يتفاضل الناس فيما بينهم بمجموعة من المعايير مثل الغني والقوى الوسيم الجميل الرياضي والنسب الرفيع صاحب الأخلاق على اساسها يحترمون ويقدرون بعضهم البعض . .اما المعياران الذى أعتمدهما القرآن للترجيح بين البشرهما
المعيار الأول : معيار (ا لعلم )
لقوله تعالى﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ).
والمعيار الثانى (العمل )
لقوله تعالى :﴿ ولكل درجات مما عملوا﴾ وهو الرزق المطالبون بالزيادة منه لقواه تعالى ﴿ وقل رب زدني علما) وطالبه فى كنف الله ورعايته فمن سلك طريقاً يلتمس به علماً، سهل الله به طريقاً إلى الجنة
وهناك رابطة وعلاقة بين العلم والعمل فبقدر علمك يصلح عملك، و سعادتك الدنيوية والأخروية واذا قورن العلم بشىء يرجحة
فالعلم خير من المال، التى يتكالب عليه الناس لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالانفاق.
والعمل النافع والمتقن لا يكون إلا بالعلم، فسلامتك، وسعادتك متعلقة بعملك، وعملك أساسه العلم، من هذه الاهمية طلب العلم إذاً فريضة على كل مسلم
وكل المصائب والمشكلات تأتى من البعد عن العلم وغيابه يحل محله الجهل والتطرف والتعصب سواء لشخص أو جماعة لدين مُعَيَّنٍ أو حتى لمذهب في دين معين
ومعنى التطرف هو (الوقوف في الطرف ) أو (مجاوزة حد الاعتدال) أو الاندفاع غير متوازين والتحمس المطلق لفكر واحد حتى لو خطأ مما يؤدى به اضطراب نفسى يفقده حاسة التمييز بين الحسن والاحسن والسىء والاسوأ .
والمتطرف يبتعد عن المجتمع ..فى الطرف الأقصى فى الحياة العامة ويطلق على هذا الشخص اتعزالى أو انطوائى أو شاذا داخل المجتمع
ولايوجد إسلام معتدل أو وسطى أو إسلام متطرف بل الدين له مفهوم واحد فدين الاسلام واحد وقوله تعالى (وكذلك جعلناكم امة وسطا ) اى عدولا
الأسباب التى تؤدى إلى التطرف
وهناك عدة أسباب تؤدى إلى الإنحراف والتطرف والتعصب والذى كان بيئة خصبة للارهاب لعل أهمها مايلى :
السبب الاول الجهل بالدين: وفقد القدرة على مقياس الحلال والحرام وفهم النصوص الشرعية
واغفال القاعدة الشرعية التى تقول ان كل ماجاء به الدين فهو يسر لاحرج فيه لقوله تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )[الحج:78] :و “الناس أعداء ما جهلوا” فليس كل ما جهله الناس حراماً، ولا كل ما عرفه الناس وأقروه مباحاً،
بل الحرام ما حرمه الله أو رسوله بالنص الصحيح، والحلال ما أباحه الله ورسوله بالنص الصحيح الصريح، أو سكت عنه، وما سكت عنه فهو عفو، ، ومن المعلوم أن محرم الحلال كمحلل الحرام سواءً بسواء، الإنسان الذي يقول: إن الخبز أو التمر حرام، هو بالضبط مثل الإنسان الذي يقول: إن الخمر حلال، فكلاهما سواء. فمن قال عن شيء مباح: إنه حرام، فهو كمن قال عن شيء محرم: إنه حلال، وهما بمنزلة واحدة.
السبب الثانى عدم التفرقة بين النص الإلـٰهي وأقوال العلماء :
حيث يعتبر البعض أن أقوال العلماء أو الفقهاء او المشايخ ديناً غير قابل للخطأ أو المناقشة، فتراهم يدافعون عن أقوال العلماء مثلما يدافعون عن النص الإلـٰهي.. ويقول قال شيخى ، ومن الغريب أن أصحاب الأقوال الشاذة المتطرفة لا هم لهم إلا التقليل واتهام العلماء بحجج محتلفه سواء بالاتهام بضعف العلم او أنهم علماء سلطة وشتان الفارق بين العلماء الذين يدافعون عن الدين والأوطان وعلماء يدعون إلى التطرف والعدوان .
السبب الثالث الانحراف عن معايير العدالة والعقلانية :
والإصرار على الرأى وعدم وزن الأمور بميزان العدالة والعقلانية وبالتالى عدم تقبل الآخر والتصور التآمري للآخر والذي يجعل الشخص يرى الآخر على أنه العدو أو الخصم المخالف دائماً.
السبب الرابع وسواس الفرقة الناجية :
ومؤداها أن المتعصبين دينياً، أينما كانوا، يؤمنون قطعياً أن فئتهم هي الفئة الناجية من دون البشر، او هكذا يسوق أصحاب الهوى لافكارهم مما يؤدي بالضرورة إلى إلغاء الحوار والاختلاف والاجتهاد، بل تعطيل فعالية العقل، لأن الأمر في منطق المتعصبين منتهٍ، وله أجوبته الحاسمة والجاهزة.
السبب الخامس : الفجوة المعلوماتية:
فعلماء المسلمين منذ عصر التدوين إلى اليوم يختارون ما يريدون إبلاغ العامة به مِما هو موجود في كتب تراثنا ويتركون أجزاء كثيرة من هذا التراث في بطون أمهات كتبنا بعيدة عن علم ووجدان عامة المسلمين، وقد تسببت هذه الاختيارية المنحازة في تكوين صور فيها غُلُو ومبالغة للرموز المؤسِّسَة للإسلام في أذهان العامة على حساب الموضوعية الوسطية الحقيقية.
السبب السادس : رواج أحاديث ضعيفة وموضوعة
وذلك بين المتمذهبين المتعصبين فيها إقرار لهم على ما هم فيه من اختلاف وتنافر، وهناك أحاديث غير صحيحة أو ضعيفة يستغلها هؤلاء المتعصبون استغلالاً فاحشاً لدعم آرائهم ومواقفهم. ويتخذونها أيضاً سنداً لهم لتكريس الانقسامات المذهبية والتعصبات الطائفية والفرقة والتناحر بين المسلمين، والمصيبة الكبرى أن التنظيمات الإرهابية باتت تتكلم بلسان أكثر من مليار مسلم، وتسعى بدأب لنيل الشرعية، وفرض أطروحاتها الكاذبة والترويج
السبب السابع -الطبيعة المتشددة:
فالله عز وجل خلق الناس متفاوتين في كل شيء، ثم كل إنسان يولد ويعيش ويتربى في بيئة، تؤثر عليه تأثيراً كبيراً سلباً أو إيجاباً، تؤثر على تفكيرة وفى اختياراته للادلة التى توافق طبيعة نشأته وليس ادل على ذلك اختلاف طباع اهل مكة عنوطباع اهل المدينة وبالتالى اختلاف طباع اهل البداوة والصجراء عن وطباع اهل المدن والحضر فإذا غفل المرء عن هذه الطبيعة الخاصة به، وصار يتكلم باسم الدين والفتيا، سيلتمس دون أن يشعر من الأدلة والأحكام، والفتاوى ما يناسب طبيعة نشئته ويتمسك به ويبتعد عن غيره ويتركه، فحينئذ يكون في ذلك الخطر الشديد.
السبب الثامن ضيق عقول كثير من الناس:
أو بمعنى أخر ان تأخذ الإنسان العزة بالاثم وهذا يحول بينهم وبين سماع الحق، ويجعلهم كما وصف الله عز وجل: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:32]. إنَّ ما يفعله كثير من الناس من الانطواء على أنفسهم، ونظرتهم إلى الآخرين على أنهم لا شيء عندهم، وأن الخير محصور فيهم هم فحسب، إنه خطر عظيم، وقد يودي بالإنسان والعياذ بالله إلى شيء من العجب والغرور، وهذا لا شك محبط للإعمال.
السبب التاسع الرد المعاكس للفساد:
العلماء يقولون: كل فعل له ردة فعل، فانتشار الفساد وكثرة الجرائم، وانفتاح الناس على الدنيا واستغراقهم فيها جعل هناك من يقف في الطرف الآخر ليتجرد من الدنيا ويبالغ في ذلك حتى تعدى الحدود المشروعة.
ولو نظرنا إلى نشأة الصوفية في الإسلام، لوجدناها كانت نتيجة انفتاح المسلمين على الدنيا، ولو نظرنا إلى نشأه الخوارج، لوجدناها أنها نشأت في ظروف مشابهة،
وهكذا تفرق المسلمون شيعاً وأحزاباً، واختلفوا في التيسير والتشديد، وليس يشفع للمتشدد أنه إنما شدد غضباً لحرمات الله. كما أنه لم يشفع للـخوارج أنهم تشددوا حمية للدين، فلقد قال الصادق المصدوق -في أحاديث صحاح متواترة عن الخوارج : {أنهم شر الخلق والخليقة، يمرقون من الدين كما يمرق السهم عن الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} ووصفهم بقوله: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، ومع ذلك يقرءون القرآن رطباً لا يجاوز حناجرهم}
وقال: {لو يعلم الذين يقتلونهم ما لهم عند الله من الأجر لنكلوا عن العمل} وسماهم كلاب النار، كل ذلك وهم يقولون: إن العاصي كافر، لو سألناكم وسألنا غيركم، ما هو الذي جعل الخوارج يحكمون على العصاة بأنهم كفار؟ هل هو التساهل في الدين؟ هل هو انتهاك لحرمات الله التشدد في الدين وتعظيم حرمات الله؟ لا، إنما هو بصورة تعدت ما شرع الله؛ حتى صاروا يبحثون عن النصوص التي توافق أهواءهم، ويعملون بها، ويأتون إلى النصوص التي لا توافقهم فيدفعونها عنهم بالأيدي، ويدعونها، ويتخلصون منها بالتأويل أو التضعيف أو غير ذلك. فلينظر كل امرئ لنفسه أنه لا يشفع له أن يكون غيوراً، إنما يشفع له أن يكون وقافاً عند حدود الله، وإن اتباع الهوى كما يكون في التساهل، يكون في التشدد، فأهواء الناس تختلف.
حفظ الله الوطن من كل سوء
الدكتور إبراهيم درويش أستاذ ورئيس قسم المحاصيل بكلية الزراعة جامعة المنوفية