التَّوَكُّل عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ وَصَدَق اعْتِقَاد بِالْقَلْبِ بِأَنْ كُلَّ الْأُمُورِ تُجْرَى بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وبحكمته .
وَيُبَرْهِن عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ لِلنَّبِىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أعقلها وتوكل) . وَصَحِيح أَنَّ الْحَذَرَ لايمنع قَدْر لَكِنْ مِنْ خَلْقِ الْكَوْنُ بِقَانُون السَّبَبِيَّة هُوَ مِنْ يَأْمُرُك بِالْأَخْذ بِالْأَسْبَاب فِى كُلِّ مَنَّاح الْحَيَاة .
وَلَا يَنْفَعِل الْكَوْن لَك ويعطيك إلَّا إذَا تَفَاعَلْت مَعَه بقانونه . فَالْأَرْض لَن تُعْطَى لَك الزَّرْعُ إِلا إذَا حَرَثْتهَا وَوَضَعَت فِيهَا الْحَبّ .
وَلَن تَحْصُلُ عَلَى مَا فِى بَطْنِ الْأَرْضِ مِنْ كُنُوزِ ا لَا إذَا عُمِلَتْ عَلَى إخْرَاجِهَا
وَلَن يَأْتِى الْبَحْر بِخِيَرَة إلَّا إذَا أُلْقِيَت شُبَّاك الصَّيْدِ فِيهِ .
وَلَنْ تَكُونَ لَكَ كَلِمَة مَسْمُوعَةٍ إلَّا إذَا كُنْت تَمْلِك أَسْبَابِهَا وَلَعَلَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (وأعدوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةِ ) وَمَفْهُوم الْقُوَّة وَاسِعٌ وَشَامِلٌ أَىّ الْقُوَّة بِكُلّ أَنْوَاعِهَا .
مِمَّا سَبَقَ يَعْنِى أَنَّنَا مَأْمُورُون بِالْعَمَل وَعَدَم الْكَسَل والتواكل . . . . فِى كُلِّ جَوَانِب الْحَيَاة .
لِأَنّ الَّذِى خَلَقَ الْكَوْنُ هُوَ خَالِقُ الْأَسْبَاب وَأَمَرَنَا بِالْأَخْذ بِهَا . وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ يَكُونَ قَدْ خَالَفَ الْأَمْر الإلهى .
حَتَّى فِى الإجْرَاءات الاحترازية لِتَجَنُّب الْوُقُوع فِى المعاصى وَارْتِكَاب الْمُحَرَّمَات كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخُمُورِ وَالْمُخَدَّرَات فَقَد منعنااللَّهُ أَنْ نقترب مِنْ أَمَاكِنِهَا حِفَاظًا عَلَيْنَا . أَو بالابْتِعَاد عَن الْأَمْرَاض وَأَمَاكِن انْتِشَار الأوبئة مِثْل الطَّاعُون وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ الفتاكة كَمَرَض فَيْرُوس كورونا الْآن
يَأْمُرُنَا رَبَّنَا بالابْتِعَاد عَنْ كُلِّ ما يَقْرَبْنَا مِنْهَا بِقَوْلِهِ (ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة) وَيَقُول النَّبِىّ صَلَّى إلَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِى نَفْهَمُ مِنْهُ سَلَامِه الإجْرَاءات التحذيرية وَإِن الْوِقَايَة خَيْرٌ مِنْ الْعِلَاج يَقُولُ فِى مَعْنَى الْحَدِيثِ ( مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحَمَأ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ) .
وَعِنْدَمَا نهرب وتبتعد عَنْ كُلِّ الْمُهْلِكَات أَيًّا كَانَ نَوْعِهَا إيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ إِنَّك تَهَرَّبَ مِنَ قَدْرِ اللَّهُ بَلْ نَحْنُ نهرب مِنْ قَدْرِ إلَى قَدْرِ اللَّهُ الَّذِى أَمَرَنَا بالحِيطَة وَالابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ مايهلكنا بِالْأَخْذ بِالْأَسْبَاب .
لَكِن هُنَاك مُلَاحَظَة مُهِمَّةٌ أَنَّهُ مَعَ اتخاذك لِلْأَسْبَاب الَّذِى أَنْت مَأْمُورٌ بِهَا إنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِى كُلِّ شَىْءٍ فالاسباب بِدُون رَبّ الْأَسْبَابَ لَا شَىْء
وَاقْرَأ أَن شئت( أَفَرَأَيْتُم ماتحرثون أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون) . وَالْأَدِلَّة كَثِيرَة ويكفى قَوْله تَعَالَى (وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) .
التَّوَكُّل عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ وَاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ بِأَنْ اللَّهَ رَبُّ الْأَسْبَابِ وَأَنَّ بِيَدِهِ كُلَّ شَىْءٍ وَإِنْ أَمَرَهُ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّون فَهُو الَّذِى يُعْطَى الْأَمْر لِلْأَسْبَاب أَن تَسْتَجِيب لَنَا أَوْ يُبَارَكُ لَنَا فِيهَا نَفَحَات اللَّهُ لِكُلِّ مِنَّا كَثِيرَةٌ فَقَط أَجْلِسَ مَعَ نَفْسِك سَتَجِد إنَّ لِلَّهِ عَلَيْك نَعَم كَثِيرَةٌ ولطائفه أَكْثَر .
وَأَيْضًا يُمْكِن أَنْ يُعَطِّلَ الْأَسْبَابَ إذَا شَاءَ . كَمَا عَطَّل إحْرَاق النَّار لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيم لكى يَنْصُرَه وَالْأَمْثِلَة كَثِيرَةٌ فِى هَذَا فَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَنْزِعَ مِنْ فَيْرُوس كرونا خُطُورَتُه اوبكشفه
الْخُلَاصَة عَلَيْنَا أَنْ نُغِيرَ ثقافتنا وَنَأْخُذ بِالْأَسْبَاب الْمُنَجِّيَة الَّتِى خَلَقَهَا اللَّهُ لَنَا .
وَفِى هَذَا السِّيَاقِ تُحْكَى قِصَّة وَرَدَ ذِكْرُهَا فِى الْأَثَر
أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنُ أَدْهَمَ . . . كَانَ فِي سفرٍ لَه ، وَكَان تاجراً كبيراً ، وَفِي الطَّرِيقِ وَجَد طائراً قَد كَسْر جَنَاحِه ، فَأَوْقَف الْقَافِلَة وَقَال : وَاللَّهِ لأَنْظُرَنَّ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِطَعَامِه ، أَم أَنَّهُ سَيَمُوتُ ، فَوَقَف مَلِيًّا فَإِذَا بطائر يَأْتِي وَيَضَع فَمه فِي فَمِ الطَّائِر الْمَرِيض وَيُطْعِمُه ، هُنَا قَرَّر إبْرَاهِيمَ أَنَّ يَتْرُكَ كُلَّ تِجَارَتِه وَيَجْلِس متعبداً بَعْدَ مَا رَأَى مِنْ كَرَمِ اللَّهُ وَرِزْقِه ، فَسَمِع الشِّبْلِيّ بِهَذَا فَجَاءَه وَقَال : مَاذَا حَدَثَ لِتَتْرُك تِجَارَتَك وَتَجْلِسُ فِي بَيْتِك هَكَذَا ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الطَّائِر ، فَقَال الشِّبْلِيّ قولته الْخَالِدَة : يَا إبْرَاهِيمُ ، لَم اخْتَرْت أَنْ تَكُونَ الطَّائِر الضَّعِيف ، وَلَم تَخْتَر أَنْ تَكُونَ مِنْ يُطْعِمُهُ ؟ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ حَدِيث الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ) . .
فَمَا أَجْمَل الْعَمَلِ إذَا كَانَ مَعَهُ إيمَانٌ بِالْمُنْعِم وَمَقْرُونًا بِالتَّضَرُّع وَالدُّعَاء الَّذِى يُجْلَب لَه الْمَعُونَةُ منْ اللَّهِ فَقَدْ وَعَدَنَا بِالِاسْتِجَابَة (ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ )
فاللهم اكْشِفْ عَنَّا الْغُمَّة وَالْبَلَاء وَالْوَبَاء وَأَنْعَم عَلَى بِلَادِنَا مِصْر بِالْأَمْن وَالْأَمَان وَالسَّلَامَة وَالسَّلَامَة .
دُكْتُور إِبْرَاهِيم دَرْوِيش أُسْتَاذ وَرَئِيس قِسْمٌ المحاصيل بزراعة المنوفية .