الدكتور على عبد الرحمن يكتب : مشكلات الفقر وأنواعه وجائحة كورونا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أصدر البنك الدولي تقرير الفقر والرخاء المشترك الذي يصدر كل سنتين، والذي يقدم أشمل صورة ممكنة عن الفقر في جميع أنحاء العالم.
• لا يمكن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الانتظار حتى تنتهي الجائحة لبدء إعادة بناء المنطقة.
• فللمرة الأولى منذ عام 1988، عندما بدأ البنك الدولي في تتبع الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم، يرتفع معدل الفقر. وفي هذا العام، سينزلق ما بين 88 و 115 مليون شخص إلى براثن الفقر المدقع، ليتراوح المجموع بين 703 ملايين و729 مليون شخص.
• وتتحمل جائحة كورونا قدراً كبيراً من المسؤولية عن ذلك، لكن الأسباب تشمل أيضاً الصراع وتغير المناخ.
• إن هدف الحد من على الفقر المدقع بحلول عام 2030 على الصعيد العالمي.
• فالمشهد العالمي يثير القلق بالفعل، ولكن الأدلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأسوأ.
• فقبل بداية الجائحة، كانت المنطقة هي الوحيدة في العالم التي يتزايد فيها معدل الفقر المدقع، وذلك بسبب الصراعات في بعض البلدان.
• وقد عزز الانكماش الاقتصادي في بلدان من هذا الاتجاه.
• وأدت جائحة كورونا إلى زيادة تفاقم الوضع. فمن المتوقع أن يكون ثلاثة ملايين شخص آخرين قد سقطوا في براثن الفقر المدقع في المنطقة بسبب الجائحة وحدها.
• ولسوء الحظ، تعطي هذه التوقعات تقديراً متحفظاً للتأثير الحقيقي الذي تحدثه الجائحة على الفقر المدقع.
• وتبين دراسات مسحية جرت عبر الهاتف كيف أن الناس يفقدون سبل كسب عيشهم بدرجة عالية وكيف ينتشر الفقر بين السكان الذين كانوا في السابق بمنأى نسبياً عن ذلك:
1. الذين يعيشون في المدن
2. أصحاب الشركات الصغيرة (بالقطاع غير الرسمي).
• وتفاقمت البطالة، التي كانت مرتفعة أصلا قبل الأزمة، مما زاد من خفض فرص العمل المحدودة للغاية للشباب والنساء بالمنطقة.
• كما أن انعدام الأمن الغذائي آخذ في الازدياد، وكذلك العنف القائم على نوع الجنس.
• وسيبقى أثر الجائحة لفترة طويلة. وقد ترك العديد من التلاميذ مدارسهم، مما قلل من تحسن الآفاق الاقتصادية للجيل القادم، كل ذلك يشير إلى أن عواقب هذه الجائحة سوف تستمر طويلاً. وأدى إلى:
1. تفاقم مؤشرات رأس المال البشري المتواضعة
2. زيادة حجم الدين العام الاحتياطيات الأجنبية
3. ارتفاع معدلات القروض المتعثرة
4. تدهور ماليات القطاع العام، بسبب الانخفاض في تحصيل الضرائب
5. الخدمات العامة آخذة في التراجع
• وتفشت الجائحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وقت كان فيه مستوى الرضا عن الحياة قد انخفض بالفعل.
• ويأخذ مقياس الرضا عن الحياة معنى خاصاً في المنطقة، لأنه كان المؤشر الوحيد الذي يشير – قبل أحداث الربيع العربي – إلى أن شيئاً ما كان خطئاً.
• فلم ترفع مقاييس التنمية التقليدية، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعامل جيني، والحد من الفقر المدقع أي علامات إنذار في ذلك الوقت.
• لكن التدابير الأقل تقليدية للرفاهة، مثل الرضا عن الحياة، ألمحت إلى تنامي الاستياء الذي اندلع في نهاية المطاف في حركات مدنية مكثفة.
• وفي أعقاب أحداث الربيع العربي عام 2011، انخفض مستوى الرضا عن الحياة أكثر، ثم تعافى في السنوات الثلاث التالية.
• ومع ذلك، فمنذ عام 2015، يسجل الرضا عن الحياة انخفاضاً حاداً أكثر وضوحاً مع استبعاد البلدان الثلاثة التي اندلعت فيها حرب أهلية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
• ويتناقض هذا الاتجاه بالمنطقة تناقضاً حاداً مع الاتجاه السائد في بقية أنحاء العالم، حيث ازداد الرضا عن الحياة.
• فقبل تفشي الجائحة، كان الرضا عن الحياة في 11 بلداً من بين 14 بلداً تم جمع بيانات عنها أقل مما كان عليه قبل الربيع العربي.
• وإن انخفاض الرضا عن الحياة هو، في حد ذاته، سبب للقلق.
• وفيما يتعلق بتدهور مؤشرات التنمية، فإن هذا الأمر يدعو إلى الانزعاج، لا لأن المشاركين في السياسة تضرروا بشكل خاص على الأقل من انخفاض النتائج الاقتصادية.
• وأكثر من نصف الفقراء فقرا مدقعا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم دون سن 15 عاماً.
• والبطالة أسوأ بين الشباب. ويوجد فقراء جدد بصفة خاصة في المدن.
• فشباب المدن غير الراضين والعاطلين عن العمل يجعلون الوضع في أفضل الظروف قابلا للانفجار.
• وإلى جانب الجائحة التي تغلق الأبواب على الكثيرين في منازلهم، لا يمكن للمرء إلا أن يتصور درجة الإحباط المكبوت.
• ولا يمكن سوى تشجيع النشاط السياسي، لكن الإرث الذي تركه الربيع العربي ليس إيجابياً بشكل موحد.
• فصانع القرار النشط الاستباقي يُوجه طاقة الشباب نحو أهداف تؤدي إلى نتائج أفضل للجميع.
• وهذا يتطلب اتخاذ تدابير تتجاوز العديد من التدابير المتخذة للتصدي للجائحة، مثلك
1. زيادة التحويلات الاجتماعية، والاستثمار في الرعاية الصحية
2. تقديم الخدمات عبر الإنترنت.
• وللأسف، لا يجري اتخاذ سوى القليل من هذه التدابير الإصلاحية.
• وقد تباطأ إلى حد كبير تمويل سياسات التنمية، الذي يعتمد على تنفيذ برامج إصلاح طموحة.
• كما إن المبادرات الرامية إلى تسريع التحول الرقمي، أو تحسين القدرة التنافسية والشفافية، تتقدم بوتيرة توحي بأن الحاجة الملحة محدودة.
• وقد حان الوقت لإجراء إصلاحات جريئة، لإظهار الاستعداد “لإعادة البناء بشكل أفضل”، وتحسين آفاق الملايين من المواطنين.
• فتقرير الفقر والرخاء المشترك وغيره من مؤشرات التنمية تبين أنه لا يوجد وقت للتهاون. لقد حان وقت العمل!
أ.د/علي عبدالرحمن علي
رئيس الاتحاد الدولي للاستثمار والتنمية والبيئة