أخبارخدماترئيسيمجتمع الزراعةمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : المسؤولية آمانة ستحاسب عليها عاجلا..أو آجلا ( نفحات الجمعة)

نعم لا تتنصل من مسؤولياتك ولاتحتمى بقوتك او عائلتك او سطوتك .او منصبك .ولاتنخدع فى الدنيا ..ولا فى من حولك ..او من يعاونك على ظلم الناس فأنت تظلم نفسك اولا . وتحملها مالا طاقة لك فكل شيئ زائل ..وكل ما ستكسبه فى يوم قريب سيكون بينك وبينه حائل …فانت اليوم على ظهر الارض وغدا فى باطنها..وانت اليوم تذكر ..وغدا بعد الموت تنكر …
وقد ولدنا فرادى وسنموت فرادى يقول الله تعالى: (وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا) سورة مريم….
وفى كل مجالات الحياة ألان نقول أين المسؤؤول ؟ ..فالمسؤولية تكليف وليست تشريف ! ولاتعنى انه ذو حظوة ومسنود ! ولكنه يحمل الامانة ومطلوب !

فمتى نستشعر مسؤوياتنا عن انفسنا واخلاقنا وقيمنا ونصرة الدين والحق ونعلم اننا جميعا طالما نحن احياء فى الدنيا فنحن فى امتحان واننا مسؤولون .عن كل تكليف وكل موقع وجدنا فيه بل كل فعل وكل كلمه ومسؤولون عن تربية ابنائنا ونهضة مجتمعنا والمحافظة على اوطاننا .

مفهوم المسؤولية

المسؤولية: هى تكليف بأمر ما يتبعه حساب على مدى امتثالك لهذا ألامر وحجم انجازك له وطريقة الاداء..وهل نجحت فى مهمتك المكلف بها ام لا …ولو كان هناك نجاح نسأل ..بأى نسبه ..
وعلي النتائج اما ان تثاب وتمدح او تعاقب وتذم ..
فان كان التكليفات ممن هم فوقك فى الدنيا فستحاسب فى الدنيا حسب العرف والتقاليد واللوائح والقانون والدستور وان كانت التكليفات إلاهية فستحاسب بين يدى الله يوم القيامة.
والانسان الذى خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه لم يتركه الله سدى ولكنه كلفه بمهام فى هذه الحياة ..عن طريق الانبياء والرسل
وسوف يحاسب عليها ولن يستطيع ان يفلت من حساب الله يوم القيامة مهما كانت قوته او حجته يقول تعالى(وقفوهم إنهم مسئولون مالكم لا تنصرون ، بل هم اليوم مستسلمون) [الصافات].
وكل مخلوق سيسأل أمام من هو فوقه إلا رب العزة سبحانه فليس فوق الله أحد فهو سبحانه : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (الأنبياء)
وقد تجد البعض فى الدنيا يتهرب من مسؤوليته ويتحجج ويتنصل لكن امام الحق سبحانه لامفر ولا مهرب. فالشهود عليه من نفسه ايديهم وارجلهم حتى جلودهم ينطقها الله ..يقول تعالى (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله) واعماله مسجله عليه فى كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها ويقول الله تعالى له ( إقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )..وقد يكون هناك استثناءات فى الدنيا لكن فى الاخرة لايوجد استثناء …

حدود المسؤولية

لاتوجد مسؤولية إلا بتكليف ممن هو فوقك او يملك زمام ألامور . ولا يكون هناك تكليف إلا اذا كنت تتمتع بإرادة واعية، ومدركة، عاقلة فلا تكليف على نائم لفقدان الوعي ولا على صبي لم يبلغ الحلم ولا تكليف على مجنون لفقدان العقل لقول النبى : ﷺ(رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)
و يخرج الانسان من دائرة التكليف ولا نحمله المسؤلية فى أحوال هى النسيان ،والاكراه والاضطرار على الفعل ، والجنون وذهاب العقل لقول النبوى صلى الله عليه وسلم (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)..ولقول الحق سبحانه ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) [البقرة]. .

وكل مسؤول مطالب بتحقيق المبادئ التالية حتى ينجح فى مهمته المكلف بها ..

١- تحقيق العدالة فى كل قرارته او اختياراته او اعماله فلايجامل على حساب الحق او على حساب المصلحة العامة ..او يميل على حسب الهوى والمنفعة والمصلحة وعليه ان يعلم انه سيحاسب عن ذلك امام المولى عز وجل يقول تعالى( ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الإسراء)
٢- المسؤولية تكون عامة فى كل صغيرة وكبيرة ..فسرقة البيضه كسرقة الجمل ..فلايفتح بابا للفساد ولا للتربح ..ولا للمحسوبية كل ذلك الله يعلمه يقول تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ,ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
٣- لاتوجد استثناءات فى تحمل المسؤولية .نعم اصبحت كل حياتنا استثناءات ومجاملات مع انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) ولقول الله تعالى عن بر الوالدين ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما) [العنكبوت]
٤- التعامل المنضبط. المجرد من الهوى ويكون لمن فوقك بالتوقير والاحترام ولمن تحتك بالرحمة والتقدير ..

و تنقسم المسئولية إلى قسمين هما : المسؤولية عن النفس؛والمسئولية عن الغير…
(أ)المسؤولية عن النفس

لايليق ان تظلم نفسك وتوردها الهلاك فى الاخرة ..لمجاملة أحد ..مهما كانت درجة محبتك له او درجة قرابته منك ….ففى يوم القيامة ستجد الكل يقول نفسى نفسى..نفسى لان المسؤولية فردية .وسنهرب من احب الناس الينا واقربهم لنفوسنا
يقول تعالى ( فَإذا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ؛ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ..؛ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ؛ لِكُلِّ أمرئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) سورة عبس…
وستسأل وحدك ومن تخدمه اليوم على حساب العدل سينكرك يقول تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يقول تعالى ( ألاخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ويقول تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) [فاطر] وكل ماتفعله ستجده فى ميزانك يقول تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة]

(ب) المسؤولية عن الغير:

فالانسان لايعيش بمفرده بل يعيش مع غيره وفى اسرة ومجتمع ودولة وبالتالى هناك مسؤوليات مشتركة بينه وبين ألاخرين ..فانت مسؤول عن اسرتك زوجتك او مسؤلة عن زوجك واولادك ومؤسستك التى تعمل بها وعن مجتمعك ووطنك وقيمك ودينك …
ولذلك يأتى قول رسول الله ﷺ الواضح والشامل فى ان الجميع مسؤول عن ماكلف به من مهام فى قوله :(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا….)رواه البخاري

والمسؤلية عن الغير تستدعى ان تكون العلاقات بينك وبين الاخرين لها اسس وضوابط قائمة على العدل والاحترام والتقدير والرحمة والشفقة وحسن الاخلاق فى القول والعمل يقول تعالى (وقولوا للناس حسنا) وان يأمن الناس شرك وجهلك وعدم ظلمك يقول النبى فى الحديث : (“المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ”) (البخاري)،
وتكون العلاقة ليست بالقهر والاجبار ولكن بالترفق والنصيحة بالحسنى يقول تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم باللتى هى احسن } وتسعى دائما لاصلاح دات البين وتقوية الروابط ولاتكن سببا فى اشعال الفتن والخلافات يقول تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.
ولاتتجبر على الضعفاء بل عاملهم بالرحمة بالضعفاء من النساء والفقراء والمساكين والايتام يقول تعالى {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}

وتذكر دائما بأنك جئت إلى الدنيا وحيدا وستغادر وحيدا وستحاسب وحيدا..لا أحد معك
فإذا وعيت هذه الحقيقة وابصرتها فلنفسك يقول الله تعالى (فمن أبصر فلنفسه) وان كل عمل تقوم به اما ان يكون لك فتثاب عليه او عليك فيكتب عليك به وزر يقول تعالى (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها )
واذا رضيت عن ربك وشكرت نعمه فلنفسك و سيعود عليك بالزيادة يقول تعالى (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) ويقول تعالى ( ولئن شكرتم لأزيدنكم) وصدق الله إذ يقول (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) ومن ابتعد عن المعاصى وجاهد نفسه فهو يعتق رقبته من العذاب يقول تعالى(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) ومن عرف طريق الهدايه فلنفسه يقول تعالى(فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) ويقول تعالى(ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه)ومن ينقض العهود ويخون الامانات يكون ذلك على حساب نفسه ويقول تعالى (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) ويقول تعالى (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه)

و المسؤولية أنواع متعددة منها :

أولا: مسؤولية القدوة والمنصب فى البيت وفى العمل وفى القيادة فانت نموزج يحتذى اذا كنت ابا او مسؤلا فالعيون والقلوب متعلقه بك وتتفحص تصرفاتك فلابد ان تحون ملتزما ومنطبطا فى كل شيئء ولا تكون امعه ..ولا تاتى بخلق وانت تنهى عنه ..

ثانيا: مسؤولية الكلمة بكل صورها المكتوبة او المسموعة : ولله در الشاعر إذ يقول:و ما من كاتب إلا ستبقى كتابتـه و إن فنيت يداه…فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
وفى خطورة الكلمة يقول النبى صلى الله عليه وسلم :(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها سبعين خريفا في جهنم) بالاضافة الى المحفاظة على السر حتى فى اوقات الخلاف ولاتكن ممن قيل فيهم و اذا خاصم فجر..

ثالثا مسؤولية العهد والوفاء به وتحمل تبعاته ..

والانسان المسؤول هو الذى لايلقى التهم على الاخرين …فهو يدرك انه مسؤول عن نفسك وعن ماهو مكلف به فهو فى اختبار وامتحان عليه ان يجتازه وحده فى هذه الحياه حيث يمضي الإنسان في حياته فيعمل ويجتهد، ويخطئ ويصيب، ويطيع ويعصي، ويعيش بين الناس، لكنه في النهائية مسؤول لوحده عن كل اعماله أمام الله تعالى فقال: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ؛ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) سورة النجم.
و الإسلام يجعل الفرد متحركا وفاعلا لبناء أمته من تلقاء نفسه، ولا يحتاج لمحفزات خارجية، فمحفزاته الداخلية من ابتغائه رضا الله تعالى وجنة عرضها السماوات والأرض تكفيه وتعتبر وقوده وزاده الذي يحافظ على ديمومة عمله

نماذج لتحمل المسؤولية

لدينا نماذج متعددة فى استشعار المسؤولية منها مثلا، الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- حيث بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة بمفردهم وربما لم يستجب لهم أحد.
و مؤمن آل فرعون الذي جهر بالحق: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴿٢٨﴾ سورة غافر.
ولدينا في الصحابة نماذج كثيره منها: ابو بكر الصديق رضي الله عنه في إعتاق العبيد والنفقة على الدعوة ونبيها، وعثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يجهز ثلث جيش العسرة في غزوة تبوك، ويشتري بئر رومة، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين يأتي بقبيلتي غفار وأسلم مسلمتين، ومصعب بن عمير رضي الله عنه حيث يهاجر مضحيا ليكون سفير الدعوة في المدينة.

وكل مخلوقات الله تستشعر المسؤولية. ولنا فى النملة التى حذرت مملكة النمل من جيش سليمان عليه السلام فكانت سببا فى انقاذهم …وكذلك هدهد سليمان ﷺ واستشعاره المسؤولية عن العقيدة والدين: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السماوات وَالأرض وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ؛ اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) سورة النمل.
فالهدد مدرك للخطأ والانحراف ومدرك للصواب وما ينبغي في حق الله عز وجل، ولم ينتظر تكليفا برصد الخطأ أو تعلم وتعليم الصواب.
فمتى يتحمل كل منا مسؤوليته التى اوكله الله إياها ويراعى الله فيها..ويكون ضابطه ضميرة ورغبته فى رضا ربه دنيا واخرة..
جمعتكم طيبة مباركة
ا.د / ابراهيم حسينى درويش

 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى