الدكتور جمال صيام يكتب : ملاحظات علي هامش الحوار الوطني فى مجال الزراعة والأمن الغذائي (1)

أخبار, بنر, خدمات, درسات وابحاث, رئيسي, مجتمع الزراعة, محاصيل, مقالات ,

نعول نحن الاقتصاديون الزراعيون والزراعيون عموما ،علي الحوار الوطني باعتباره فرصة قد لا تتكرر لإسماع الجميع علي كافة مستويات اتخاذ القرار عن حاجة الزراعة إلي تغيير جذري فى السياسات المتعلقة بها.

فى هذا الشأن أكتب هنا بعض النقاط التي أرجو أن تكون تحت نظر المتحدثين باسم الزراعة.

بداية العنوان الموضوع المحدد للحوار يعتبر “قماشته ضيقة” إذ يركز فقط علي “دور الدولة فى مستلزمات الإنتاج والتسعير ..دعم الزراعة والائتمان والديون”.

وقد أسقط العنوان القضايا الرئيسية التي يجب التركيز عليها ، وتتعلق أساسا بالإصلاحات المؤسسية فى القطاع الزراعي وما يرتبط بها من سياسات.

ربما يكون العنوان المقترح قد فرض نفسه نتيجة للمشاكل التي طرأت فى الآونة الأخيرة خاصة فى مجال عجز الأعلاف ، والمبالغات والتقلبات السعرية فى أسواق الأرز والذرة وفول الصويا والدواجن وعلاقتها بمشكلة سعر الصرف، ومشاكل تسعير توريد القمح.

وأري أن التعامل مع هذه المشكلات الطارئة (ذات المدي القصير) سيكون أيسر لو كانت لدينا المؤسسات الزراعية ذات الكفاءة.وسوف نتناول هذه القضايا فيما يلي:

1. منظومة البحوث والإرشاد،وهي منظومة تعاني منذ سنوات طوال من الهشاشة والإهمال وضعف المخصصات المالية ، ومن المعروف أنه قى ضوء ندرة الموارد الأرضية والمائية فى مصر ، تعد هذه المنظومة الركيزة الأساسية للتقدم التكنولوجي فى الزراعة والارتقاء بالإنتاجية الزراعية ومواجهة التحديات والأزمات المستقبلية سواء فيما يتعلق بالزيادة السكانية والمياه والتعيرات المناخية.

2. التعاونيات الزراعية التي تعاني الآن من بؤس شديد ، وكنا فهمنا أن هناك قانونا جديدا للتعاونيات يجري إعداده ، ولكن واضح أن الأمر لازال يراوح مكانه ، وربما ينتظر القانون حتي ينتهي الحوار، مع أن التكلفة عالية جدا لضياع الوقت.
3. الزراعات التعاقدية ،وهي وسيلة فعالة لتقوية سلاسل القيمة الزراعية واستقرار الأسعار، ومع ذلك فإن الحديث عنها أكثر من الفعل، إذ يعتبرون أن سياسة أسعار الضمان فى القمح والذرة والأرز وفول الصويا ، هي زراعة تعاقدية، وهو غير صحيح.

ربما المحصول الوحيد الذي يطبق عليه الزراعة التعاقدية بدرجة معقولة هو بنجر السكر، فهناك تعاقد (بين الشركة والمزارع) وشروط سعرية وتقاوي من الشركة واستلام المحصول.

وهو أمر لا يجري تطبيقه علي أي محصول آخر رغم كثرة الحديث إعلاميا عن ذلك. وأري أن الزراعة التعاقدية تكون أكثر ازدهارا وسهولة فى التطبيق فيما لو كان التعاقد بين جمعية تعاونية قوية والطرف الآخر أيا كان ، تاجرا ، أم مصنعا ، أم مصدرا.

منهجية العمل الجماعي Collective action هنا تتسم بالفعالية ،إذ بدلا من التعاقد مع آلاف أو ملايين المزارعين ، يتم التعاقد من الجمعيات الممثلة لهؤلاء المزارعين. والأمثلة علي ذلك عديدة ، وزارة التموين (مشترية للقمح) تتعاقد مع الجمعيات بدلا من ملايين من منتجي القمح، مصنع لمنتجات الطماطم مشتريا للطماطم، مصنع لمنتجات الألبان مشتريا للألبان من جمعيات منتجي الألبان وهكذا.
4. الدعم الزراعي: حاليا يشتمل الدعم الزراعي علي ثلاثة بنود رئيسية، دعم الفائدة علي القروض الزراعية الموسمية (قصيرة الأجل) ،دعم الصادرات الزراعية ، دعم الأسمدة الأزوتية.يبلغ إجمالي الدعم المقدم للبندين الأولين نحو مليار جنيه ، بينما يقدر دعم الأسمدة الأزوتية بنحو 15 مليار جنيه سنويا . وبفرض أن أوجه الدعم الأخري (وأهمها الطاقة) تقدر بنحو 4 مليار جنيه ، يكون إجمالي قيمة الدعم الزراعي حوالي 20 مليار جنيه سنويا تمثل نحو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي.

وهذا رقم ضئيل جدا قى ضوء النسبة التي تسمح بها منظمة التجارة العالمية للدول النامية والمحددة بنسبة 10%.فلو أضيف 20 مليار جنيه أخري يفضل أن تتجه إلي تكريس ممارسات الزراعة الذكية مناخيا.

5. التسعير (أو السياسة السعرية):بالنسبة لمستلزمات الإنتاج الزراعي، تقوم الحكومة بتحديد سعر مدعم للأسمدة الآزوتية وتبيع التقاوي المنتقاة بسعر التكلفة وبالنسبة لأسعار الطاقة (السولار والكهرباء) فيعامل القطاع الزراعي مثل القطاعات الأخري.

وبالنسبة للمنتجات الزراعية، فليس هناك دعم سعري لأي منها، حيث تحاول الحكومة الالتزام بأسعار ضمان Guarantee prices تكون معادلة تفريبا لأسعار الاستيراد (السعر العالمي) وقت الحصاد .

وقد طبقت هذه السياسة بالنسبة للقمح والذرة والأرز ومحصولي السكر.

يشار إلي أنه حدثت فى الاونة الأخيرة تقلبات سعرية شديدة غير مبررة تعكس حالات متطرفة من التشوهات السعرية.
6. البيئة الممكنة Enabling environment وتشتمل علي مجموعة العوامل المؤسسية التي تهيئ الظروف لتحقيق أعلي مستويات الأداء فى الإنتاج الزراعي، ويشمل ذلك التشريعات والتمويل وبيئة تنمية الأعمال والإرشاد والتدريب والتأمين والبحوث والتطوير R&D والمعلومات.

وقد أشرنا سابقا إلي أهمية منظومة البحوث والإرشاد، وبالنسبة للتمويل ، تجدر الإشارة إلي أن نصيب القطاع الزراعي من إجمالي القروض علي المستوي القومي لا تتجاوز 1.5%. كما لا يتجاوز نصيبه فى الاستثمار العام 3%.

فضلا عما أشرنا إليه من ضآلة مخصصات البحوث الزراعية والمائية والتي لا تتجاوز 300 مليون جنيه أي ما لا تتجاوز نسبته 0.02% من الناتج المحلي الإجمالي فى قطاع الزراعة.. وهي مؤشرات تشير فى جملتها إلي تهميش الزراعة بشكل يتناقض مع أهمية أهداف الأمن الغذائي المنوطة بالقطاع.

ولا تقل المعلومات الزراعية المتاحة سوءا ،فالبيانات المنشورة متأخرة بسنتين كاملتين ، رغم تسارع المتغيرات الاقتصادية علي المستويين المحلي والعالمي، كما أن آخر تعداد زراعي عام كان فى 2009/2010.

وقد أهملت وزارة الزراعة إجراء التعداد فى 2019/2020 حتى الآن، رغم أهمية التعداد العام فى رصد وتوثيق التغيرات الحادثة علي المستويات التحت قطاعية نزولا إلي المستوي المزرعي.

وعلي سبيل المثال،نعلم من تعداد 2009/2010 أن نسبة الحيازاة فى فئة فدان فأقل 45% من جملة الحيازات، ولا نعلم الآن شيئا عما حدث من تغيرات فى التركيب الحيازي خلال السنوات العشر المنقضية ، دعك من المتغيرات الأخري ذات الأهمية القصوي بصدد رسم السياسات ومواجهة التحديات المستقبلية.


د. جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعي
كلية الزراعة، جامعة القاهرة