الدكتور صلاح صقر يكتب : هل يمكن تنمية سيناء على الطريقة الهولندية ؟
لا أعلم سبب الإصرار العجيب على طرح مشروع تنمية سيناء على الطريقة الهولندية طوال ١٠ سنوات دون كلل أو ملل وبعد كل رفض يتم اعادة الطرح بشكل جديد .
منذ سنوات أبرم مجلس الوزراء مذكرة تفاهم واتفاق مع شركة دريدجينج انترناشونال ان في وهي إحدى شركات مجموعة ديمى “Deme” البلجيكية للأعمال البحرية المتخصصة بأعمال التكريك بالإضافة لشركة “الكسمار” للملاحة ، والهدف العام لمذكرة التفاهم هو دراسة تنفيذ مشروع تطوير بحيرة البردويل ، لكن بسبب آراء العلماء المصريين المتختصصين فى ذلك الوقت لم يتم تنفيذ المشروع الهولندي.
الغريب بالأمر هذه المرة أن اعادة الطرح اعلاميا فى 2024 تمت فى وقت واحد برعاية عدد من وكالات الانباء العالمية مثل (CNN) و(الحدث) و(العربية) و (BBC) وتناقلته عدد من الصحف والمواقع المصرية دون أن تعلم تبعات النقل والترويج لمشروع دون وعى!!!
والمشروع المقترح تمت عدة محاولات سابقة لتلميعه وكان اخرها بمؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرون للتغير المناخي (COP27) والذى عقد بشرم الشيخ فى 2022 وتم وقتها تغيير اسم المشروع من تطوير بحيرة البردويل الى اعادة التوازن البيئ لبحيرة البردويل وشبه جزيرة سيناء ليتماشى العنوان مع الزخم الذى صاحب مؤتمر المناخ بذلك الوقت .
وخلال سنوات حاولت الجهة مقترحة المشروع من ايجاد محلل علمى مصرى لمشروعها لكن بفضل الله كل الجهات العملية الواعية رفضت مباركة المقترح رغم الإغراءات المادية الكبيرة .
الشركة التى اقترحت المشروع أكدت أن الهدف الاساسى من المشروع هو رفع انتاجية بحيرة البردويل من 4 ألاف طن الى 12 ألف طن أسماك كل عام كمرحلة أولى ثم الى 50 ألف طن كمرحلة ثانية وأكدت أن المشروع سيؤدى لزيادة فرص العمل لأهالى شمال سيناء بدفى مجال صيد الاسماك بالبحيرة بالاضافة لزيادة الرقعة الزراعية بشمال سيناء وزيادة الغطاء النباتى مما سيكون له تأثير على التغيرات المناخية وتحسين النظام البيئى بسيناء كلها .
المشروع المقترح كان سيتم تنفيذه بعدة خطوات تشمل تكريك وزيادة عمق كل جسم البحيرة إلى (8 متر) وتعميق البواغيز وازالة كافة التجهيزات الهندسية والألسنة ونقل نواتج تكريك البحيرة والتى تتخطى 3 مليار متر مكعب من رمال وترسيبات عضوية مالحة تتخطى نسبة الملوحة فيها 50 جزء فى الألف للأراضى الموجودة بجنوب بير العبد ووسط سيناء على مسار الاراضى المخصصة لمسار ترعة السلام وهو ما يمكن أن يؤدى لكارثة ستؤدى لدمار رقعة زراعية كبيرة بسيناء
ولو تم المشروع بالشكل المقترح فالتأثيرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الناجمة عن التنفيذ لا يمكن تجاهلها وأهمها :
١- لن تكون البردويل قادرة على انتاج ال 50 ألف طن المعلن عنها بالمشروع ولا حتى ال 12 ألف طن بالمرحلة الأولى ولا حتى 4 الاف طن التى تمثل الانتاج الحالى للبحيرة فلا يوجد اى علاقة بين العمق وزيادة كمية الاسماك وإلا لامتلأ البحر المتوسط بالأسماك .
٢- سينتج عن تنفيذ المشروع هروب كل الأسماك الاقتصادية من بحيرة البردويل مثل الدنيس والقاروص وأسماك موسى وباقى الانواع المتميزة بسبب زيادة العكارة نتيجة التكريك وسيؤدى الأمر لموت الزريعة وتدمير مناطق نموها على أطراف البردويل .
٣- عمق التكريك المقترح (8 متر) سيعيق من انتشار الضوء ونفاذه لقاع البحيرة مما سيؤدى لخفض محتوى البحيرة من الهائمات النباتية والحيوانية الموجودة وهو ما سيؤدى لتغير التنوع البيولوجي والتوازن الموجود حاليا ببحيرة البردويل .
٤- سيكون للمشروع تأثيرات خطيرة على البيئة المحيطة بالمنطقة وخاصة من ناحية ارتفاع الملوحة بشكل كبير .
٥- تلوث وتدمير الاراضى الزراعية التى سيتم نقل 3 مليار متر مكعب من نواتج ومخلفات تكريك وتطهير البردويل اليها بسبب ارتفاع ملوحتها وهو ما سيؤدى الى دمارا الرقعة الزراعية الجيدة بشمال سيناء ..
٦- سيؤدى المشروع الى التوقف التام لنشاط ملاحات الملح بالمنطقة المحيطة ببحيرة البردويل بما فى ذلك ملاحات سبيكة ولن تكون أى ملاحة قادرة على العمل بهذه المنطقة من جديد بعد الانتهاء من تنفيذ المشروع الذى سيؤدى لخفض ملوحة مياه الزرانيق وكل البردويل الى نفس ملوحة مياه البحر .
٦- سينتج عن المشروع توقف 1228 مركب صيد لعدم ملائمتها للعمل بالبردويل بعد تنفيذ المشروع والتعميق وسيؤدى الأمر لبطالة ستمتد لسنوات لأكثر من 3000 صياد من أبناء القبائل بسيناء وسيتوقف عملهم بمجال توارثوه عن أجدادهم وهو مهنة صيد الاسماك .
٨- لو تم التخلص من التجهيزات الهندسية والألسنة المخصصة لحماية البواغيز وزيادة عمق البردويل فسيكون ذلك سببا فى زيادة معدلات الاطماء وقد يصل الأمر لغلق البردويل وزيادة نسبة ملوحة المياه بها لقلة معدلات التبادل المائى بين البحر والبحيرة بشكل اكبر بكثير مما يتم حاليا .
9- منذ عدة سنوات كانت تكلفة تكريك المتر المكعب الواحد يكلف الدولة 6 دولار وبناء عليه فتكلفة تكريك 165 ألف فدان بعمق 8 متر ستتخطى 5 مليار دولار أى أكثر من 250 مليار جنيه مصرى ويضاف للأمر باقى مكونات المشروع وهى تكلفة كبيرة جدا دون أى مردود اقتصادى بل سيؤدى الأمر لدمار بحيرة البردويل ودمار الرقعة الزراعية فى وسط سيناء .
10- هدف المشروع القومى لتطوير البحيرات المصرية هو اعادة البحيرات المصرية الى ما كانت عليه منذ مئات السنين ، ومقترح المشروع الهولندى بعيد تماما عن الوضع الذى كانت عليه بحيرة البردويل سابقا وهى بالأساس ليست بحيرة ولكنها منخفض كان قديما مصب بالبحر المتوسط لأحد فروع النيل القديمة .
إن إعادة طرح هذا المشروع بالوقت الذى تتداعى فيه المخاطر على مصر من جميع الجهات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وراءه سر لا أعلمه لكنه بكل تأكيد ليس لصالح مصر ، ويزيد من قناعتى بالأمر الاصرار على طرح المشروع لأكثر من عشر سنوات متواصلة بمسميات مختلفة وكان اخرها أن سيناء يمكن أن تنقذ العالم والبشرية كنوع من الدعاية التى تهدف الى لفت الانتباه لمحاولة الضغط لتنفيذ هذا المشروع .
وللحديث بقية وأتمنى أن تكونوا جميعا إعلام بديل وطنى وتعيدوا نشر هذا الكلام ليصل لجميع المختصين
د. صلاح صقر