الدكتور صلاح يوسف يكتب : كيف تقدمت الصين فى علوم البيوتكنولوجى؟
قرار وارادة وإدارة : التقدم فى كثير من العلوم التطبيقية والعلوم الأساسية كان قرارا وارادة وإدارة على مستوى الدولة منذ بداية الثمانينات، ولم يكن التقدم وليد الصدفة بل كان ممنهجا.
قررت الدولة تبنى التطور العلمى بكل طاقتها لتحقق النجاح فيه، حيث وفرت التمويل اللازم للتطور العلمى دون أن تقف كثيرا أنها دولة ظروفها صعبه او اقتصادها ضعيف أو ربما لم يكن عندها بنية اقتصادية وقتها، بل كانت الأولوية لكل ما يؤدى الى التطور العلمى السريع.
وفرت الدولة الارض اللازمة لبناء المواقع العلمية فى انحاء الدولة المختلفة دون اى معوقات مالية أو ادارية، ورأيت هذا بنفسي بل وزرت معامل علمية كثيرة، وحقيقة نجد العكس فى دول كثيرة تتجه سريعا إلى التدهور العلمى حيث تهدم المبانى العلمية والقيم العلمية وتسحب الاراضى التابعة للانشطة العلمية مبررة ذلك بما لا يعبر إلا عن الجهل ويؤدى إلى التخلف.
وفرت الدولة الاحترام والتقدير المالى والأدبى لكل الباحثين والعلماء بالمعامل البحثية ومراكز البحث والجامعات، وبالتأكيد كان هذا مرهق للدولة جدا ولكنه كان اختيارا لطريق النمو الذى حدث بمعدل سبقت به كل دول العالم، حيث وفر العلم لدولة الصين كل ما تغزو به العالم ، فعلى سبيل المثال تحول كل ما يعيق التقدم بالدولة إلى مميزات نسبية، فمثلا تعداد السكان الذى كان نقمة تحول إلى نعمة بفضل العلم.
تحول كل نتائج البحث العلمى إلى واقع يمشى على الارض بشكل مباشر، وفى مجال الزراعة تستطيع أن تقول أن الصين تقدمت فى الزراعة حيث سبقت معاهد علمية عالمية معروفة مثلا فى إنتاج أصناف جديدة صينية وليس مجرد اكثار تقاوى، ورأيت ذلك فى أصناف موالح لا حصر لها، بالرغم من أن دول كثيرة سبقت الصين كمدارس علمية أصيلة إلا أن الصين لم تضيع الوقت ولم تضيع البحوث ونتائجها ولم تتركها دون استغلال وتطبيق.
استخدمت كل الأدوات التى تساعد فى بناء كوادر علمية متميزة وذلك عن طريق :
جلب العلماء المتميزين الاجانب فى دول مختلفة ليعملوا فى الصين لمدة ٣ سنوات وانشأت معامل بأسمائهم ووفرت لهم باحثين يعملون تحت قيادتهم ، وبالتالى أنشأت مدارس علمية كثيرة مختلفة التخصصات قوية حديثة فى خلال سنوات بسيطة جدا.
قامت ببعث أعداد مهولة من الباحثين ليتعلموا فى الجامعات المتقدمة على مستوى العالم.. هذه الاعداد منهم من عاد إلى ارض الصين محملا بعلوم جديدة ومعارف جديدة يطبقها وينشرها، ومنهم من استمر يعمل بالخارج فى الجامعات و المراكز البحثية، وهؤلاء الذين استمروا أصبحوا مواقع تستقبل الوافدين أو المبعثوين الصينيين للتعلم فى الخارج تمهد لهم الارض وتعلمهم وتنسق لهم الحياة المعيشية والعلمية السليمة، والاهم من كل هذا إن الصين اكتسبت ولاء كل العلماء المقيمين فى الخارج ليكونوا أدوات نقل التكنولوجيا أولا بأول.. اكتساب الولاء لم يكن بالحفلات ولا بالبروباجندا ولكن بالتقدير الصحيح لكل الباحثين والعلماء فى الداخل قبل الخارج، فأصبح العلماء بالمهجر مطمئنين وأصبحوا روافد نقل علمية دائمة.
والسؤال.. هل نستطيع أن نلحق بالركب العلمى أو حتى نسبقه فى مجال البحث العلمى؟
نعم بالتأكيد بالايمان بذلك والإجراءات الصحيحة على الارض..
لآبد من أن تعى قيادة الدولة المصرية جيدا أنه لن يتبنى العلم من لا يؤمنون به حيث فاقد الشئ لا يعطيه، وأن تكون إدارة البحث العلمى من العلماء وليس من طامعى المناصب السياسية وليس تبعا للأهواء أو لسياسات تقمع أو تكبت الفكر فالابداع العلمى هو انطلاق ولا يأتى الإنطلاق إلا بتوفير الحق الكامل و الحرية للابداع.. وابعاد العلوم تماما عن الصراعات السياسية أو المجتمعية وعن تغير الحكومات والقائمين عليها.. العلم والبحث العلمى ليس قضية مرتبطة بفترة زمنية أو عهد أو عهود ولكنه مرتبط بمستقبل أمة.
ويقينا إنه كلما زاد عدد المبعوثين للخارج كلما خطونا خطوة نحو الامام.. واعتقد اننا فى فترة تحتاج إلى الالاف من المبعوثين سنويا إلى لم يكن عشرات الالاف من الباحثين لضمان اكتساب مناهج علمية وطرق تفكير مختلفة وخبرات مختلفة تنصهر على أرض مصر لتحقق ما هو أعظم من كل دول العالم.. كما أن توفير البيئة والمناخ العلمى الصحيح للمبعوثين حين عودتهم حتى لا يضيع ما تعلموه فى الفراغ، وللاسف هذا حدث ويحدث كثيرا منذ بداية عهد السادات وتعاظم جدا خلال عهد مبارك ومستمر حتى الان.. فليس هناك بيئة علمية سليمة من إدارة وامكانيات وحل مشاكل الباحثين التى تعيق تفرغهم الكامل..
نحتاج إلى قرار واضح شامل جرئ من القيادة السياسية .. بنهضة علمية قوية سريعة الخطوات والقفزات تعتمد على كل القوى البشرية المتاحة والموارد البشرية التى تتاح لاحقا وبمنهاج سليم.
أنشئوا المعاهد البحثية العلمية المتخصصة الكثيرة فى كل مناحى العلم وعلى كل ارض مصر وابعثوا الباحثين للخارج ووفروا قيادات علمية.. و انتبهوا جيدا.. لن يحل المشاكل من شاركوا فى وجودها.. لو كانوا صالحين لما وصلنا إلى ما نحن فيه.