الدكتور نصر علام يكتب : مخاطر عقد إتفاق جزئي لملء سد النهضة
تحاول أثيوبيا من خلال اضاعة وقت المفاوضات والاقتراب من قرب موعد الفيضان القادم والمحدد لملء المرحلة الثانية من سد النهضة، للضغط على كل من مصر والسودان لقبول بإتفاق جزئى بخصوص ملء سد النهضة، بحجة أن الملء قد يستغرق ٧ سنوات أو أكثر، وأنه أثناء هذه المدة سوف تتمكن الدول الثلاثة من التوصل لاتفاقية أخرى لتشغيل السد.
وتحاول أثيوبيا إقناع مصر والسودان بأن مثل هذه الاتفاقية ستقلل الضغوط الشعبية على حكومتيهما وإظهار أنهما على مسار الحل المرضى لشعبيهما، وأن ذلك سيزيد الثقة بين حكومات الدول الثلاث لاتخاذ قرارات اكثر جرأة وقوة فى المستقبل.
وقد سبق أن حذرنا من مثل هذا الاتفاق الجزئى قبل ملء المرحلة الأولى للسد فى الصيف الماضى وأعلن ذلك السيد الرئيس السيسي بنفسه فى جلاء ووضوح شديدين. وقبل أيام أعلنت السودان أيضا رفض هذا المقترح الأثيوبى باتفاقية جزئية، وأن أى اتفاقية يجب أن تكون متكاملة للملء والتشغيل معا، وأن تكون ملزمة قانونيا للدول الثلاثة، وأن السودان له خيارات أخرى فى حالة فشل المفاوضات!! تحية قوية للاخوة الأشقاء فى السودان، تصريحات قوية ونابهة بالرغم من بعض التعجب حول مطالبهم بدور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي فى المفاوضات!! وأخيرا السؤال الضروري هنا، عماهى مخاطر الاتفاق الجزئي!؟
ملء سد النهضة سيكون على حساب مخزون بحيرة ناصر
من المعلوم أن ملء سد النهضة سيكون أولا وأخيرا على حساب مخزون بحيرة ناصر (السد العالى)، والبحيرة بها سعة حية تبلغ ٩٠ مليار متر مكعب والتى سوف يستنزف معظمها فى ملء سد النهضة، مما يهدر على الأقل ٥٠٪ من كهرباء السد العالى أثناء فترة ملء سد النهضة، وقد تتوقف التوربينات اذا ماتم الملء فى سنوات جفاف. ومن الواضح تماما أن ملء السد الإثيوبي سيكون على حساب المخزون المائى الاستراتيجى لمصر وأيضا على حساب معظم انتاج كهرباء السد العالى لفائدة توليد كهرباء سد النهضة. ولذلك فإن اجراءات ملء السد الأثيوبي هو لصالح أثيوبيا ١٠٠٪ وضرر واقع على مصر بنفس النسبة، وليس هناك أى مكسب حقيقى ذو بال لمصر من عقد اتفاق قانوني مع أثيوبيا لملء السد فقط، فالفائدة محدودة لمصر طالما لم يتم الاتفاق على قواعد تشغيل السد أثناء فترات الجفاف بعد استنزاف معظم المخزون المائي للسد العالى فى ملء بحيرة سد النهضة، مما يعرض مصر والمصريين لمخاطر العطش والجفاف كما كان الحال قبل بناء السد العالى. والحوار مستمر!!
مطلوب اتفاق مع أثيوبيا حول معدلات اعادة ملء سد النهضة
تشيع أثيوبيا وبعض الأميين والمغرضين هنا وهناك أن مخاطر سد النهضة تتمثل أساسا فى فترة ملء السد، بحجة أنه بعد الانتهاء من الملء ستخرج المياه الواردة للسد بالكامل لكل من مصر والسودان باستثناء بعض فواقد السد المائية من بخر ورشح، لأن السد مملوء بالمياه ولابد ان يتم صرف الوارد تقريبا بالكامل لدولتى المصب. ويتناسى هؤلاء أن مياه النيل الأزرق تتغير كمياتها من موسم لموسم ومن سنة لأخر مابين فيضانات عالية الى جفاف شديد تتراوح النسبة بين كمياتها المائية ١:٣ تقريبا. وفى سنوات الجفاف المتتالية (الجفاف الممتد) سيتضطر مشغلو سد النهضة الى صرف كميات من المخزون المائى لتوليد كهرباء السد التصميمية نتيجة للنقص الشديد فى تصرف النهر.
ومن سنة لأخرى سينفذ المخزون المائى لسد النهضة فى دورات الجفاف الممتد ومعه ايضا مخزون السد العالى الذى سيستخدم لسد احتياجات مصر فى الجفاف. والنتيجة هو نفاذ المخزون المائى أو معظمه فى السدين النهضة والعالى، وعندما ينتهى الجفاف وتبدأ دورة الفيضانات العالية ليبدأ التخزين أولا فى سد النهضة حتى يكتمل، وبعد ملء سد النهضة، يبدأ ملء السد العالى اذا كانت دورة الفيضانات العالية مازالت مستمرة أو حتى فيضانات أقل مايطيل من فترة فراغ السد العالى من المخزون المائى.
والنتيجة الطبيعية المتوقعة ان ينحسر مخزون السد العالى على المدى الطويل بشكل كبير أو كامل. مما يتطلب ضرورة أن يكون هناك اتفاق مع أثيوبيا حول معدلات اعادة ملء سد النهضة فى اتفاقية تشغيل السد والا تعرضت مصر للحرمان من المخزون المائى للسد العالى والذى يضمن لها الحد الأدنى من الأمن المائى فى سنوات الجفاف، ويحافظ على توليد حد أدنى من كهرباء السد. الخلاصة أن اعادة ملء سد النهضة قد يكون أشد خطورة من الملء الأول للسد، وأن الاتفاق على سياسة تشغيل سد النهضة ضرورة وخطوة أساسية للحفاظ على الأمن المائى المصرى والسودانى. وللحديث بقية!!
مزاعم اثيوبيا حول سياسة تشغيل سد النهضة
أثيوبيا تزعم أن سياسة تشغيل سد النهضة تمثل جزء أساسي من سيادتها ولا تستطيع مشاركة سيادتها مع دول أخرى، فالسد سدها والأرض أرضها وتزعم أيضا أن الماء مائها فكيف تعقد اتفاقا مع دول أخرى تحدد فيه كيفية ادارتها لمواردها وممتلكاتها الذاتية. وتدعى أثيوبيا أن أى اتفاق قانونى ملزم حول سياسة تشغيل سد النهضة مع مصر والسودان يعتبر تدخلا سافرا من الدولتين فى سيادتها وشؤونها الداخلية!! وإكراما وتفضلا من أثيوبيا أعلنت أنه لامانع لديها من الاتفاق مع دولتى المصب على قواعد ارشادية لتشغيل السد مع الاحتفاظ بحقها فى تغيير هذه القواعد الارشادية حسب احتياجاتها الداخلية من المياه ومشاريعها للتنمية المستقبلية!! وتطالب أثيوبيا من دولتى المصب مصر والسودان بالموافقة المسبقة على جميع مشاريعها المائية المستقبلية على النيل الأزرق، وأن أثيوبيا غير مضطرة الى اجراءات القانون الدولى من اخطار مسبق وموافقة دولتى المصب على هذه المشاريع.
وتدافع أثيوبيا عن موقفها المتعنت هذا، بأن دولتى المصب يجب أن يلتحقا بإتفاقية عنتيبى والاتفاق على اعادة توزيع حصص مياه النيل على دوله الإحدى عشرة وذلك اذا أرادت مناقشة ودراسة مشاريع أثيوبيا المستقبلية تبعا لقواعد القانون الدولى وذلك بعد تخصيص حصة مائية لها تحت مظلة اتفاقية عنتيبى.
والخلاصة أنه إذا أرادت مصر والسودان اتفاق ملزم لسياسة تشغيل سد النهضة فعليهما أولا الإنضمام لإتفاقية عنتيبى، ثم الاتفاق على إعادة توزيع حصتهما المائية على دول الحوض، ثم الإتفاق مع أثيوبيا بعدها على قواعد تشغيل السد بعد استقطاع حصتها المائية لاستخداماتها الداخلية🙄!! والحوار لم ينتهى بعد!!