الدكتور جمال صيام يكتب : وزير الزراعة الجديد والزراعيون وإشكالية التخصص( 3)
وزير الزراعة الجديد والزراعيون وإشكالية التخصص
حدث في السابق اختيار وزير للزراعة من غير المتخصصين في العلوم الزراعية ، ولكن ذلك على أي حال كان استثناء ، فقبل ثورة يوليو 1952 تبوأ الأستاذ فؤاد سراج الدين (الباشا) هذا المنصب وهو حقوقى ، وبعد يوليو كان هناك عبد المحسن أبو النور وهو أحد الضباط الأحرار ، وكان هناك أيضا المهندس أبو العطا وهو مهندس ، وفى أواخر عهد مبارك كان هناك الأستاذ أمين أباظة وهو رجل أعمال وخريج اقتصاد وعلوم سياسية ، أما الأستاذ السيد القصير ، الوزير الحالي ، فعلى حد علمى هو أول خريجى التجارة في هذا المنصب. الزراعيون في “جروباتهم” الف على وسائل التواصل الاجتماعى مختلفون حول الرجل.بعضهم لديه حساسية شديدة تجاه غير المتخصصين ربما غيرة على التخصص ، وحجتهم في ذلك أن هناك قامات زراعية سامقة ، لماذا يتم تجاهلها في عملية الاختيار . ومثل هذه الحساسية موجودة على مستوى آخر بين بعض الزراعيين والبعض الآخر ، مثل تلك الموجودة بين هيئة الباحثين في مركز البحوث الزراعية من جانب وأساتذة كليات الزراعة من جانب آخر ، إذ يرى الفريق الأول أنهم أولى بالمنصب من الفريق الثانى .
وبعيد عن هذه الحساسية هناك يعتبر أن شغل غير المتخصص للمنصب أمر عادى لا غبار عليه طالما أنه يملك مهارات إدارية كافية تؤهله لإدارة القطاع بكفاءة ، وربما يستدلون على نماذج من الخارج عندما ترشح الأحزاب المشاركة في تشكيل الحكومة من يمثلها من كوادرها السياسية. ويقولون أن الرجل منصب رئيس البنك الزراعى لفترة ثلاث سنوات ومن قبله كان رئيسا لبنك التنمية الصناعية وأدارهما بكفاءة فلماذا لا ينجح في إدارته القطاع الزراعى؟ ، كما يستشهدون بأن كثيرا من الوزراء “الزراعيين” لم يفعل شيئا ذا بال في حل المعضلات المزمنة التي تقصم ظهر الزراعة المصرية .ويرد البعض على هذه الحجة بأن الزير (أي وزير) يتحرك في نطاق محدد تحدده له السياسة الحكومية ، ولا يستطيع من ثم أن يختبر قدراته ومبادراته لحل المشاكل بحرية كاملة. وفى هذا السياق لا بد أن نذكر الدكتور يوسف والى ، وكان وزيرا قوى النفوذ بفضل موقعه كنائب لرئيس الوزراء ونائبا لرئيس الحزب الوطنى (مبارك) ، ورغم هذا النفوذ فقد صرح في إحدى المرات ، عندما سأله أحد الصحفيين ، لماذا تتبنى التطبيع مع إسرائيل؟ فكانت إجابته قاطعة : أن الوزراء مجرد سكرتارية للرئيس (يقصد أن هذه سياسة الرئيس مبارك وليست من عندياته) ، ولابد أن نذكر لهذا الرجل بصرف النظر عن الهجوم الكبير في موضوع المبيدات المسرطنة ، فقد شهدت الزراعة في عهده طفرات كبيرة لا سيما في مجال البحوث الزراعية ورفع الإنتاجية وخاصة في مجال الحبوب الرئيسية. إذا كان هذا الوزير القوى التافذ يرى نفسه سكرتيرا للرئيس فما بالك بوزير عادى.؟.
الوضع مازال على ما كان عليه .علينا إذن ، سواء كنا زراعيين أو غيرهم ، أن نتوقع الكثير من الوزير الجديد ، إلا ما يستطيع هو أن يبدعه من حلول في إطار الدائرة المرسومة له على المستوى الحكومى.
نحن نعرف السيرة الذاتية للرجل ، ولكننا لا نعرف طريقة تفكيره ، وهل هو مجرد موظف يلتزم حرفيا بالأوامر من المستويات الأعلى دون الجراة على حتى مناقشتها ، أم هو رجل “مبدع” يستطيع إنجاز مبادرات واختراقات لمواجهة المشكلات الحالية؟ وهل يفكر بطريقة مؤسسية أم يشخصن الأمور؟ ،وهل سيتعامل مع القطاع ك “محاسب” يرصد الأرباح والخسائر أم يراه قطاعا اجتماعيا يعول نصف سكان مصر؟ أسئلة ستظهر إجابتها في المستقبل القريب.
د.جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعى
جامعة القاهرة