في مواجهة التحديات المائية المتزايدة، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعًا مهمًا مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، وعدد من قيادات القوات المسلحة، لمتابعة الموقف المائي على مستوى الجمهورية، واستعراض الخطة القومية للموارد المائية والري حتى عام 2050 تحت شعار: “الأمن المائي للجميع”.
الجيل الثاني من منظومة الري.. نقلة نوعية
يمثل “الجيل الثاني من منظومة الري” ثورة جديدة في إدارة المياه داخل مصر، إذ يتجاوز تطوير أساليب الري التقليدية إلى إدارة شاملة وذكية للموارد المائية.
فهو يعتمد على:
$- استحداث موارد غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي المعالج.
&- استخدام الأقمار الصناعية والتكنولوجيا الرقمية لمتابعة المجاري المائية ورصد التعديات والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية.
&- حوكمة رشيدة من خلال قاعدة بيانات مركزية تضمن عدالة توزيع المياه بين الزراعة والصناعة والشرب.
&- تبني مفهوم الاستدامة بحيث تتحول كل قطرة ماء إلى مورد منتج يخدم التنمية الشاملة.
بهذا المفهوم، يهدف الجيل الثاني من الري إلى تحقيق الأمن المائي المصري وضمان استدامة التنمية الزراعية والصناعية والعمرانية للأجيال القادمة.
محطات المعالجة العملاقة.. شرايين حياة جديدة
تنفذ الدولة مشروعات كبرى لمعالجة وتدوير المياه مثل:
محطة معالجة المحسمة.
محطة معالجة بحر البقر.
محطة معالجة الدلتا الجديدة.
وهي من أضخم محطات المعالجة على مستوى العالم. ويأتي هذا التوسع لعدة أهداف:
١- مواجهة العجز المائي وتوفير موارد إضافية للقطاعات المختلفة.
٢- دعم مشروعات استصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية، خصوصًا في مشروع الدلتا الجديدة.
٣- حماية البيئة المائية من التلوث وتحسين نوعية المياه.
٤- تعزيز الاستدامة عبر إعادة تدوير المياه أكثر من مرة.
٥- تحقيق الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
من الملوحة إلى التنمية
لطالما كانت مياه الصرف ذات الملوحة العالية تحديًا، لكنها اليوم تتحول إلى مورد استراتيجي بفضل التقنيات الحديثة:
&- المعالجة المتطورة باستخدام مراحل فيزيائية وكيميائية وبيولوجية لتقليل الملوحة.
&- زراعة محاصيل متحملة للملوحة مثل: الشعير، البنجر السكري، الزيتون، وبعض الأشجار الخشبية.
&- إعادة الاستخدام في المناطق الصحراوية لتعمير مساحات جديدة.
&- إنتاج الطاقة الحيوية (البيوجاز) من خلال الهضم اللاهوائي أثناء عمليات المعالجة.
&- حماية البيئة المائية ومنع تلوث البحيرات والسواحل والحفاظ على الثروة السمكية.
بهذا النهج تتحول مياه الصرف المالحة من عبء بيئي إلى قوة دفع للتنمية الزراعية والاقتصادية وحماية البيئة.
الأمن المائي.. معركة وجود
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن ترشيد استهلاك المياه قضية وجودية لمصر، قائلاً: “جهود الدولة في إدارة الموارد المائية ليست رفاهية، بل هي معركة بقاء، وعلينا جميعًا أن نعمل على ترشيد الاستهلاك وتعظيم الاستفادة من كل قطرة ماء، حتى نضمن مستقبلًا آمنًا لأبنائنا وأحفادنا.”
وبهذه الرؤية، تواصل مصر مسيرتها نحو تأمين احتياجاتها المائية وتحويل التحديات إلى فرص تنموية، في إطار استراتيجية وطنية شاملة تضع الأمن المائي والغذائي على رأس أولوياتها حتى عام 2050.
أ.د/ إبراهيم حسيني درويش
أستاذ المحاصيل – كلية الزراعة – جامعة المنوفية