أخبارخدماترئيسيزراعة عربية وعالميةمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب : ما بعد الجائحة كرونا: تسخير الثورة الرقمية لتحسين مسار الأنظمة الغذائية

من بين الصور الصارخة لجائحة فيروس كورونا ذلك التناقض بين المزارعين الذين يسكبون الحليب ويسحقون البيض ويحرثون الخضروات مرة أخرى في التربة وبين المستهلكين الذين لا يجدون أمامهم سوى أرفف المتاجر الفارغة والوقوف في طوابير طويلة في مراكز توزيع الغذاء.
• لذا يجب ضرورة تصحيح أوجه التضارب الهائل في المعلومات وتكلفة المعاملات على مستوى نظام غذائي هائل الاتساع (الشكل 1) للانتقال إلى نموذج أكثر احتواء ومرونة واستدامة.
• ورغم أن الإنتاج الصناعي واسع النطاق للمواد الغذائية المصحوب بسلاسل توريد محكمة التوقيت قد حقق العديد من المكاسب، فإن المخاطر المترتبة على هذا النظام أصبحت واضحة للعيان على نحو متزايد.
• وتتيح الثورة الرقمية إمكانية تحقيق توازن بديل، تزدهر فيه الأنظمة المؤسسية والإنتاجية الصغيرة المرنة وتتمكن من الخوض بسلاسة في بيئة تشغيل متغيرة.
• وها هو تعداد سكان العالم البالغ 7. 7 مليار نسمة مستمر في الزيادة، ويتشارك في النظام الغذائي بطريقة أو بأخرى.
• وإتخاذ القرارات بشأن المواد الغذائية التي نستهلكها، والملابس التي نرتديها، والمنتجات التي نستخدمها – والتي يأتي الكثير منها أصلاً من الزراعة.
• وتُنتج السلع الزراعية في 570 مليون مزرعة وهي في معظمها صغيرة وتديرها أسر وتقع في البلدان النامية.
• والأنظمة الغذائية محلية، وهي سمة أساسية في المجتمعات المحلية، ولكنها ذات طابع عالمي أيضًا وترتبط من خلال التجارة والأسواق المالية وأسواق التأمين المتطورة.

الشكل 1: النظام الغذائي يعاني من تضارب المعلومات وتكلفة المعاملات

• وفي حين أن النظام الغذائي يتيح الغذاء لسكان العالم الذين تضاعف عددهم بما يزيد على المثلين على مدى السنوات الخمسين الماضية، فقد ابتعد بشدة عن المسار الذي من شأنه أن يساعدنا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالجوع والفقر والصحة واستخدام الأراضي وتغير المناخ.
• ورغم الإنتاج الكثير من الغذاء على مستوى العالم، فإن عدد من يعانون نقص التغذية آخذ في الارتفاع منذ عام 2014 (الشكل 2).
• فثمة طفل واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم على نحو يخلف عواقب سلبية على إنتاجيته تلازمه طيلة حياته.
• وهناك حوالي ملياري شخص يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض غير معدية، ذات أصل غذائي، تهدد القدرة على مقاومة الأمراض الجديدة مثل فيروس كورونا.
• وتسهم الزراعة بنسبة 24% من انبعاثات غازات الدفيئة، وتستهلك 70% من المياه العذبة، وقد تسببت في فقدان 60% من التنوع البيولوجي الفقاري منذ سبعينيات القرن الماضي.
• وتبلغ تكلفة هذه العوامل الخارجية السلبية 12 تريليون دولار وفقًا لتحالف الغذاء واستخدام الأراضي، وهو ما يتجاوز قيمة السوق التي تبلغ 10 تريليونات دولار.
• كما يوجد الآن 100 مليون آخرون مهددون بالسقوط في براثن الفقر بسبب التأثيرات الاقتصادية للجائحة، وفقًا لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر في يونيو/حزيران 2020، الأمر الذي يبعدننا عن أهدافنا من خلال تقليص الدخول وخلق صعوبات في الحصول على الغذاء والتغذية ربما أفضت إلى مجاعة واسعة النطاق حسبما ذكر برنامج الغذاء العالمي.
الشكل 2: النظام الغذائي لا يمضي على مساره نحو القضاء على الجوع

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية لدى الفاو FAOSTAT (2020).
• فكيف لنا أن نحدد مسارًا جديدًا للنظام الغذائي، مسار يعمل على الحد من الجوع ويتيح أفرادًا أصحاء واقتصادًا قويًا وكوكبًا سليمًا؟
• ومن المعروف أن كل سكان العالم، يعتمد علي النظام الغذائي كقارب يحمل حمولة أكبر من استطاعته ’يميل’ أكثر فأكثر مع كل شحنة إضافية تحمّل عليه:
1. نمو السكان
2. تغير المناخ
3. فقد التنوع البيولوجي
4. التلوث
5. تدهور التربة، وما إلى ذلك.
• ومع وقوع أزمتيّن للأمن الغذائي في غضون عشر سنوات فقط،[i] وإن اختلف أصلهما تمامًا، فإننا نتأرجح ونقترب من النقطة الحرجة.
• ولن يتسنى حل هذه المشكلة بإلقاء آخر قطعة من الحمولة ــ فيروس كورونا. فهناك عوامل عدة يجب التصدي لها.
• ومن حسن الحظ أن الطبيعة تتسم بمرونة مذهلة، تمكنها، إلى جانب الإبداع البشري، من التعافي من الأزمة الحالية، كما حدث في أزمات سابقة. فدعونا نغتنم الفرصة لتحويل مسار النظام الغذائي.
• ومع سرعة التطوير والنشر للتقنيات والشبكات الرقمية بالتعجيل بإحداث تحول في النظام الغذائي من خلال التغلب على قصور الأسواق والسياسات القائم منذ مدة بعيدة.
• وقد أدت التحولات السابقة في المسار التي طرأت على الزراعة والصناعات الغذائية وتميزت بالعديد من الثورات الزراعية، إلى:
1. زيادة الإنتاجية الزراعية والإمدادات الغذائية.
2. انخفاض أسعار الغذاء الحقيقية.
3. ساعدت في إتاحة العمالة والموارد الرأسمالية للاستثمار في قطاعات أخرى.
4. مهدت الطريق أمام توسع المدن والثورة الصناعية.
5. أدت إلى تحويل المنشآت الزراعية إلى شركات.
• وخلافًا للثورات السابقة التي نشأت من ابتكارات بالمزارع قبل أن تمتد إلى المجتمعات الريفية، ثم تترسخ أعلى سلسلة القيمة وأسفلها (تأمل في استخدام الجرافة المصنوعة من الحديد الزهر أثناء الثورة الزراعية في بريطانيا؛ أوتحسين البذور والأسمدة أثناء الثورة الخضراء)، تعمل الإبداعات الرقمية الحالية على تعزيز الكفاءة على نقاط متعددة على طول سلسلة القيمة الغذائية.
• فالتكنولوجيا الرقمية تدفع التغيير على جبهات متعددة بمعدلات متسارعة من خلال جمع واستخدام وتحليل كميات هائلة من البيانات التي يمكن للآلات قراءتها عن كل جانب من جوانب النظام الغذائي تقريبًا وبتكلفة حدية تكاد تكون صفرًا. وتؤدي المنصات الرقمية من علي بابا إلى يوتيوب إلى إحداث تغييرات جذرية في نماذج الأعمال التقليدية على مستوى النظام، وكذلك ضخت شركات رأس المال المخاطر 2.8 مليار دولار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية حول العالم في عام 2019.
• ولكن الإبداع الرقمي لا يصلح إلا للغرض المقصود منه. ولتحقيق نتائج إيجابية، يتعين على السياسات العامة أن تعمل على تعزيز البنية التحتية التكميلية والقدرات البشرية، ومعالجة الفوارق بين الجنسين في إمكانية الوصول إلى الموارد، وإيلاء اهتمام وثيق بالمنافع البيئية ــ وجميعها من القضايا البارزة التي سيتطرق إليها تقريرنا القادم بعنوان ”التعجيل الرقمي للتحول الزراعي” المقرر نشره في أواخر عام 2020.
• وهذه، توصيات فقط للتعجيل بالتحول نحو مستقبل غذائي أكثر استدامة. ويتعين على السياسات العامة أن تسعى إلى تحقيق ثلاثة أمور، هي كالتالي:
1. إلغاء تركيز الأسواق وسلاسل التوريد
2. لا مركزية التتبع
3. نشر البيانات.

شكل رقم (1) النظام الغذائى يعانى من تضارب المعلومات  وتكلفة المعاملات.

شكل (2)  النظام الغذائى لا يمضى على مساره  نحو القضاء على الجوع


أ.د/علي عبدالرحمن علي
رئيس الاتحاد الدولي للاستثمار والتنمية والبيئة





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى