تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن السدود ومنذ فجر التاريخ هي رمز للبناء والحضارة والنماء والازدهار .
وكان من الممكن لسد النهضة أن يكون كذلك ، باعتباره مشروع تنموي عملاق يحتذي به .. عابر للدول محقق للتنمية والتعاون في كل منطقة شرق إفريقيا ومصر والسودان ودول أخري داخل القارة الإفريقية وخارجها .
ولكنه يتحول الآن للأسف ويقترب بشدة من كونه وبامتياز رمز كبير للحرب والخراب والدمار وغرق المنطقة في حقبة من الأزمات والصراعات بكل أشكالها .
الأشهر الخمسة القادمة هي وللأسف أيضا المدة الزمنية التي ستحدد إلي أي من الحالتين سيصير وينتهي هذا الرمز .
وفقا لمعطيات الموقف التي عرفناها في علم السياسة .. دراسة نظرية وتطبيقا عمليا ،
فإن التأزم هو للأسف سيد الموقف الآن وهو البديل الأكثر ترجيحا للإستمرار وبنسبة كبيرة .
فإثيوبيا ماضية في غِيِّها وتصلبها واستفزازها ، ولن تتراجع عن موقفها هذا بالوسائل وآليات التعامل الحالية وبما في ذلك مفاوضات الإتحاد الإفريقي .
وطبول الحرب تدق علي الحدود السودانية الإثيوبية ومنطقة بني شنقول القريبة جدا من سد النهضة .
وهنا حديث يطول ، ولكن لا أري من المناسب الخوض فيه في هذا المقام .
كما أن صبر مصر والسودان قد طال كثيرا ، ويصعب المراهنة علي استمراره علي هذا النحو .
كما أتوقع أن يحال الملف مجددا للأمم المتحدة ربما بمرجعيات ومطالب مختلفة عن المرة الأولي ،
ولكن لا أتوقع صدور قرار ملزم عن مجلس الأمن ، حيث يصعب جدا تحقيق إجماع من الدول الخمس دائمة العضوية وخاصة الصين وروسيا ” دولتا منابع نهرية كإثيوبيا ومصالح في شرق إفريقيا ” وربما أمريكا بايدن .
وقد ينتهي الأمر في الغالب بصدور بيان رئاسي عن المجلس يحث الأطراف علي العودة للتفاوض .
ورغم ذلك فإن العودة للأمم المتحدة خطوة هامة تسبق وتمهد للبدائل الأخري في التعامل مع هذا الملف الذي وصل الآن إلي مرحلة ما قبل الانفجار .
وتقترب في أهميتها من أهمية التنسيق مع بعض الدول الإفريقية التي تتفهم موقف مصر والسودان وضمان مساندتها إذا سارت الأمور في منحي آخر ، وعلي رأس هذه الدول الكونجو وجنوب السودان وبدرجة أقل كينيا وتنزانيا وآخرين .
وقبل ذلك قطعا تأكيد تحالفاتنا الاستراتيجية العربية وعلي رأسها السعودية والإمارات . وبعض الدول الأوربية الكبري وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا .
وضع علاقاتنا بالسودان جيد جدا في هذه المرحله ويتعين استغلاله لتصفية أية عوالق قد تشوب علاقاتنا مع الأشقاء في الخرطوم ، وتنفيذ ما لم نكن راغبين فيه في الفترة الماضية نتيجة تذبذب علاقاتنا بالسودان .
وهي فرصة ثمينة في تقديري يتعين تعظيم الاستفادة منها خاصة في الأشهر الخمسة القادمة والحاسمة .
قرار الحرب مر وخوضها أكثر مرارة وقسوة ، تماما كقرار السير في هذا المسار غير المجدي ، وغير المثمر إلا عن فرض إثيوبيا لحقائق وقواعد جديدة ذات أثمان باهظة علي مصر والسودان ومستقبل أجيالهما القادمة .
قيادتنا واعية بكل ما تقدم ، وبتفاصيل ما لا نعلم .
ولا نملك لها سوي المساندة والثقة فيما تفعل والدعم لما تقرر ، والكلمة الصادقة التي نرجو أن تكون واعية ،
مع الدعاء بأن يلهمها الله الصواب ويرزقها البطانة المخلصة الشجاعة العاقلة .
سفير محمد مرسي- سفير بوزارة الخارجية سابقا