مصطفى خلاف يكتب : هل حدث تغيير فى لغة الخطاب المصرى حول السد الأثيوبى ؟!

أخبار, رئيسي, زراعة عربية وعالمية, مقالات, مياه ورى ,

على غير العادة  وبرغم خدمة شبكة المحمول السئية التى لم نجد لها حلا  منذ شهور ، جاءنى صوته عبر الهاتف يحمل اطنانا من القلق والحيرة ليقذف بها فى اذنى ، ناسيا اننا فى شهر كريم ما يستوجب ادخار طاقة الحكى والكلام لغرض اسمى وانبل فى طاعة الله ..

المهم بعد السلام المقتضب ، واصل قذائفه باعتباره مهموما بقضية سد ”  الخراب ” الإثيوبى .. وفضلت أن استغل التحسن الغير معهود فى شبكة المحمول لأسمعه .. فقال : اتحدث اليك لتوضح لى بعض الأمور ، ألا ترى أن هناك تحولا فى لغة الخطاب الرسمى للدولة المصرية ومؤسساتها المعنية تجاه ملف السد  ، ففى الوقت الذى وجه  فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى رسائل حاسمة وقاطعة من الاسماعيلية للداخل ولإثيوبيا وللمجتمع الدولى ، وهو الذى قال نصا : “بقول للناس كلها محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، واللى عاوز يجرب يجرب، إحنا مش بنهدد حد، وعمرنا ما هددنا ودايما حوارنا رشيد جدا، وصبور جدا، لكن محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر وألا هيبقى في حالة من عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد”، وأضاف الرئيس: “محدش يتصور إنه يقدر يبقى بعيد عن قدرتنا، عمرى ما اتكلمت كده علشان ميتفهمش أننا بنهدد حد، لكن مياه مصر لا مساس بها، والمساس بها خط أحمر، وهيبقى رد فعلنا فى حالة ذلك قد يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل ”

ولم يتوقف صديقى عن حديثه الذى لا اشك فى سلامة مقاصده وغيرته وقلقه على حال ومستقبل مصر المائى والغذائى ، فقال : وقبل ذلك تحدث الرئيس السيسي يوم الثلاثاء (9 مارس 2021) أثناء لقائه بقادة وضباط صف وجنود القوات المسلحة، حيث قال أثناء حديثه، “لن نتفاوض إلى ما لا نهاية.. وإنما يجب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد”. وتابع السيسي قائلاً، “إن مصر لديها قوات مسلحة تعد من أقوى الجيوش في المنطقة كلها، ولكن استخدامنا للقوة دائما متوازن ورشيد ويهدف لحماية أمننا القومي وحدودنا واستقرار الدولة المصرية ” .. طلبت منه أن يتحلى بالصبر ويترك لى مساحة لكى اوضح له بعض النقاط ، ولا داعى لما يمارسه من تعسف وعدم انصات ، فليس بهذه الطريقة يكون النقاش .. فواصل بصوت أعلى قائلا:  ما تفسيرك لما يحدث .. انا غير قادر على استيعاب ما يقصده الرئيس السيسى عندما تحدث عن تكلفة الحرب وما جرى فى اليمن ، فبعد ان كانت روحنا المعنوية فى السماء وعلى استعداد لتقديم ارواحنا فداء لمصر ونيلها ، فجأة هبطنا لسابع أرض  .. “ايه اللى بيحصل ” ” انا مش فاهم ” .

قراءة متأنية فى مغزى الخطاب المصرى :

قلت له : هل انتهيت من حديثك .. هل لديك كلام أخر ؟ رد قائلا  : لا ، بعد اعتذاره على نبرات صوته العاليه  ، ليأتى دورى فقلت له  : حديثك عن وجود تحول فى الخطاب الرسمى تجاه  ملف السد الإثيوبى غير صحيح ، فإدارة القضايا المصيرية الحساسه لا تكون بهذه الطريقة ، الرئيس السيسى والدولة المصرية كانت واضحة واثبتت أمام العالم أجمع حرصها على اقامة جسور من التعاون وبناء الثقة مع اثيوبيا ، ولولا صدق نوايا مصر ما وقت على اتفاق اعلان المبادئ .. العالم وفى المقدمة منه الولايات المتحدة الامريكية يعرف قدر المرونة التى قدمتها مصر وحرصها على التفاوض لمدة تزيد عن 10 سنوات ، إلى أن انسحبت اثيوبيا نفسها من المفاوضات التى كانت تستضيفها واشنطون ورفضت التوقيع على الاتفاقية ، فى حين وقت مصر بالأحرف الأولى .. رسائل مصر كانت واضحة حتى مع الفشل الذى شهدته الجولات اللاحقة برعاية الاتحاد الافريقى  وصولا لأخر جولة فى كينشاسا ..

قلت له أن الرئيس السيسى عندما تحدث عن مياه النيل بوصفها خط احمر وأنها مسألة حياة أو موت كان يوجه رسائل للداخل والخارج وللمجتمع الدولى لكى يطلع بدوره .. ما يجرى يا صديق فى هذا الملف هو تخطيط على أعلى مستوى لا يخلو من الخداع الاستراتيجى الذى انا شخصيا أميل إليه ، فصانع القرار لا شك انه يدرس ويُقيم كل الخيارات والاثار ، أما خيار الحرب الذى تتحدث عنه انت وشريحة كبيرة من المصريين فهو خيار تحسمه حسابات وتقديرات معروف الجهات المسئولة عنها .. قلقك محمود ومفهوم لكن أنظر إلى التحركات التى تقوم بها الدبلوماسية المصرية رغم التعنت الاثيوبى والاستفزاز المتواصل باستمرار برنامج الملء كما هو بصرف النظر عن التوصل لاتفاق ..

انظر ايضا إلى مغزى وهدف ومضمون الرسائل التى طار وزير الخارجية سامح شكرى لتسليمها  من  الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لأشقائه رؤساء وقادة  الدول الافريقية ، وبدأت بلقاء مع الرئيس الكينى أوهورو كينياتا  وتضمنت وضع المفاوضات حول سد النهضة والموقف المصري في هذا الصدد ، كما تم  استعراض مجريات اجتماعات كينشاسا الأخيرة التي استضافتها جمهورية الكونغو الديمقراطية يومي 4 و5 إبريل الجاري، والتي شاركت فيها مصر بارادة سياسية صادقة بهدف الاتفاق على اطلاق مسار تفاوضي جاد يسفر عن اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يحفظ حقوق الدول الثلاث ويحقق مصالحهم المشتركة، واكد الرئيس السيسى فى رسالته للرئيس الكينى تطلع مصر إلى العمل مع الدول والأطراف المعنية لإيجاد حل لهذه الأزمة والتوصل لاتفاق، بما يحافظ على أمن واستقرار المنطقة ..

رسائل وتحركات الفرصة الأخيرة :

قلت له أيضا ، انظر إلى المتابعة الجيدة من جانب وزارة الموارد المائية والرى وما لديها من معلومات ، فهى التى أكدت فى بيان مساء  أمس الاثنين أن مخارج التوربينات الثلاثة عشر غير جاهزة للتشغيل حالياً ، ومن ثم فإن توليد الكهرباء بالدرجة التى يروج لها الجانب الاثيوبى غير صحيح، وهناك ارتباط قوى بين جاهزية التوربينات للتوليد وبين كمية المياه المخزنة ، ولكن الجانب الإثيوبى يسابق الزمن لفرض أمر واقع على دولتى المصب من خلال ملء بحيرة السد للعام الثانى على الرغم من عدم جاهزية السد للتوليد الكهربائى المخطط له

عليك قراءة البيان الصادر عن وزارة الرى جيدا ، فها هو البيان يؤكد أن مصر أبدت مرونة كبيرة خلال المفاوضات على مدى السنوات العشرة الماضية بهدف الوصول لإتفاق قانوني عادل وملزم فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، و أن شروع الجانب الإثيوبى فى بدء عملية الملء الثانى للسد هو استمرار للنهج المتبع بفرض سياسة الأمر الواقع بإتخاذ إجراءات أحادية من شأنها إحداث ضرر بدولتي المصب، وذلك لغياب آلية تنسيق واضحة بين الدول الثلاث فى إطار إتفاق قانوني عادل وملزم .. كل ذلك يا رجل يحمل فى طياته رسائل واهداف تسعى مصر جاهدة لتوضيحها وشرحها للمجتمع الدولى .. هذه المساعى فى تقديرى هدفها النهائى وقولا واحدا هو اقامة الحجة والبرهان للمرة الأخيرة على من يقبعون ويتحدثون بتعنت و”عنجهية” فى أديس أبابا .. بعدها سيكون لكل مقام مقال.

صديقى الذى كان أكثر انفعالا وقلقا فى بداية الحديث ، نزلت على روحه السكينه والهدوء وابدى تفهما لما تقوم به الدولة والمؤسسات المصرية ، هذه المساعى  يستحيل معها التفريط فى نقطة مياه واحدة من مياه النيل ..لأن حدوث ذلك يعنى فناء مصر وضياعها وهو أمر نموت دونه .


كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى وشئون الزراعة والمياه – رئيس تحرير بوابة الزراعة