ماهي مضادات الأكسدة (Antioxidants) ؟!! وما علاقتها بالحماية من الإصابة بالسرطان (Cancer)؟!!!
لعل هذا السؤال هو أحد أهم الأسئلة المتداولة بين الناس هذه الأيام في شأن التغذية وأكاد أن أجزم أن قليلون حتي من بين المتخصصين ومن يتصدوا لتوعية الناس علي شاشات التليفزيون يعلمون مفهوم مضادات الأكسدة (Antioxidants) ودورها في الحماية من السرطان (Cancer) وغيره من الأمراض المزمنة (Chronic diseases) ولذلك سأكون سعيداً أن أتمكن من إزالة الغموض عن هذا السؤال شديد الأهمية!!!
وفي هذا الشأن أرسلت إلي طبيبة جزائرية من بين المتابعين لما أكتب تطلب مني تعريف مفهوم مضادات الأكسدة (Antioxidants) وتفسير العلاقة بينها وبين نشوء السرطان (Carcinogenesis) في الإنسان وذلك عقب قرائتها لمقالة لي سبق أن قمت بنشرها علي صفحتي في هذا الشأن ومشاهدة محاضرة لي علي قناة الـ YouTube التعليمية (Elsayed Wagih YouTube) الخاصة بي عن “السرطان في الإنسان والحيوان والنبات”!!! ولتسهيل وصول حضراتكم إليها يسعدني أن أرسل الرابط الخاص بها فيما يلي:
وبعد أن أجبتها قررت إعادة نشر ردي هنا كمشاركة مستقلة لتوسعة نطاق الفائدة منه بين عدد أكبر من المتواصلين من باب المسئولية المجتمعية لأساتذة الجامعات نحو خدمة وتثقيف المجتمع الذي من ضرائب أفراده تعلمنا!!!
وقد جاء ردي علي النحو التالي:
“سيادتك تعلمي أن خلايا الجسم في حالة تجديد دائم عن طريق الإنقسام وربما تعلمي أن هناك ما يساوي 220 نوع مختلف من الخلايا بالجسم ..كخلايا الكبد (Hepatocytes) وخلايا العظم (Osteocytes) والخلايا الطلائية (Epithelia) إلي آخره… وأن هذه الخلايا البالغة فقدت القدرة علي الإنقسام غير أن الله وضع بين خلايا كل نسيج عدد من الخلايا الأخري غير بالغة تعرف بالخلايا الجذعية (Stem cells) وهذه قادرة علي الإنقسام بحيث أنه لو حدث تلف أو فقد نتيجة جرح مثلاً لبعض خلايا نسيج معين قامت الخلايا الجذعية المصاحبة لها بالإنقسام والتحول للحالة البالغة (Adult cells) لتعويض الجزء المفقود وبوصولها لحالة النضج تتوقف عن الإنقسام والذي يحكم إنقسام هذه الخلايا الجذعية جينات معينة موجودة ضمن المادة الوراثية (Genome) لكل خلية من خلايانا وهذه الجينات تعرف بالـ Proto-oncogenes فإذا تلفت هذه الـ Proto-oncogenes عن طريق حدوث طفرة (Mutation) فيها تحولت إلي ما يعرف بالـ Oncogenes وفقدت قدرتها التنظيمية فتستمر الخلايا في الإنقسام الذي لا يكبحه أحد وتذداد الخلايا في الحجم (Hypertrophy) غالباً وتذداد في معدل إنقسامها (Hyperplasia) الأمر الذي يؤدي إلي نشوء ما يعرف بالورم السرطاني (Cancerous tumour) ونقول هنا أن الشخص قد أصيب بالسرطان. وحسب نوع الخلايا التي حدث فيها هذه الظاهرة يصنف السرطان علي أساس نوع الخلايا التي تأثرت فلو كانت الخلايا هي خلايا كبد (Hepatocytes) سمي السرطان بسرطان الكبد (Liver cancer) وإذا كانت الخلايا هي الخلايا المبطنة للأمعاء الغليظة (Epithelia) مثلاً سمي السرطان بسرطان القولون (Colon cancer) ولو كانت الخلايا المتأثرة هي خلايا العظم (Osteocytes) سمي السرطان بسرطان العظم (Bone cancer) وهلم جرا !!!
ويفهم من ذلك أن السرطان ينشأ من حدوث تلف في الجينات المنظمة لإنقسام الخلايا ويقصد بالتلف هنا حدوث طفرات (Mutations) في المادة الوراثية (DNA) المكونة للـ Proto-oncogenes وتحويلها إلي Oncogenes. وأحد أسباب هذه الطفرات أن يحدث لها أكسدة (Oxidation) ولذلك فإن أي مادة تمنع هذه الأكسدة تعرف بمضادات الأكسدة (Antioxidants) وأنواع الـ Antioxidants في الطبيعة عديدة منها الـ Citric acid و الـ Ascorbic acid والأخير يعرف بفيتامين “سي” (Vitamin C) وكلاهما موجود في ثمار الموالح.
وقد وجد أن هناك مواد عديدة تعمل كمضادات أكسدة نتناولها مع غذائنا مثل العديد من الفيتامينات كـ Vitamin A و Vitamin C و Vitamin E وكل الصبغات الموجودة في ثمار الفاكهة والخضروات كصبغات الأنثوسيانين (Anthocyanins) المسئولة عن اللون الأحمر والبنفسجي للعنب الأحمر والفراولة والتوت الأحمر والرمان والكرنب الأحمر وغيرها وصبغة الـ Lycopene المسئولة عن اللون الأحمر في الطماطم والبطيخ وصبغةالـ B-Carotene الصفراء البرتقالية المسئولة عن اللون الأصفر البرتقالي في البطاطا الحمراء والجزر الأصفر والشمام والمشمش وغيرهم الكثير…
والآن يبرز السؤال القائل من الذي يحدث أكسدة للـ Proto-oncogenes ويسبب لها تطفر (Mutation) يؤدي في النهاية لنشوء السرطان؟!!! للإجابة علي هذا السؤال علينا أن نتذكر أن تفاعلات الـ Metabolism في الخلايا الحية ينتج عنها عادم (Waste) والذي من ضمن مكوناته ما يعرف بالشوارد الحرة (Free radicals) وهذه زرات أو جزيئات تحتوي علي زرات بها إليكترون مفرد. فمن دراستنا للتركيب الدقيق للذرة (Fine structure of the atom) علمنا أن الزرة تحتوي علي أغلفة للطاقة Energy shells وكل غلاف يتكون من مسار (Orbit) أو أكثر وأن كل مسار يتشبع بزوج واحد من الإليكترونات ولذلك لو فقد إليكترون من الإليكترونان الموجودان في أي من المسارات في غلاف الطاقة الأخير أصبح المسار يملك إليكترون مفرد وهذا يجعل الذرة أو الجزئ في حالة شديدة النشاط وعدم الإستقرار تعرف فيها بالشارد الحر (Free radical) وهذا كيان غير مستقر يتحرك كالمجنون داخل الخلية باحثاً عن مركب يعطيه هذا الإليكترون الذي ينقصه ليحقق به مبدأ الإزدواجية ليصل لحالة الإستقرار المنشودة. وعليه فإن أي مادة في الخلية ستعطيه الإليكترون الذي يبحث عنه ستفقد هي هذا الإليكترون ونقول أنها قد تأكسدت ذلك لأن تعريف الأكسدة ببساطة هو فقد للإليكترونات (Loss of electrons) .
كما تعلمنا في سنوات تعليمنا الأولي وبحصول الشارد الحر علي هذا الإليكترون يكون قد حدث له إختزال(Reduction) . وهناك ثلاث مركبات بيولوجية مهمة في الخلية ممكن أن تعطي الـ Free radicals هذا الإليكترون الذي يبحث عنه وهذه هي: الدهون الموجودة في الغشاء البلازمي (Plasma membrane) أو البروتينات (Proteins) أو الأحماض النووية (Nucleic acids) فلو قام بأخذ هذا الإليكترون من أحد الأحماض الدهنية غير المشبعة المكونة للغشاء البلازمي (Plasma membrane) أحدث به أكسدة (Oxidation) وهذا يسبب إنهيار الغشاء وموت الخلية وهي الحالة المصاحبة للتليفات (Fibrosis) وإلتهابات المفاصل (Arthritis) وتفاعلات التقدم في السن(Aging) بصورة عامة. وإذا أخذ الإليكترون من أي بروتين تأكسد البروتين وربما فقد وظيفته كأنزيم أو هرمون أوعامل مساعد وإذا أخذه من الـ DNA فإنه يؤكسده محدثاً تلفاً فيه ولو كان هذا الـ DNA هو المكون للـ Proto-oncogenes أكسده محدثاً به طفرات تحول الـ Proto-oncogenes إلي Oncogenes فتفقدها قدرتها التنظيمية لإنقسام الخلية فتتضخم في الحجم (Hypertrophy) أحياناً وتخرج الخلايا عن النظام العام وتتشرد فتنقسم بمعدلات مرتفعة دائماً فيما يعرف بالـ Hyperplasia ويقال أن الخلية أصبحت سرطانية (Cancerous cell) !!!
والجدير بالذكر أن مضادات الأكسدة كالـ Ascorbic acidالمعروف بـ Vitamin C والموجود في الليمون وباقي ثمار الموالح وغيره من مئات المواد المضادة للأكسدة أنها جزيئات “كريمة” (Generous) تعطي إليكتروناتها لكل محتاج ولذا تقف هذه الـ Antioxidants معطية ظهرها للدهون والبروتينات والأحماض النووية كالحراس الشخصيين (Bodyguards) لتحميهم بابعاد أي شارد حر (Free radical) يحاول الإقتراب منها ليؤكسدها متبرعة هي بإعطاءه الإليكترون الذي يبحث عنه فتمنع بذلك أكسدة هذه المواد البيولوجية الهامة وتتأكسد هي بدلاً منها!!! ومايهمنا هنا هو الـ DNA المكون للـ Proto-oncogenes فتقي الخلية من حدوث السرطان!!!
ونظراً لأن تسخين عصير الليمون يفسد التأثير المضاد للأكسدة للـ Ascorbic acid بتحويله إلي مركب مؤكسد غير فعال يعرف بالـ Dehydroascorbic acid فإن فكرة تسخين عصير الليمون هي فكرة غبية لأنها تفقد الـ Ascorbic acid وظيفته كـ Antioxidant فكيف إذن يستعمل عصير الليمون الساخن في الوقاية من السرطان؟!!!
أرجوا أن يكون الموضوع قد إتضح الآن!
تحياتي لسيادتك ولشعب الجزائر الشقيق” وأضيف إلي كل الشعب المصري العظيم!
الأستاذ الدكتور/ السيد السيد وجيه
أستاذ الفيرولوجي والبيوتكنولوجي،
ورئيس قسم أمراض النبات سابقاً – كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية،
دكتوراة (PhD) في الفيرولوجي من الكلية الإمبراطورية (كلية العلوم والطب) جامعة لندن،
درجة عضوية الكلية الملكية للعلوم (DIC) بلندن،
دبلومة التعليم (Education) جامعة كمبريدح-بريطانيا.
و”رئيس تحرير” (Editor-in-Chief) المجلة الدولية للفيرولوجي
(International Journal of Virology) – الولايات المتحدة.