، كما انها مدخل لبعض مسببات امراض النبات من البكتيريا والفطريات.