عندما كنا نؤسس كلية الزراعة والطب البيطري في ١٩٨٣م وكنت رئيسا لقسم وقاية المزروعات، أسست مختبرات حديثةً لتحليل المبيدات والكيماويات والتربة والمياه. كانت الاجهزة متقدمة وتضاهي افضل مختبرات امريكا واوربا.
دعت الكلية عميد الزراعة ومدير محطات التجارب في جامعة ولاية كانساس الاستاذ الدكتور جون دانبار لزيارتنا ومراجعة برنامجنا الدراسي وكان رئيسى في العمل سابقا عندما كنت استاذا مساعدا بالجامعة واعرف خبرته الطويلة بالزراعة وبحوثها.
اخذت الدكتور جون دانبار في جولة على مختبرات القسم والكلية وكنت فخورا بجودة المختبرات واريد ان اقول له ان العرب ليسوا اقل من امريكا.
بعد الجولة وبعد ان جلس معي وحدنا في مكتبي قال لي بمنتهي الأدب. انه معجب بي جدا ان حققت كل هذا في وقت وجيز وسألني ان كان لدي من الدكاتره والفنيين لتشغيل هذه الأجهزة المتقدمة وصيانتها.
اجبت بنعم على اساس ان لدي بالفعل دكاترة وفنيين يجزمون على انهم ملمون ومدربون على ادارة هذه الأجهزة.
استنكرت سؤاله ولكنه نظر لي وكأنه يقول لقد استثمرت الكثير في اجهزة قد لا تحقق الهدف منها.
مرت شهور قليلة وبدأت تظهر مشاكل في الأجهزة بالفعل وتعطل معظمها. لجأنا الى الشركات الموردة للأجهزة التى كانت اسعارها بمئات الآلاف من الدولارات. كانت الصيانة مكلفة حتى عجزت الكلية عن تمويلها وتوقفت الاجهزة تماما.
لم تكن الاجهزة هي السبب بل كان الجهل وسوء الاستخدام وصدق جون دانبار حين قال هل لديك من يشغل هذه الاجهزة.
في واقع الأمر يعتبر العنصر البشري هو العامل الأول في نجاح او فشل اي مشروع. وتشغيل وصيانة الاجهزة العلمية في بلاد العرب فاشل بسبب عدم توفر العنصر البشري المدرب لتشغيل وادارة الاجهزة العلمية.
قاسينا كثيرا من هذه المشكلة وزاد الطين بلة أنه كلما تم استيراد جهاز كبير وتكفلت الشركة بتدريب الفني على تشغيله، سافر رئيس القسم او استاذ سعودي بدلا من الفني ليقضى اجازة في الخارج ويعود دون تدريب حقيقي لأن الفني لو سافر لا بد ان يكون سعودي الجنسية ولا يوجد فني سعودي يتقن لغة البلد الموردة للجهاز.
لذلك يستورد الجهاز وقد يترك لسنوات ولا يستعمله الا من استخدمه من قبل من المتعاقدين او من يستطيع ان يقرأ الكتالوج لينتهي الأمر بتعطيله وتكهينه دون الاستفادة المثلي منه .