الدكتور إبراهيم درويش يكتب : الأمن الغذائي على طاولة مجموعة العشرين.. من التحديات العالمية إلى المكاسب المصرية

أخبار, رئيسي, زراعة عربية وعالمية, مجتمع الزراعة, محاصيل, مقالات ,

استضافت مصر الاجتماع التحضيري لمجموعة العشرين (G20) حول الأمن الغذائي على أرضها يوم الإثنين 1 سبتمبر 2025 . وهو أول اجتماع يُعقد خارج الدول الأعضاء منذ تأسيس المجموعة في 1999.

وانعقاد هذا الاجتماع التاريخي في القاهرة تم بالتنسيق مع رئاسة جنوب أفريقيا للدورة الحالية، ما يعكس ثقة دولية متزايدة في الدور المصري كحلقة وصل بين دول الجنوب العالمية وكبرى الاقتصاديات.

من أبرز الشخصيات الحاضرة من الحانب المصرى  وزير المالية أحمد كوجك، الذي قدّم أولويات مصر وأفريقيا لتحقيق الأمن الغذائي، وأكد أن الدولة تخصص نحو 20% من الموازنة السنوية لهذا الملف، وتنفّذ برامج دعم تتضمن التموين و”تكافل وكرامة”، بما يخدم أكثر من 60 مليون مواطن. وأيضا السفير رجيء الإتربي، الممثل الشخصي للرئيس في ملف مجموعة العشرين والمساعد بوزارة الخارجية، الذي تطرّق في كلمته إلى العلاقة المتشابكة بين الأمن الغذائي وشح المياه والتغيرات المناخية، كما دعا لإصلاح نظام التجارة المتعدد الأطراف، وندّد باستخدام المجاعة كسلاح في غزة، مطالباً بعمل دولي فوري لإنهاء الأزمة الإنسانية هناك.

كما شارك في الاجتماع كبار المسؤولين من الدول الأعضاء والدول الضيفة والمنظمات الدولية والمالية، ضمن سياق تعزيز التعاون العالمي لضمان أنظمة غذائية أكثر عدالة واستدامة.

اهمية قضايا الأمن الغذائى

لم يعد الأمن الغذائي قضية تنموية فحسب، بل أصبح اليوم عنصراً محورياً لاستقرار الدول وسلامة المجتمعات، وركيزة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ففي عالم يواجه تقلبات اقتصادية، وصراعات جيوسياسية، وتغيرات مناخية متسارعة، وأزمات صحية متكررة، باتت قضية الغذاء تتصدر أولويات النقاشات الدولية، وعلى رأسها اجتماعات مجموعة العشرين (G20).

التحديات العالمية أمام الأمن الغذائي

يشهد العالم تحديات متشابكة تهدد استقرار منظومته الغذائية.
أول هذه التحديات هو التغيرات المناخية، حيث تؤثر موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات على المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والأرز والذرة، وسط تحذيرات أممية من أن مئات الملايين قد يواجهون خطر الجوع بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للتكيف مع المناخ.

كما أن الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية تساهم في تعقيد المشهد، وعلى رأسها الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالمياً وزيادة معدلات التضخم، الأمر الذي صعّب وصول الدول النامية إلى احتياجاتها الأساسية.

إلى جانب ذلك، كشفت الأزمات الصحية مثل جائحة كورونا عن هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية، حيث تسبب تعطل النقل والتوريد في نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار، وهو ما أبرز الحاجة إلى بناء أنظمة أكثر مرونة واستدامة لمواجهة الطوارئ المستقبلية.

دور مجموعة العشرين

تدرك مجموعة العشرين أن الأمن الغذائي أصبح قضية أمن قومي عالمي، وتضعه على رأس أولوياتها. فهي معنية بوضع جدول أعمال يضمن توفير التمويل الكافي لمواجهة التغيرات المناخية في الزراعة، وتعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتطوير مخزونات استراتيجية للغذاء، بالإضافة إلى ضمان وصول الغذاء إلى الفئات الأكثر احتياجاً حول العالم. هذا الدور التنسيقي يجعل من المجموعة منصة رئيسية لصياغة سياسات دولية تُسهم في استقرار أسواق الغذاء العالمية.

الجهود المصرية في ملف الأمن الغذائي

في هذا السياق، تبذل مصر جهوداً كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي لمواجهة التحديات الغذائية. فقد أعلن وزير المالية المصري أن الدولة تخصص 20% من الموازنة العامة للأمن الغذائي، بما يعكس مدى أولوية هذا الملف في السياسات الوطنية. ويصل حجم الإنفاق على دعم الغذاء والسلع الأساسية إلى نحو 165 مليار جنيه سنوياً، يستفيد منه أكثر من 60 مليون مواطن، ضمن منظومة متكاملة تشمل بطاقات التموين وبرامج الدعم النقدي مثل “تكافل وكرامة” التي تغطي نحو 5 ملايين أسرة.

وعلى صعيد الاستثمار، ارتفعت استثمارات الزراعة والري خلال العام المالي 2025/2026 إلى حوالي 144.8 مليار جنيه، منها 17.5 مليار جنيه تمويل حكومي، وما يقرب من 127.4 مليار جنيه من القطاع الخاص. وتشمل الخطة القومية مشروعات كبرى لاستصلاح الأراضي في توشكى وسيناء والدلتا الجديدة، مع التركيز على زيادة إنتاجية المحاصيل بنسبة 10–15% باستخدام أساليب زراعية حديثة، ورفع القدرة التخزينية من الحبوب إلى أكثر من 5.5 مليون طن، وزيادة الرقعة الزراعية إلى ما يزيد عن 21 مليون فدان.

كما تسعى مصر لتقليص فجوة الاستيراد وتعزيز قدرتها التصديرية، حيث بلغت صادراتها الغذائية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 أكثر من 4.03 مليار دولار بزيادة 8% عن العام السابق، وكانت الفراولة المجمدة في مقدمة هذه الصادرات بقيمة تجاوزت 517 مليون دولار، بزيادة قياسية بلغت 77% عن العام الماضي.

توصيات خرج بها الاجتماع

خرج الاجتماع بعدد من التوصيات المهمة التي عكست التوافق الدولي حول خطورة المرحلة:

١- التأكيد على تعزيز التعاون الدولي لضمان وصول الغذاء إلى الدول والفئات الأكثر احتياجاً دون تمييز.

٢- الدعوة إلى توفير تمويل كافٍ وعادل لدعم الدول النامية في مواجهة التغيرات المناخية التي تهدد الزراعة.

٣- التشديد على ضرورة تطوير نظم غذائية مرنة قادرة على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية والصحية والجيوسياسية.

٤- دعم الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية الحديثة والزراعة الذكية لمواجهة ندرة المياه وتدهور الأراضي.

٥- مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف استخدام الغذاء كسلاح في النزاعات، وخصوصاً في غزة، والعمل على إنهاء الأزمات الإنسانية.

المكاسب المصرية من استضافة الاجتماع التحضيري لمجموعة العشرين

انعقاد الاجتماع التحضيري لمجموعة العشرين في القاهرة حول قضايا الأمن الغذائي يحمل لمصر مكاسب استراتيجية كبرى. فهو أولاً يعزز من مكانتها الدولية باعتبارها صوتاً رئيسياً للدول النامية والقارة الإفريقية في مواجهة التحديات الغذائية العالمية. وثانياً يفتح الباب أمام جذب الاستثمارات والشراكات الدولية في مجالات الزراعة والتكنولوجيا الغذائية والطاقة المتجددة. وثالثاً يتيح لمصر فرصة لنقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة في تطوير أنظمة غذائية ذكية ومستدامة.

إضافة إلى ذلك، يمثل الاجتماع فرصة ذهبية لتسويق المشروعات القومية المصرية مثل مشروع “مستقبل مصر الزراعي” والدلتا الجديدة ومبادرات التحول نحو الري الحديث، بما يعزز من صورة مصر كدولة رائدة إقليمياً في مجال الأمن الغذائي. وعلى المستوى الاستراتيجي، فإن تعزيز المنظومة الغذائية الوطنية يسهم في ترسيخ الأمن القومي المصري، إذ يرتبط الغذاء بشكل مباشر بالاستقرار السياسي والاجتماعي.

ختاما

الأمن الغذائي أصبح اليوم عنواناً رئيسياً للاستقرار العالمي، وتدرك مجموعة العشرين أن مواجهة التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية يتطلب عملاً جماعياً واستثمارات ضخمة في الزراعة المستدامة. أما مصر، فهي تتحرك بخطوات واثقة لتعزيز منظومتها الغذائية عبر سياسات متكاملة تجمع بين الدعم الحكومي والمشروعات القومية والتوسع في الصادرات. واستضافتها للاجتماع التحضيري لمجموعة العشرين في القاهرة تمثل اعترافاً دولياً بمكانتها، وفرصة تاريخية لتعزيز دورها كفاعل محوري في صياغة مستقبل الأمن الغذائي إقليمياً وعالمياً.
ا.د / ابراهيم حسينى درويش