من البديهيات التى لاتحتاج إلى دليل أن ميلاد الرسل والانبياء هو ميلاد رحمة ومحبة وسلام للعالمين وجميعهم بعثهم الله لينشروا السلام والبناء والعمران وينيروا الطريق أمام البشرية في كل زمان ومكان من بداية رسل الله حتى خاتمهم سيدنا محمد بن عبد الله عليه وعلى جميع رسل الله أجمعين الصلاة وأتم التسليم الذى قال عنه ربه (وما أرسلماك إلا رحمة للعالمين ) .
وقد هنأ الحق سبحانه وتعالى بميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، ويوم ميلاده عم السلام العالم يقول تعالى : {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} وقد حدثت معجزات فى يوم ميلاده سجلها القراءان الذى يتلى الى يوم القيامة يقول تعالى قول تعالى : ” فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ انسيا ) .
وجاءات سورة كاملة فى القراءن الكريم تسمى بسورة مريم وهى الاسم الوحيد الذى ذكر فى القرءان الكريم من النساء ولم تذكر زوجات النبى محمد ولابناته وذلك تكريما للسيدة البتول ام المسيح عليه السلم وسجل القرءان طهرها وعفافها بقوله تعالى (ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) فهناك صله روحية وتقدير واحترام للمسيح عليه السلام وامه الطاهرة وهذا من صميم الايمان عند المسلمين .
كما أن ذكرى ميلاد الانبياء هي مناسبات سعيدة على البشرية نحتفل بها ونتذكر ما أرسلهم الله. بمبادئ كليه منها حفظ الأنفس والدين والأعراض والأموال والعقل، ولعمارة الأرض ونشر الرحمة، والأخلاق والقيم من أجل صلاح الناس وهي القيم التي يشترك فيها جميع الشرائع السماوية يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين”…
وللاسف تظهر علينا فى هذا التوقيت من كل عام وفى كل مناسبة يحتفل فيها اخوتنا المسيحيين بعض الفتاوى الهدامة والاراء الفاسدة واللهجات المتشددة والنزعة العنصرية المغذية للافكار الارهابية ويستغل اعداء الوطن هذه الظروف للتربص بالوطن ونشر الفتن وغرس روح الكراهية لضرب الاستقرار فى البلاد رافعين شعار الدين والدين منهم براء لأن الاسلام دين السلام ورسل الله جميعهم رسل سلام وامن وخير وبركة على مجتمعاتهم واهل الارض جميعا والمسلم الحقيقى يؤمن بذلك ويؤمن بالله وكل رسل الله ولايفرق بين احد من رسله يقول تعالى (امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله )
وقد قطعت مؤسسة الازهر الشريف وعلى رأسها فضيلة الامام الأكبر أ.د احمد الطيب شيخ الازهر وكذا دار الافتاء المصرية الطريق امام هذه الفتاوى بأصدارها بيانات للامة توضح فيه أن تهنئة أخوتنا المسيحيين بميلاد السيد المسيح هو من أبواب البر الذي أمرنا الله به و الذى وضع لنا دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة، فقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ))
وعلى كل متدبر لكلمات القرءان أن يعلم ان الله قد استعمل كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين ).وبالتالى فان تهنئة الأخوة المسيحيين بأعيادهم تندرج تحت باب الإحسان إليهم والبر بهم، وتدخل في باب لين الكلام وحسن الخطاب، وجميع هذه الأمور أمرنا الله عز وجل بها مع الناس جميعا دون تفرقة، يقول الله تعالى «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا “.
بل نحن مأمورون بما هو أكبر من التهنئة فقد اجاز دينينا الحنيف بأهل الكتاب مؤاكلتهم ومصاهرتهم، وهذا أكبر من التهنئة يقول تعالى ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)) .
وبالطبع فأن من لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين، كما قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) الروم: 21.وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره، وأم أولاده؟ وايضا من لوازم هذا الزواج وثمراته: المصاهرة بين الأسرتين،يقول تعالى ((وهو الذي خلق من الماء بشرا، فجعله نسباً وصهراً))
.ومن لوازم ذلك: وجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام، فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة اعياد او غيرها ولا يهنئها به؟ وما موقفه من أقاربه من جهة أمه، مثل الجد والجدة، والخال والخالة، وأولاد الأخوال والخالات، وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى، وقد قال تعالى: (( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )) ، وقال تعالى ايضا (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى )).فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق المسلم، ورحابة صدره، ووفاءه لأرحامه، فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن، وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” هكذا قال: “خالق الناس” ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن.
كما ان الجار في الإسلام له حقوق، سواء كان مسلما أم غير مسلم يقول النبى صلى الله عليه وسلم : “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” أي يجعله جزءا من الأسرة.
وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )) ا
ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا، والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا” وكما قال عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وكل ذلك يتوافق مع مقاصد الدين الإسلامي ويبرز سماحة الاسلام ووسطيته، وأن هذا الأمر من شأنه تزكية روح الأخوة في الوطن، والحفاظ على اللحمة الوطنية، ووصل الجار لجاره، ومشاركة الصديق صديقه فيما يسعده من مناسبات وما اجمل من قول الشاعر :أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وعندما يدعوا الاسلام إلى قيم التعايش والتسامح والاحترام، ويربى أتباعه على ذلك، فهي قِيم لا تتنافى مطلقا مع اعتزاز كل صاحب دين بدينه، وتمسكه به، فكلما ازداد المسلم فهما للإسلام كلما ازداد احتراما لغيره”. كما ان التهنئة من باب حسن الأخلاق التي أمرنا بها ولون من ألوان الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً لا قولاً وقد انتشر الإسلام في بلاد كثيرة لم تدخلها الجيوش، وإنما كان الخلق الإسلامي الذي مثله الرحالة والمهاجرون والتجار من عوامل نشر الإسلام في أمم ما زالت تحتفظ به حتى الآن في دول جنوب شرق آسيا . فما بالكم من شركاء الوطن والمصير وما بيننا روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، والعلاقات الطيبة والمعاملات اليومية والذود عن الوطن فى ساحة الجهاد والمواقف الانسانية والاجتماعية والطبية والاقتصادية الخ .
الخلاصة …..
اقول لاصحاب الفتاوى الفردية والغير متخصصة أو أصحاب الهوى والمصالح والذين يغزون بفكرهم الجماعات الإرهابية التى تسعى لنشر العنف والقتل وتدمر الأوطان والتي تحرم تهنئة إخوتنا المسيحيين بميلاد السيد المسيح عليه السلام فتاواكم قد عاف عليها الزمان وكفاكم زرعا للفتن وتصديرا للكراهية والبغض بحجة الدفاع عن الاسلام والاسلام منكم براء واقول لكل مسلم حريص على دينة خذو حذركم من هذه الفتاوى والدولة المصرية دولة مؤسسات ويكفينا فخرا وعزا بان فة مصر مؤسسة الازهر الشريف اكبر جامعة فى العالم وحصن الاسلام وقول لاصحاب الافكار المدمرة مهما فعلتم فان النسيج المصرى قوي ومتين لا يستطيع أحد أن يقطعه ما داموا في رباط ووحدة، ومعدن الشعب المصري يظهر دائمًا في تماسكه أمام التحديات الكبيرة التي نمر بها على مر التاريخ ، وهو ما يفشل كافة المحاولات من قبل الجماعات المتطرفة وغيرها التي تسعى للنيل من مصر. والهوية المصرية الحقيقة محفوظة بترابط المصريين إلى يوم الدين. .
كل عام والاخوة الاقباط شركا ء الوطن بخير وسعادة ومصر فى امن وامان وسلم وسلام فى حفظ وعناية الرحمن واولادها المخلصين .
أ.د/ ابراهيم درويش وكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية لخدمة المجتمع وتنمية البيئة