هاتفني صديق لي صاحب فكر ، سائلا عن الصحة و الحال فأجبته، الحمد لله فقال : منذ فترة بدأت علاقتي بأساتذة القلب بعد أن اشتكي مما حاق به بفعل عوامل الزمن وكذا أفعال البشر، وبعد تحاليل وأشعات وأدوية كثيرة بدأت أقرأ وأبحث عن أسباب ما حدث لي فقيل من ضمن ما قيل إنه نظامك الغذائي والذي لا يختلف عن نظام عامة المصريين من ضرورة أن يكون الطعام دسما حريفا ولا بد من إضافة كثير من الملح والتوابل ثم وعقب ذلك لا بد من “الحبسة بشاي في الخمسينة عليه تلاث أربع ملاعق سكر” وهذه طبيعة حياتنا الغذائية كمصريين والتي يجب أن تتغير، فقلت وبماذا خرجت من تجربتك تلك يا خبير القلوب الآن؟ فأجابني بسؤال: هل تصلي الفجر؟ فقلت محرجا الحقيقة ليس بشكل دائم وحسب الظروف وإن كنت لا أترك فرضا بفضل الله، فقال جرب كدا تغير نظام حياتك ونم مبكرا بحد أقصي العاشرة مساءا، وعدته بتلبية طلبه مفكرا في كيف لي بعدم متابعة طلات إعلاميبنا و الذين تبدأ برامجهم من السابعة مساءا ولا تنتهي قبل الثالثة صباحا كل يوم مع ضيوفهم والذين هم في كل واد يهيمون يقدمون الكثير من الغث وقليل من الثمين.
فاستعنت بالله وأصمت جرس هاتفي ونمت في التاسعة مساءا ووجدتني وبدون إيقاظ من أحد أستيقظ علي صوت مذياع مسجد قريب يؤذن للفجر فقمت وتوضأت ثم هممت بالصلاة بالبيت إلا أني تذكرت نصيحة صديقي العزيز بالذهاب لصلاة الفجر بالمسجد حتي لو بها بعض المشقة المصحوبة ببرودة الجو في ديسمبر فتوكلت علي الله وذهبت مسرعا لألحق بالإمام وقد بدأ صلاته، ويا لروعة وخشوع صوته فقلت في نفسي ولماذا كنت تحرم نفسك من أمر كهذا فصليت مع المصليين وأغلبهم فوق الستين وأنا ألاحقهم وتلفت حولي بعد الصلاة فلم أجد من الشباب إلا قلة، فقلت في نفسي ذاك بسبب تقصيري كأب مع إبني وزملائه، أهملناهم وأهملنا أمرهم وتركناهم نهبا للموبايل والكافيه يشكلان أدمغتهم، يسرقانهم ويمنعانهم من أن يردوا بيوت الله.
أنهيت صلاتي هاما بالعودة للبيت فتذكرت نصيحة صديقي “جرب المشي بعد صلاة الفجر لنصف ساعة” فأخذت بنصيحته وبدأت رحلة المشى المنصوح بها لأعضاء قسم القلب فوجدتنى أتنفس هواءا نقيا لا عادم فيه فالكل نائم ولا سيارات تلاحق بعضها بالشارع، ثم أخذت أقلب ناظري متسائلا هل أمطرت اليوم؟
قلتها وأنا أري سيلا متدفقا من المياه يقابلنى صانعا لنفسه مجري في قلب شارع بالكاد قام الحي بإعادة رصف ما تكسر منه سابقا بفعل فاعل فوجدت ما يزيد القلب وجعا وهي خراطيم المياه المنطلقة كخراطيم مياه أبطالنا في حرب أكتوبر والتي كانت تهد خطا منيعا يسمح لجنودنا بعبور الهزيمة إلي رحابة النصر، إلا أن جنودنا البواسل هنا هذه المرة هم حراس العقارات يطلقونها لغسيل السيارات مدمرين بها شوارعنا وللأسف صار هؤلاء وبجوار عملهم حراسا للعقارات ملاكا لتلك اللعنة التي صبت علينا وهي”التوكتوك والذي تركوه لأطفالهم وصبيانهم و مراهقيهم بسلوكياتهم الشاذة التي يحاولون فرضها علي المقطم وأهله وجلهم مثقفون حالمون بالهدوء
والذين لا يملكون في مواجهتهم إلا قلما بها يخطون أو صوتا به يصرخون لعل صرختهم تجد آذانا صاغية ترد سطوة هؤلاء الذين يهدرون مئات بل آلاف الأمتار المكعبة من “مياه الشرب” بخراطيمهم التي يغسلون بها السيارات ويهدرون بسلوكيات أبنائهم الشاذة وهم الملاك الجدد للتوكتوك” إلا ما رحم ربي” كرامة السكان متدثرين بظلام ما تبقي من ليل يغادر وبوادر ضوء خافت لنهار يريد أن ينجلي متأكدين ألا عين غير عين الله ستراهم ولذا فهم لا يخشون شيئا فلن يراهم أحد من المسئولين يردعهم بمخالفة تغل أيديهم عن الاستمرار في إهدار مياه تدفع فيها ومن أجلها الدولة أموالا طائلة ضمانا لشربة ماء بل ويدفع أبناؤها حياتهم ثمنا لاستمرار تدفقها من نيلنا العظيم
فقلت جزاك الله خيرا يا صديقي علي حثي علي صلاة الفجر وسامحك علي أن زدت قلبي تعبا برؤيتي هؤلاء المفسدون في الأرض، وللحديث بقية مع إطلالة فجر جديد.