مصطفى خلاف يكتب: على من يساهموا في بناء “سد الفناء” أن يتوقفوا
جاءت تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبى آبى احمد أمس الأحد لتؤكد أن “أديس أبابا” ماضية فى مخططها الخاص بالملئ الثانى لسد ” الفناء” دون أى تغيير خلال موسم الأمطار في يوليو وأغسطس المقبلين، بصرف النظر عن التوصل لاتفاق قانونى مع دولتى المصب مصر والسودان ، وهو ما يعنى ان تصبح مصائرنا ومستقبلنا بيد الاثيوبيين.
وجميع الشواهد التى تم رصدها ومتابعتها على مدار الساعات الماضية تؤكد أن اثيوبيا تواظب على تناول حبوب ” الشجاعة” وعدم المبالاة لمواجهة الاعتراض والرفض الذى تعلنه القنوات الدبلوماسية الرسمية فى كل من مصر والسودان وحتى الوساطات والنداءات التى اطلقتها جهات من بينها الأمم المتحدة ، وانها لا تلتفت لما يصدر من اشارات تبلور خطورة الوضع ، وأهما ما حذر منه الرئيس السيسى باعتبار أن مياه النيل خط أحمر ، وما تلا ذلك من ترتيبات ومناورات عسكرية مشتركة مع الأشقاء فى السودان ، وهو ما كان موضع تحليل راح أصحابه فى كل وادى يهيمون ..ولعل ما صرحت به رئيسة إثيوبيا ساهلي وورك زودي مؤخرا يدعم وجهة النظر التى ترى أن “أديس ابابا ” لن تتراجع عن مسألة الملء ولا يشغلها ولا يقلقها ” نغمة التهديد بالحرب” التى ذهب اليها البعض .
رئيس أثيوبيا اكدت أن بلادها تجري الاستعدادات للمضي قدما في المرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة، جاء ذلك خلال كلمة لزودي في الذكرى العاشرة لبدء بناء سد النهضة الإثيوبي، نقلتها وكالة الأنباء الإثيوبية. وقالت زودي إن “أديس أبابا حرمت من الحق في تطوير مشاريع على نهر النيل، التي تنطوي على إمكانات كبيرة لثروتها الوطنية، وذلك على خلفية التحديات الداخلية والخارجية”. وأوضحت أن “تطوير نهر النيل مسألة بقاء بالنسبة لإثيوبيا، حيث إنه يساهم في توفير موارد المياه السطحية في البلاد بمقدار الثلثين”. وأعربت رئيسة إثيوبيا عن اعتقادها بأن “التطورات في نهر النيل ستقضي على الفقر في البلاد، وتفيد أيضاً دول المصب”. كما دعت البلدان المجاورة إلى “التعاون من أجل الاستخدام العادل والمعقول للموارد”.
ولا يخفى أن ما اشارت إليه “زودى ” هو محض افتراء وتزوير للحقائق ، فهذا السد ” الكابوس” الذى تم بناءه بمواصفات معينة وسعة تخزين غير مسبوقة يدخل تحت مسمى ” السدود المسعوره ” فضلا عن تأثيراته المرعبة على أوجه الحياه والزراعة والأمن الغذائى والبيئى .. هذه الأثار ستكون اكثر شراسة لم يتم التوصل لاتفاق قانونى ” يُلجم” ويحد منها وهو ما تحاول مصر والسودان الوصول اليه .
محطات مهمة .. وقراءة متأنية :
وقد سبق تصريحات “زودي”، تصريحات الرئيس السيسي، الثلاثاء (9 مارس 2021) أثناء لقائه بقادة وضباط صف وجنود القوات المسلحة، حيث قال أثناء حديثه، “لن نتفاوض إلى ما لا نهاية.. وإنما يجب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد”. وتابع السيسي قائلاً، “إن مصر لديها قوات مسلحة تعد من أقوى الجيوش في المنطقة كلها، ولكن استخدامنا للقوة دائما متوازن ورشيد ويهدف لحماية أمننا القومي وحدودنا واستقرار الدولة المصرية” .
هذه التصريحات فسرها البعض بأنها مؤشر لضربة عسكرية ، وأعاد الرئيس السيسي خلال زيارته إلى هيئة قناة السويس (الثلاثاء 30 مارس 2021)، تاكيده على حقوق مصر المائية قائلاً: “لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا”.
تعاون وتدريبات عكسرية مشتركة :
وشهد شهر مارس 2021 ، لقاءات مكثفة بين المسؤولين مصر والسودان فقد قام الفريق محمد فريد حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية بزيارة إلى الخرطوم في أوائل شهر مارس 2021، وذلك للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة العسكرية المصرية السودانية المشتركة برئاسة رئيسي أركان البلدين .. أسفرت اجتماعات الفريق حجازي مع المسئولين السودانيين عن توقيع القاهرة والخرطوم لاتفاقيات تعاون مشتركة عسكرية وأمنية، خاصة في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.
وصرح الفريق محمد فريد حجازي في مؤتمر صحفي أثناء زيارته للخرطوم أن مصر مستعدة لتلبية احتياجات الجيش السوداني في المجالات كافة، من التدريب والتسليح وتأمين الحدود المشتركة، مضيفا أن تعدد وخطورة التهديدات المحيطة تستدعي التكامل بين مصر والسودان، وشدد الفريق حجازي ورئيس الأركان السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين، في المؤتمر الصحفي المشترك، على أن تنفيذ إثيوبيا المرحلة الثانية من تعبئة السد بشكل أحادي سيشكل تهديدا مباشرا للأمن المائي للبلدين.
في نفس السياق أيضا قام رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بزيارة إلى القاهرة في 11 مارس 2021، والتقي بالرئيس السيسي ومدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، حيث استعرض اللقاء آخر التطورات والجهود المشتركة بين مصر والسودان فيما يتعلق بقضية سد النهضة، وتم التوافق على تكثيف التنسيق الحثيث بين الجانبين في ظل المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة.
مفاوضات “كينشاسا” الفاشلة:
وخلال مشاركة سامح شكري وزير الخارجية مع الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري في الاجتماعات التي عقدت في كينشاسا خلال يومي الأحد والاثنين 4 و5 إبريل 2021، والتي امتدت ليوما إضافيا إلى السادس من إبريل، بدعوة من الرئيس فيليكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي للتباحث حول إعادة إطلاق مفاوضات سد النهضة الإثيوبي المتعثرة منذ عدة أشهر، شدد سامح شكري بقوله على هامش تلك الاجتماعات على ضرورة أن تؤدي اجتماعات كينشاسا إلى إطلاق جولة جديدة من المفاوضات تتسم بالفاعلية والجدية، واعتبر شكري هذه المفاوضات بمثابة فرصة أخيرة يجب أن تقتنصها الدول الثلاث من أجل التوصل لاتفاق على ملء وتشغيل سد النهضة خلال الأشهر المقبلة وقبل موسم الفيضان المقبل.
بعد تصريحات “شكري” خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ وصرح بأن جولة المفاوضات التي عقدت في كينشاسا حول سد النهضة الإثيوبي خلال يومي 4 و 5 إبريل 2021 لم تحقق تقدما ولم تفض إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات، حيث رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونجو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث، ورفضت إثيوبيا كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.
وأكد “حافظ” أن إثيوبيا رفضت مقترحا مصريا تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونغولي وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة، وأضاف “إن أفعال أثيوبيا تلك تثبت بما يدع مجالا للشك قدر المرونة والمسئولية التي تحلت بها كل من مصر والسودان، ويؤكد على رغبتهما الجادة في التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الطرح مما أدى إلى فشل الاجتماع في التوصل لتوافق حول إعادة إطلاق المفاوضات.
وأضاف: إن هذا الموقف يكشف مجددا عن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية وسعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية، وهو نهج مؤسف يعيه المفاوض المصري جيداً ولا ينطلي عليه.
وعلى الجانب السوداني، قال ياسر عباس وزير الموارد المائية والري السوداني، إنه “إذا فشلت مفاوضات سد النهضة فسندافع عن حقوقنا بكل السبل المشروعة”
تمويل عربى ومواقف مريبة:
ما سبق من تطورات ومحطات توقع لها البعض أن تضع حدا للتعنت الاثيوبى ، بحيث يعيد التفكير والاحتكام إلى لغة العقل والجلوس “بجدية” على مائدة المفاوضات ، دون فائدة .. لكن الذى يستحق التوقف والتأمل ويتطلب قرارات واجراءات عاجلة ” من شأن القيادة السياسية دراستها و تحديدها ” تجاه من يقوم بتمويل السد الاثيوبى من الشركات الخليجية أو السعودية التى بلا شك تقوم بدورها بعلم ودراية من قادة هذه الدول .. هؤلاء عليهم التوقف فورا عن تقديم الدعم والتمويل ، لأن المسألة لم تعد استثمارا زراعيا أو مشروعات لإنتاج اللحوم والاعلاف الخضراء ، بل أصبح الأمر مسألة حياة ووجود لمصر ببعدها العربى والاسلامى ، فما يجرى من جانب هؤلاء – خاصة بعد جلاء ووضوح الحقيقة- لا يستقيم وتعاليم الدين الاسلامى وأصول وروابط العروبة ..
نحن فى وقت لن نستخدم فيه ” الاسقاط” أو التلميح للحديث عن هؤلاء ، فمستقبلنا وحياتنا على شفى حفرة ، وجميعنا فى مصر نعيش على حافة القلق ، فعلى الامارات المعروفة “تاريخيا” بمواقفها النبيلة مع مصر اعادة النظر فى علاقتها مع اثيوبيا ، و جدوى واهداف مواقفها منذ الإعلان عن التطبيع مع إسرائيل، منتصف أغسطس من العام الماضي، من خلال اتفاق تطوير ميناء حيفا الإسرائيلي، ليصبح الأكبر في شرق المتوسط، وإحياء خط الأنابيب القديم لنقل النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا والعالم، مروراً بالسعودية والأردن إلى إسرائيل، وصولا إلى مشاركة إسرائيل واليونان في خط أنابيب أسفل المتوسط لنقل الغاز، والقائمة تطول.. وقبل ذلك الدعم والتمويل لمستثمرين وشركات اماراتية لمشروع سد ” الخراب ” الاثيوبى .. وما ينطبق على الامارات يطول السعودية ودول الخليج العربى .. من ساهم فى بناء هذا السد “المسعور” عليه أن يتوقف فورا ..فلا مجال للمواربة أو المجاملة أمام مستقبلنا ووجودنا .
كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى وشئون الزراعة والمياه – رئيس تحرير “بوابة الزراعة “