الدكتور جمال صيام يكتب : لماذا اتجهت أسعار الغذاء العالمية إلى الهبوط رغم أنف كورونا؟
على غير المتوقع انخفضت أسعار الغذاء العالمية بشكل حاد خلال الشهور الثلاثة التي انتقضت منذ أن ضرب وباء كوفيد-19 (كورونا) العالم ، وأدخله في ركود غير مسبوق، حيث انخفض مؤشر الأسعار العالمية للسلع الغذائية الأساسية (الحبوب والزيوت النباتية والسكر والألبان، اللحوم) في شهر مارس ، بنحو4.3 في المائة عن شهر فبراير.وكان هذا الانخفاض مدفوعاً في غالبه بتقلص الطلب نتيجة لآثار جائحة كوفيد-19 وهبوط أسعار النفط العالمية بسبب توقعات التباطؤ الاقتصادي في الغالب مع قيام الحكومات بفرض قيود استجابة للأزمة الصحية. إن انخفاض الأسعار مدفوع إلى حد كبير بعوامل الطلب، وليس العرض، والتي تتأثر بدورها بالتوقعات الاقتصادية التي تزداد تدهوراً مع مرور الزمن .
وعلى المستوى السلعى (المؤشرات الفرعية)، انخفض مؤشر أسعار الحبوب في مارس بنسبة 1.9 في المائة مقارنة بشهر فبراير ووقف عند مستواه تقريباً في مارس 2019. وتراجعت أسعار القمح الدولية، حيث فاقت آثار الإمدادات العالمية الكبيرة وتوقعات المحاصيل المواتية بشكل عام آثار زيادة الطلب على الواردات وبعض قيود التصدير الصغيرة التي فرضتها روسيا الاتحادية. كما انخفضت أسعار الذرة نتيجة الإمدادات الكبيرة وضعف الطلب عليها من جانب قطاع الوقود الحيوي ، وهذا يعزى بدوره إلى انخفاض أسعار النفط. وسجلت أسعار السكر الانخفاض الأكبر، حيث تراجع بنسبة 19.1 في المائة عن الشهر الماضي. ويعزى ذلك إلى انخفاض الطلب الناجم عن الاستهلاك داخل المنزل المرتبط بتدابير الحجر التي تفرضها العديد من البلدان، وانخفاض الطلب من منتجي الإيثانول بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام.
وانخفض مؤشر أسعار الزيوت النباتية بنسبة 12.0 في المائة في شهر واحد، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض أسعار زيت النخيل المرتبط بهبوط أسعار الزيوت المعدنية الخام وارتفاع الشكوك حول تأثير الجائحة على أسواق الزيوت النباتية في جميع أنحاء العالم. وأخذت أسعار زيت فول الصويا وزيت اللفت نفس الاتجاه. ويفسر خبراء الفاو هذا التراجع الكبير في أسعار السكر والزيوت النباتية بتراجع أسعار النفط بأكثر من النصف خلال الشهر الماضي، وهو ما ينعكس في هبوط كبير في أسعار الوقود الحيوي التي تعتبر مصدراً هاماً للطلب في أسواق هاتين السلعتين.
وانخفض مؤشر أسعار منتجات الألبان بنسبة 3.0 في المائة، مدفوعاً بانخفاض الأسعار والطلب العالمي على واردات مساحيق الحليب منزوع الدسم والحليب كامل الدسم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاضطرابات في سلاسل إمدادات الألبان بسبب تدابير الاحتواء التي تهدف إلى السيطرة على انتشار كوفيد-19. وانخفض مؤشر أسعار اللحوم بنسبة 0.6 في المائة، مدفوعاً بانخفاض الأسعار العالمية للحوم الأغنام والأبقار، التي تتوافر للتصدير بكميات كبيرة وتقل القدرة على التجارة فيها بسبب التحديات اللوجستية
وكان الاستثناء الوحيد من هذا الاتجاه النزولى لأسعار الغذاء هو الأرز الذى ارتفعت أسعاره العالمية للشهر الثالث على التوالي، وذلك بسبب تكدس المخزونات التي أثارتها المخاوف بشأن الجائحة والتقارير التي تفيد بأن فيتنام (ثالث مصدر للأرز في العالم) قد تفرض حظراً على التصدير.
في المحصلة ، يتضح أن هناك أربعة عوامل ساهمت بصورة رئيسية في انخفاض أسعار الغذاء العالمية ، أولها : هبوط أسعار النفط وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار الذرة والزيوت النباتية ، ثانيها : الإمدادات الكبيرة من الإنتاج العالمى في السنة المنقضية وهو ما ينطبق على حالة القمح والسلع الاخرى، ثالثها : التدابير الصحية في مواجهة وباء كورونا وما تنطوى عليها من صعوبات لوجستية وهو ما ينطبق على حالة الألبان واللحوم ، رابعها : سياسات الدول المصدرة فيما يتعلق بتقييد التصدير (حالة الأرز). إن مصر تستورد هذه السلع جميعا ، ومن ثم فاستمرار هذا الانخفاض هو في صالح الاقتصاد المصرى على المستوى الكلى متمثلا ذلك في انخفاض فاتورة الغذاء وتخفيض عجز الموازنة وتخفيف العبء على احتياطي العملة الأجنبية باستثناء انخفاض قيمة الصادرات الزراعية. وهو كذلك في صالح المستهلكين والفئات منخفضة الدخل ، غير أنه ليس في صالح الإنتاج الزراعى عموما ، والمنتجين الزراعيين خاصة، على أساس أن الأسعار المنخفضة تثبط الإنتاج من ناحية وتخفض من دخول المزارعين من ناحية أخرى .ومع ذلك تجدر ملاحظة أن التدابير الصحية والإغلاق قد تؤدى إلى اختناقات لوجستية ترفع الأسعار الزراعية على المستوى المحلى .
أ.د. جمال صيام _ أستاذ الاقتصاد الزراعى
جامعة القاهرة