الدكتور إبراهيم درويش يكتب : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه﴾.  (نفحات الجمعة)

أخبار, خدمات, رئيسي, مقالات ,

كنا بالامس القريب نقول لرمضان اهلا ..والان نقول ..مهلا..ووداعا شهر رمضان .. داعين الله ان يعود علينا اعواما عديدة وازمنة مديدة ..سائلين الله عز وجل ..ان نكون ممن ينالهم بركات هذا الشهر الكريم وتقبل الله منهم الصيام والقيام وصالح الاعمال ..واجاب دعائهم بالعفو والمعافاه فقد كان أكثر دُعاء النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان اللهُّم إنك عفوٌ تُحِب العفو فاعفُ عنّا…….كل الطاعات والعبادات اجرها من الله ..لكن هناك
ثلاثة أعمال لا تدخل الموازين يوم القيامة لعظمها وكلها تجتمع فى هذا الشهر الكريم وهى …
١- العفو عن الناس: لم يحدّد الأجر
قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه}.. [الشورى : 40].
٢- الصبر: لم يحدّد الأجر
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.. [الزمر : 10].
٣- الصيام: لم يحدّد الأجر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: (قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به).وينادي مناد يوم البعث على الذين أجرهم علي الله، فيقبل الصابرون، الصائمون، العافون عن الناس..فاللهم اجعلنا منهم ..

العفو هو التجاوز وترك الانتقام. والصفح: ترك التأنيب والعتاب.
وقيل أن العفو ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك لومه.وقيل: إن العفو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته، فكأن العافي عن الذنب يمحوه بصفحه عنه..

للعفو مكانة عظيمة لذا يتجلى العفو والصفح فى شهر رمضان…
لان العبادات والقرابات فى هذا الشهر الفضيل فرصة تساعد الانسان على ان يجاهد نفسه فينتصر عليها ، ويكظم غيظه…
ويتخلى عن الانانية والكبر وحب الذات ..ويبتعد عن الشخصية النرجسية المنتفخة والمتورمة التى تحب نفسها ..الكثيرة المشاكل والخلافات على اتفه الامور حتى مع اقرب الناس لها
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ) لا أقول: حالقة الشعر، ولكن أقول: حالقة الدين.
سوء العلاقة بين الأخوين، بين الجارين، بين القريبين، بين الأم وأولادها، بين الأب وأولاده، بين الأخوة والأخوات، سوء العلاقة مطلقة، بين أي إنسانين لها أثر مدمر على الدين وعلى المجتمع …
ما اجمل ان نأتمر بقوله تعالى
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾وقوله تعالى﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة)] وقوله ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر ].
ونقتدى بالهدى النبوى الكريم يقول النبى صلى الله عليه وسلم : « يَا عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ؛ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ».
ومن كرم الله على المؤمنين ان من اسماء الله الحسنى وصفاته العلا (العفْوُ) أى الذي يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي، ويصفح عمن تاب وأناب.يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ﴾ [النساء: 43]. ويقول عز من قائل ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]….
ومن الهدى النبوى انه كان يكثر الدعاء بالعفو والعافية تقول السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَة القَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قولي: اللهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفوَ فاعف عنّي».
ومن كمال عفوه سبحانه أنه مهما أسرف العبد على نفسه، ثم تاب إليه ورجع، غفر له يقول تعالى﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

مهما حدث من اختلافات بينك وبين اخيك واصدقائك أو أقربائك فلك فى سيدنا يوسف عليه السلام واخوته القدوة …. فلمّا مكّن الله له، وجاءو إليه يعتذرون عن افعالهم معه .. قابلهم بالعفو والصفح وسجل ذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى : ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].
وتجلت صفة العفو عند رسول الله مع أهل مكة، الذين آذوْه وكذبوه وحاصروه وأخرَجوه لما أظهره الله عليهم، وتمكن من رقابهم في فتح مكة، لم يقابِل الشدّة بمثلها، ولا العنف بعنف مضاد، بل إنه عفا وأصفح، وقال قولته الشهيرة: «من دخلَ دارَ أبي سُفيان فهو آمِن، ومن أغلقَ عليه بابَه فهو آمِن، ومن ألقى السلاحَ فهو آمِن».
العفو من سمات الصالحين، ومن صفات المتقين:يقول تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ﴾ [البقرة: 237].
كما ان صاحب العفو ينام على فراشه بالليل هادئاً مطمئناً، يرجو الثواب والأجر من الله….
يقول الامام الشافعي :
لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداوات

وللعفو له فوائد متعددة منها
١- انه بالعفو تنال العزة والشرف..
العفو لا يَنِمّ عن ضعف وعجز وهوان، وإنما هو عزة وانتصار على النفس ووساوس الشيطان.
وتنال بالعفو حسن العاقبة:
يقول تعالى﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى:36، 37].

٢- بالعفو والصفح تنقلب العداوة إلى صداقة:يقول تعالى ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34] . فشتان شتان بين الحسنة والسيئة، وبين الخير والشر، وبين العفو والانتقام…
لنعلم أن العنف يهدم ولا يبني، والشدة تفسد ولا تصلح، وأن الرفق والإحسان إلى الناس هو الذي يحول البغض في القلوب إلى محبة صادقة فياضة.
٣- بالعفو والصفح تغفر الذنوب:
يقول ربنا سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14].
ويقول اللَّه عز وجل: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] فقد كان من جملة الخائضين في حادث الإفك «مسطح بن أثاثة»، وكان فقيراً من المهاجرين، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُنفق عليه لقرابته منه، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه؛ وقال: “وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ”، فنزلت هذه الآية، ينهاه الله تعالى فيها عن هذا الحَلِف المتضمّن لقطع النفقة عنه، ويَحثه على العفو والصفح، ويَعِدُه بمغفرة اللَّه إنْ غفر له، فقال سبحانه: ﴿ أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لما سمع هذه الآية: “بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي”، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ.

٤-بالعفو يُنال الأجرُ والثواب:
يقول سبحانه: ﴿ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].

٥- بالعفو عمن أساء يُنال العفوُ من الله سبحانه:فالجزاء من جنس العمل، فمن عفا عَفا الله عنه، ومن صفحَ صفح الله عنه، ومن غفرَ غفر الله له، ومَن عامل العباد بما ينفعهم ولا يضرّهم، نال محبة الله ومحبة عباده.

وأخرج الإمام أحمد والبيهقي عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِنْبَرِهِ يَقُولُ: «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ ».
ومن علامة قبول الطاعات فى رمضان واستجابة الدعاء لله بالعفو هو ان يكبح الانسان جماح نفسه …ويعفو ويصفح ويتجاوز عن اخوانه.واهله وأقربائه..! ويجتتهد فى فتح صفحة جديدة معهم خاصة مع قرب عيد الفطر.. فالعيد يجب ماقبله ..اجعلوه عيد للافراح وصلة للأرحام والعفو والصفح الجميل..
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم درويش