أخبارمقالات

تحسين جودة اللحوم ومنتجاتها باستخدام بعض المستخلصات النباتية الطبيعية

تعد لحوم الدواجن من أكثر مصادر اللحوم المفضلة لدى المستهلكين لما لها من فوائد صحية مع انخفاض محتواها من الدهون، وقيمتها الغذائية العالية بسبب مكوناتها من الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية الأساسية اللازمة لنمو الجسم ومناعته. ومن ناحية أخرى فقد اعتبرت وسطاً مثالياً للفساد والنمو الميكروبي المسببة للأمراض لاحتوائه على عوامل النمو المتمثلة في المعادن والمركبات النيتروجينية والنسبة العالية من السوائل.

قد يحدث تلوث لحوم الدواجن ومنتجاتها خلال مراحل التداول والتجهيز حتى مرحلة البيع والتخزين، سواء كان ذلك بسبب أخطاء شخصية أو عوامل بيئية وفنية. لذلك، أصبح استخدام المضافات الغذائية والتي لديها القدرة على تحسين الخصائص الظاهرية والحد من النمو الميكروبي ضرورياً لمنع نمو الكائنات الحية الدقيقة، وإطالة العمر الافتراضي وزيادة جودة وسلامة منتجات اللحوم؛ و لهذا، فقد تمت إضافة المواد الحافظة المختلفة والتي تعمل كمضادات اكسدة أو مثبطات لنمو البكتريا للحد من عمليات فساد اللحوم و تلوثها.

شكلت المواد الحافظة الصناعية والكيميائية ركيزة أساسية لتصنيع وحفظ اللحوم وتعد املاج النترات من اكثرها تداولاً، و لكن، مع التقدم الطبي والعلمي أثبتت الدراسات أن للمواد الحافظة الصناعية تأثيرات ضارة على الصحة العامة للمستهلك حيث أنها قد ننفاعل مع الاحماض الامينية للحوم والتحول إلى أشكال ومركبات كيميائية تعرض الإنسان إلي الإصابة بكثير من الإمراض مثل الأمراض المناعية، والحساسية الغذائية والمواد المسرطنة وغيرها . بينما، سعى الإنسان منذ القدم خلف النبات لتوفير مصادر طعامه و غذائه و دوائه ، معتمدا على إستعمال ما يحيط به من النباتات بإختلاف أجناسها و أنواعها ، و إستخداماتها في الغذاء و الدواء و العطور و التجميل.
و لقد دلت الكثير من المكتشفات الأثرية للعديد من الحضارات القديمة على إستعمال النباتات الطبية و ذكرت المخطوطات القديمة وصفات دوائية نباتية .
إزداد الإهتمام بإستخدام المنتجات النباتية و الأعشاب في العالم كله، ففي الولايات المتحدة وصلت هذه الزيادة الى 380% بين عام1990-1997، إذ إن بعض هذه النباتات والاعشاب تحتوي على مركبات فعالة مثل الزيوت العطرية والفينولات والالديهايدات والقلويدات وغيرها التي كان لها العديد من التطبيقات العلاجية ضد أمراض عديدة بسبب تواجد البكتريا او الاعفان او الفيروسات سواء في الغذاء او جسم الانسان، ويمثل توفرها ورخص ثمنها، خصوصا في البلدان النامية، أحد أهم النقاط البحثية التي يجب التركيز عليها لاستبدال المواد الحافظة الكيميائية والادوية بمواد طبيعية ذات قدرة شفائية عالية لما لها من تأثير مضاد للميكروبات ورافع للمناعة ومضاد للاكسدة عند تطبيقها في الأغذية.

لذلك، تم الإتجاه نحو الحد من إستخدام هذه المواد في الآونة الأخيرة، و من هذا المنطلق فقد قام العلماء و الباحثين بمحاولة إيجاد بدائل للإضافات الصناعية و إستبدالها بمواد طبيعية في صور مختلفة يمكن تطبيقها للحصول على منتجات غذائية ذات جودة عالية.

تعد النباتات العطرية ذات الخصائص المضادة للأكسدة وللميكروبات من أكثر الإضافات الواعدة في مجال تصنيع وحفظ اللحوم.
تعد الزيوت أحد اكثر المستخلصات استخداماً من النباتات العطرية والتي يتم تعريفها على أنها مستخلصات زيتية سهلة التطاير يحصل عليها من النباتات أو أجزاء منها، تتميز بأن لها رائحة فواحة مثل زيت القرنفل. على العكس من الزيوت الدهنية فإن الزيوت العطرية تتبخر بشكل كامل ولا تترك أي أثر خلفها.
تتكون الزيوت العطرية من العديد من المكونات المختلفة، وهي ذات محتوى قليل من الدهون على الرغم من أنها لا تحوي أي مكونات دهنية.

تعد زيوت اللافندر والقرنفل من المضافات الغذائية ذات القدرة العالية على حفظ و إطالة فترة صلاحية اللحوم ويرجع ذلك إلى محتواها العالي من المواد الطبيعية النشطة بيولوجيًا ذات الخصائص المضادة للفطريات والبكتيريا ومضادات الأكسدة.

يتمتع اللافندر بدور طبي قديم بسبب خصائصه المهدئة والمضادة للبكتيريا والفطريات لما تحتويه من مواد فعالة، مثل مركبات التربين واللينالول، لها القدرة علة منع التصاق الخلايا البكتيرية وتكاثرها من خلال تكسير البروتينات الخارجية وعدم استقرارها، لذلك يمكن استخدامه في حفظ الأطعمة مثل اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان والفواكه والخضروات. من ناحية أخرى، فإن زيت القرنفل له تأثير قيم على الجهاز المناعي والقلب والأوعية الدموية إلى جانب تأثيره كمضاد للفيروسات ومضاد للفطريات والبكتيريا، والذي ترجع، في الاغلب، إلى محتواها الأوجينول مع الهيومولين والكاريوفيلين والتي تعمل على اختراق الخلايا البكتيرية ومنع نشاط الميتوكوندريا المسؤولة عن تصنيع الطاقة القادرة على تكاثر ونشاط الخلايا البكتيرية.

اللبان الذكر أو اللبان العربي: عبارة عن راتينج صمغي له نطاق قوي وواسع من التأثير المضاد للميكروبات تجاه بعض مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء مثل الاستافيلوكوكس اوريس والايشرشيا كولاي والكانديدا البيضاء، ويعرف علمياً بإسم (Boswellia Carterii) يستخرج من سيقان الأشجار و المصدر الرئيسي لللبان الذكر هي عمان واليمن. و يتركب اللبان العربي من مزيج متجانس من حوالي 60% راتنج وحوالي 25% صمغ وحوالي 5% زيوت طيارة ومركبات أخرى تُعرف بإسم اولبين و فيلاندرين وباينين والتي تساهم في تحسين الخصائص الظاهرية للاغذية عند إضافتها إذ تحسن ملمس وشكل وطراوة اللحوم، وزيادة امكانية تصنيع منتجات اللحم المفروم إذ تُزيد من امكانية تماسكها وسهولة تشكيلها؛ كما يحتوي منقوع اللبان الذكر على حمض البيوزيليك المضاد للجراثيم والذي يعد أحد أهم المواد المفعالة القادرة على تثبيط النمو الميكروبي في اللحوم.

يحتوى اللبان الذكر على مادة الكورتيزون المثبطة للالتهابات، كما تم استخدام منتجات اللبان الثانوية في وقت مبكر من القرن الحادي عشر لعلاج العدوى الميكروبية مثل عدوى المسالك البولية والتهابات الفم والتهاب المفاصل والربو. بالنسبة للتاريخ العربي القديم، يعد اللبان من المواد الطبية المشهورة التي تباع وتتواجد في محلات العطارة والاعشاب الطبية العربية واستخدم اللبان في الطب الشعبي لمعالجة أمراض كثيرة أهمها الأورام والقروح الملتهبة والزحار والأمراض الصدرية كالسعال وكمقوي للقلب وغيرها كما ان له إستخدامات غير طبية أهمها وأكثرها رواجاً هي صناعة البخور.

لذا فإن استمرار البحوث المتقدمة والدقيقة واالتطبيقية لمستخلصات النباتات العطرية القديمة خصوصا والتي ،لحسن الحظ، تتوفر بكثرة في دول الشرق الاوسط وحوض البحر المتوسط، يشكل أحد أهم الحلول المقترحة لاستبدال المواد الحافظة الكيميائية الضارة بأخرى ذات أصل نباتي طبيعي كمواد مضادة للاكسدة ومثبطة للنمو الميكروبي والمحسنة للخصائص الحسية للمنتجات اغذائية وزيادة فترة صلاحية وجودة اللحوم والمصنعات.
استُخدِمت مستخلصات النباتات العطرية كتوابل ومنكهات للحوم والمواد الغذائية الاخرى منذ قديم الازل، إذ يتم إضافتها في صورة زيوت او مساحيق مباشرة على اللحوم قبل التسوية او لنقعها لفترات متفاوتة؛ إذيعد نقع اللحوم في المستخلصات النباتية لمدة 12 ساعة على الاقل فيما يعرف بمصطلح التتبيل وحفظها بالتبريد يساهم بشكل كبير وفعال في تحسين الخصائص الحسية وطراوة اللحوم وسهولة تسويتها، كما يطيل الفترة التخزينية ويقلل الحمل الميكروبي فيها.

لذا نوصي بإستخدام النباتات العطرية ومستخلصاتها مثل الزيوت العطرية كمواد حافظة طبيعية يسهل الحصول عليها وبأسعار في متناول الجميع.


د. محمد نبيل السيد عبدالقادر (باحث صحة أغذية – معمل بنها ) – معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر

e. mail: mhmdvet2010@gmail.com





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى